23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

الدولة اسم ودلالة لكيان غير ملموس يجسده الأفراد الذين يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الادارة ، وقد يظن كثيرون ان الدولة تتجسد في الادارة العليا فقط او في المناصب القيادية والسلطة والمقامات والقصور و الاملاك و الثروات وامتلاك القوة ، لكن كل هذه الاشياء مجتمعة لا قيمة لها في كيان الدولة اذا لم يتوفر لها الانسان العاقل الذي هو محور كيان الدولة والذي يمنحها الحياة و المعنى ، وهو يحييها ويسخرها للمسار صحيح لتستمر وتدام لتدوم من اجل ان تنتعش وتتطور ، لكن فقط إذا ما احسن ادارتها.

الانسان ذو النفس و العقل هو من يجعل للدولة معنى ويعطي لهذا الأسم دلالته الصحيحة ، وبدونه لن يكون هناك دولة ولن يكون هناك معنى لهذا الاسم ، لكن ليس كل انسان قادر على ان يكون جزء مكون او مشارك في بناء الدولة إذ يجب ان يكون الانسان نظيف النفس سليم العقل شديد العزم و الثقة بوطنه و شعبه و امته ليكون قادرا على العطاء والتأثير ، ومن خلال الكفاءة في الانجاز تظهر معالم الدولة وهيبتها. الدولة اذا هي الانسان بأوصافه و عقله و رقي نفسه وعلمه وكفاءته التي تعكس فهمه لأنسانيته ودوره في بناء المجتمع وكلما كانت اوصاف الفرد في المجتمع والشعب عالية بعقولها و ثقافتها و فهمها لدورها في الحياة كانت دولتهم قوية متماسكة متطورة ومتفوقة ، و اذا لم يعش الشعب بكرامة وحرية واحترام وقدرة على الابداع لن يتحقق التوازن في بناء النفس والعقل ولن يكون قادرا على ان يحافظ على نظافة الروح الانسانية بقيمها ورقيها. لذلك تهتم المجتمعات بالعلم والتعليم والبحث و التطوير وترعى الابداع و الخلق و السيرة الحسنة للافراد لتؤسس بهم دولة قوية قادرة على ادارة نفسها بابناءها ، فتجد فيهم وبشكل متجدد طلاب العلوم و العلماء والادباء و المثقفين الذين يسعون الى التجديد و التطوير .

لكن ومع كل الاسف ، نحن نعيش في زمن تأسست فيه الدولة في العراق على مفاهيم خاطئة و مختلفة عن المعايير والبديهيات لمؤسسات الدولة بما لا يمت بصلة للعقول و النفوس النظيفة التي سبق ذكرها ، المؤشرات و النتائج بعد 15 عام مرت ، كلها تؤكد ان دولة العراق قد تأسست بالاعتماد على الجُهال ممن لا علاقة لهم بقواعد واسس بناء الدولة و يحرصون فقط على المكاسب و المناصب وهدر الثروات لمصالحهم الشخصية ، وحججهم انهم متمسكين بالتراث التاريخي ، ذلك التراث القديم ذو الموروث المسموم المليء بغبار التاريخ الملوث بالدسائس و الضغائن والمبني على البغض و الكراهية ، و للأسف ترسخ واستقوى واستحوذ من يحملون هذه الافكار و اعتقدو انهم اسسو دولة ، الا انهم في وهم كبير ، فدولتهم هشة وستقودهم الى الانهيار ، لأن دولتهم بنيت على الرشوة والظلم والفساد و الجهل وحتما في يوم ما سيخرج الشعب عن طوره ويلجأ الى العصيان لرفض القيم و التقاليد البالية التي قادت المجتمع الى دولة فاشلة بكل المعايير ، وحينها ، سينهض الشباب بعزم وشجاعة حاملين لواء العلم والمعرفة و الثقافة و الاخلاق والرحمة و العدالة والقيم الانسانية المبنية على العقل و المنطق ، مصممين على اعادة بناء الدولة من جديد وعلى اسس صحيحة والقضاء على دولة الفساد و الجهل ، وهو ما بانت بوادره في شباب البصرة الفيحاء.