إلى هذا الحد كان تأثير الظروف الخارجية المحيطة سيئا على الأردن. تكفي نظرة على ما حل بقطاع السياحة في سنوات الربيع العربي لمعاينة حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأردني.
في السنوات الخمس الأخيرة، خسرنا نصف دخلنا من السياحة مقارنة مع نفس الفترة التي سبقتها، لا بل إننا فقدنا كامل دخلنا على افتراض أن عدد السياح يزداد سنويا في الظروف الطبيعية. لكن نظرة مقارنة بين العام 2010 والعام الماضي، تظهر حجم التراجع في عدد السياح، فمن نحو عشرة ملايين سائح انخفض العدد إلى قرابة أربعة ملايين في العام 2016.
لم تكن الخدمات في القطاع السياحي قبل ست سنوات أفضل منها حاليا، لنحملها مسؤولية هذا التراجع. الحقيقة المرة هي أن الحرائق المشتعلة من حولنا في الإقليم، والفوضى التي تعم دوله، وازدياد المخاطر الأمنية الداخلية بسبب تنامي نشاط الجماعات الإرهابية، عوامل مجتمعة أودت بقطاع السياحة في المنطقة وأصابت الأردن في الصميم.
ما حصل لقطاع السياحة، حل بقطاعات أخرى حيوية كالنقل والتجارة البينية والسياحة العلاجية. وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة تكافح لخلق فرص عمل جديدة لآلاف الخريجين سنويا، خسرنا آلافا مؤلفة في عديد القطاعات، وهي خسائر مرشحة للزيادة مع فقدان الآلاف من الأردنيين لوظائفهم بدول الخليج.
كان من الصعب على اقتصاد خدمي ومحدود الموارد أن يظل واقفا على رجليه وسط هذه الأوضاع الكارثية.
وفي اعتقادي، أنه ومهما فعلنا لتحسين البيئة الداخلية، وتحفيز القطاعات الاقتصادية، والإدارة الحكومية للعملية الاقتصادية، فإن الفارق يبقى محدودا ما لم تتغير الظروف المحيطة بنا.
إن قدرة الاقتصاد الأردني على التكيف والانتقال من مرحلة الاعتماد على الخارج، والتأقلم مع حالة الحرب في المنطقة تتطلب سنوات من العمل الصعب، للوصول إلى مرحلة نضمن من خلالها مضاعفة حجم الاقتصاد الكلي في المملكة، ليكون جاذبا للاستثمار، وقادرا على توليد فرص عمل تعوض القطاعات الأساسية عن الأسواق الإقليمية والعربية.
مشاريع كبرى كقناة البحرين واستخراج الصخر الزيتي والطاقة المتجددة، إضافة إلى التوسع في الاستثمار عن طريق الشراكة مع صناديق سيادية خليجية، تعد خطوات على الطريق. لكن أثرها لن يكون ملموسا على المدى القصير، وتحتاج لبضع سنوات قبل أن تحقق نتائج ملموسة.
في الأثناء، ينبغي العمل على إحياء ثقافة الإنتاج لدى الأردنيين، وذلك عن طريق التوسع بالمشاريع الصغيرة ذات الكلف المنخفضة في مجالات الزراعة والصناعات الصغيرة والخدمات، خصوصا في محافظات المملكة، وبناء شبكة إلكترونية تربط أصحاب المشاريع بالمستهلكين في الداخل والخارج، لتسويق منتجاتهم من خلالها.
قدر هذه المنطقة أن تواجه سنوات عجافا، وليس مستبعدا أن تعصف بخرائطها وحدودها وأنظمتها المتهالكة، فالمحيط العربي الذي عرفناه وعشناه طوال العقود المنصرمة، يوشك على الاندثار. وقبل أن تستقر الأحوال على واقع جديد، سيبقى اقتصاده ينزف فوق نزف الدماء، ومن يرغب بالخروج سالما عليه أن يتهيأ لدفع الثمن.
نقلا ع الغد الاردنية