23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

صناعة الغباء من اكثر الصناعات شيوعآ وضررآ على المجتمع، وقد يسأل سائل كيف يتم صناعة الغباء؟ ان العقل البشري “قوة” بأمكانه ان يكون المادة الخام لصناعة الغباء، او العكس تمام ربما يصبح اداة للابتكار والابداع، وذلك وفق التعامل مع تلك قوة، اذ نحن من نعمل على ترقي العقل في سلم التقدم صعودآ، او تقهقره وانحداره من قمته العالية هبوطآ.

تبدأ صناعة الغباء من البيت اولا، عندما يتحرك الطفل بحركته الطبيعية داخل محيطه، ومن هنا تبدأ العائلة تضع القوانين التربوية، فعندما يخطئ الطفل وهذا امر وارد، ﻻنه ببساطة طفل!

ليس عليه ان يلم بجميع قواعد السلوك السليم، فلا يجوز ان ننهره او نوبخه بشدة، بل علينا ان نبين بماذا اخطئ، وكيف يجب ان يتصرف، بلغة التفاهم والحوار والتحفيز، ان مناداة الطفل ب”الغبي” او غيرها من العبارات الجارحة والتي تترك ندبآ ظاهرة على نفسية وعقلية والطفل، ناهيك عن اثارها السلبية المدمرة مستقبلا في بناء شخصيته، اذ يبرمج العقل الباطن للانسان كل الكلام الذي يسمعه سواء كان ذلك الكلام ايجابي كالتشجيع والتحفيز والمديح، او سلبي بالتوبيخ والنهر بمختلف الالفاظ المحبطة كغبي وغيرها، يتعامل مع تلك الالفاظ المتكررة بأعتبارها حقائق ثم يترجمها الى بديهيات يعمل بموجبها فيما بعد.

عندما نطلق على الطفل صفة الغباء، نحن بذلك نشارك بصناعة الغباء فعلا، وجريمة اعتبارية نرتكبها بحق ابناءنا من حيث نعلم او لا نعلم، اذ نقوم بغرس ذلك المفهوم بعقولهم، فيكبرون وهم ضعفاء الشخصية، و مدمرة ذواتهم، دائما ما يشعرون بعدم الثقة بأنفسهم، ونحن بهذا نشترك بخلق جيل لا يقوى على اتخاذ قرارته بنفسه، اي يبحث عن حلول جاهزة، جيل يخشى المبادرة ولا يمتلك الشجاعة للتغيير، وبمرور الوقت تصبح”الشعوب راكدة” شعوب عرجاء في سباق التقدم والتطور العالمي.

ان ما يعانيه العراق هي تلك “القرارات الجاهزة” و”الحلول السريعة” التي اصبحت قوانين واستسهلها الجميع !

في حين ان العقل البشري عامة والعراقي خاصة “ماكنة ابداع” وقوة مبتكرة ومتجددة ومتأقلمة مع مختلف الظروف والاحوال، فلا يصح ان نتقوقع تحت عباءة خيارات جاهزة، ونحن نملك خيار التغيير والتجديد.

وعند تطبيق الكلام اعلاه على حدث الساعة الا وهي”الانتخابات” نجد اننا امام قضيتين اساسيتن الاولى: اخفاقات الساسة السابقين.
اما القضية الثانية: وهي متصلة بالاولى ونتيجة لها وهي “حالة الاحباط العام” من العملية السياسية والشعور بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات.

ان الدبابات الامريكية لم تعبر تلك القارات، وتقطع مسافة نصف الكرة الارضية للاطاحة بالطاغية صدام لتسلم العراق للعراقيين على طبق من ذهب، فالارادة والتدخلات الخارجية وعلى رأسها امريكا واضحة للعيان ولا يمكن انكارها، لكن ذلك لا يعني ان نبقى مكتوفي الايدي ولا نشارك بصناعة التغيير والعمل على ازاحة الطبقة السياسية التي استهلكت، علينا ان نؤمن ان الخلاص في التغيير وان لا ندع الغباء يحكمنا مرة اخرى!