طلب تلامذة أرسطو اليه يوما أن يضع دستورا نموذجيا ً فأجابهم “صفوا لي أولاً الشعب الذي تطلبون اليه دستورا مع تحديد زمانه ومكانه وظروفه الاجتماعية والاقتصادية فأضعه لكم.”
فالدستور هو النص الاعلى الذي يحدد القواعد الاساسية لشكل الدولة ونظام الحكم فيها، وينظم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات، وحدود كل سلطة، وواجبات كل سلطة، والحقوق الاساسية للأفراد والجماعات، كما يضع الضمانات للأفراد تجاه السلطة نفسها. وعلى الدستور ان يحمي ويمثل كافة اطياف المجتمع، هذه هي القواعد العامة المعمول بها في جميع انحاء العالم . ومن حيث الاطار العام فان الدساتير تقسم في العادة الى ثلاثة عناوين رئيسة وهي اولا ما يشترك فيه مع جميع الدساتير من حيث ذكر الحقوق الاساسية للافراد والضمانات التي يتمتعون بها ، ثانيا الطبيعة الاساسية للنظام وهويته، ثالثا اختصاصات السلطات وواجباتها .
انطلاقا من تلك الاهمية للنص الدستوري يجب وقبل البدء بعملية الصياغة او التعديل ان يتم وضع المفاتيح الاساسية للعملية الدستورية والتي ستضمن تمثيلا حقيقيا لمصالح الشعب وديمومة وحدة البلاد وهي :
اولا : ادراك ان الدستور ملك لكل الشعب وهو وثيقة سياسية و قومية تخص كل شعب بكل مكوناته واطيافه ويجب ان تتمثل فيه مصالح كل افراد الشعب بعيدا عن مبداء الاغلبية والاقلية .
ثانيا : إن صياغة الوثيقة الدستورية مهما كانت تسميتها ( دستور ، قانون اساس ، قانون تاسيسي : الخ ) تتطلب ليس فقط المشاركة و لكن أيضا الشفافية في هذه المشاركة.
ثالثا : في كتابة الدستور الجديد، لابد و أن يحترم الشعب المواثيق و العهود الدولية التي صادقت دولته عليها في العهود السابقة. فتلك المواثيق في معظمها إنما هي عقود تحمي حقوق الإنسان في داخل دولته بعيدا عن المزاج العام للشعب.
رابعا : ينبغي أن يأتي الدستور او التعديل الدستوري معبرا عن طبيعة الشعب وعن قبول حقيقة وجود اختلافات وليس خلافات بين المجموعات العرقية والاثنية المكونة للشعب
خامسا : يجب ان يشعر المواطن بإن الدستور هو حامي المواطن ضد بعض السياسات العامة التي قد تأتي متحيزة مع فئة معينة أو ضد فئة أخرى.
سادسا : إن كل الأقليات في الدولة تحتاج إلى ضمان تمثيلها عند كتابة الدستور او تعديلة
سابعا : ضرورة بناء التوافق المجتمعي في عملية وضع الدستور او تعديله .
بالنسبة لطرق صياغة الدساتير فهناك طرق عفى عليها الزمن مثل طريقة (المنحة ) ، وهو أن تتركز السلطة التأسيسية الأصلية من الناحية القانونية فى شخص رئيس الدولة وتظهر فى شكل منحة منه للأمة يتنازل فيها عن بعض سلطاته وحقوقه إلى الأمة، وطريقة (التعاقد ) ، وهي ان يصدر الدستور نتيجة اتفاق أو عقد بين الشعب والحاكم.وهاتان الطريقتان تركهما قطار الزمن لعدم توافقهما مع اسلوب الحياة العصري لارتباطهما بالنظم الدكتاتورية المطلقة .
الطريقة الثالثة هي الجمعية النيابية التأسيسية، اي يقوم الشعب باختيار ممثلين أو نواب عنه يعهد إليهم بمهمة وضع الدستور، بحيث يعد هذا الدستور صادراً ونافذاً بمجرد الانتهاء من إعداده دون اتخاذ أى إجراء آخر، ولذا يعتبر الدستور فى هذه الحالة وكأنه صادر عن الشعب دون أى استفتاء ، ويعيب هذا النظام تركيز السلطة فى يد مجموعة من الأفراد وتركهم يفعلون ما يشاءون تحت شعار كونهم نواباً عن الشعب، فقد يؤدى بهم إلى الاستبداد والتسلط .
وهناك طريقة الاستفتاء الدستورى ، وفيها يمارس الشعب بذاتها أمر وضع الدستور باشتراك الشعب بنفسه فى مباشرة السلطة التأسيسية الأصلية، ويقتضى ذلك وجود لجنة منتخبة أو لجنة حكومية معينة تتوافر فيهم أكبر قدر من العلم والخبرة الكافية ودرايتهم بأحوال الشعب دراية كاملة وبمثالب المجتمع ومحاولة علاجها، ثم يعرض المشروع بعد ذلك إلى الاستفتاء الشعبى، بحيث لا يصدر الدستور ولا يصبح نهائياً ونافذاً إلا بعد موافقة الشعب عليه فى هذا الاستفتاء، فإذا رفض الشعب اعتبر مشروع الدستور كله كأن لم يكن .
في احد البحوث التي قامت بها جامعة برنستين الامريكية تمت دراسة 194 دستوراً صدرت خلال الفترة من 1975 – 2003 توصلت الى أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير في العالم ، كان أكثرها شيوعا قيام البرلمان المنتخب من الشعب بوضع الدستور الجديد بنسبة بلغت (42%) من الدساتير موضع البحث اي مايعادل 81 دستور. شملت دساتير تركيا،البرازيل،كوريا الجنوبية، جنوب أفريقيا، أسبانيا، بلغاريا، التشيك، رومانيا، المجر، بولندا، اليونان، سلوفاكيا، سلوفينيا، لاتفيا، لتوانيا، البرتغال، ألبانيا، أرمينيا، روسيا البيضاء، كرواتيا، أوكرانيا، مقدونيا، يوغسلافيا، جورجيا ، ودول كثيرة اخرى . تاتي بعدها طريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة من الشعب (17%)، أو طريقة السلطة التنفيذية (الحكومة) أو لجنة عينتها (10%) . تأتي بعدها طريقة الهيئة التأسيسية المعينة من قبل البرلمان بنسبة (9%) اي مايعادل 17 دستور، أو لجنة تم وضعها بواسطة المستعمر لإنهاء الاحتلال (6%)، أو أن تضعه السلطة التشريعية الموجود في الفترة الانتقالية (6%)، أو المؤتمر الوطني (3%)، أو المائدة المستديرة (2%).
من اهم النقاط التي يجب ان يضعها من يكتب الدستور سواء كان هيئة منتخبة او مجموعة مختارة في الاعتبار هي ان اي نص يجب ان يتلائم مع المتغيرات التي ستظهر مع الزمن لذلك يجب ان يحتوي النص الدستوري على اليات لتعديل النصوص تمنح الاجيال القادمة حرية التعديل .
بالاضافة الى تعديل الدستور فيجب كذلك ايجاد اليات الغاء الدستور وكتابة دستور جديد يتناسب مع تطورات العصر والظروف الاقتصادية والاجتماعية .
مما تقدم نصل الى ان كتابة الدستور وتعديله لاتقتصر على رص كلمات وتعابير قانونية بل تقتضي فهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية التي تعيش فيها المجموعة البشرية المستهدفة بكتابة الدستور . كذلك يجب ان نتذكر ان الدستور بخلاف اي نص قانوني اخر لايمكن فرضه بالقوة سواء كانت تلك القوة المباشرة او بالضغوط غير المباشرة .