22 ديسمبر، 2024 7:03 م

كيف نصلح التعليم في العراق؟ اجراءات فيما يتعلق بالمناهج الدراسية

كيف نصلح التعليم في العراق؟ اجراءات فيما يتعلق بالمناهج الدراسية

تواصلا مع ما نشر سابقا اود ان اخوض ببعض التفصيلات التي تتعلق بكيفية الاصلاح والتي ايضا ستتطرق بشكل عام الى الاجراءات التي يمكن اتخاذها من اجل البدء بعملية الاصلاح وهي ليست مستحيلة بل يمكن عمليا ان تنفذ تلك الاصلاحات تدريجيا وعلى مدى منظور، لكن لابد من ان تتوفر الارادة لدى المسؤولين عن التعليم فضلا عن القدرات والمؤهلات التي يجب ان يمتلكها كل من يتصدى لتلك المهمة. وسأبدأ من الجامعة ذلك الميدان الذي اتواجد فيه حيث يمكن رؤية حالات تدني المستوى التعليمي للطلبة بالملاحظة المباشرة وبالتجربة العملية.
بات معروفا ان الاسس التي ترتكز عليها العملية التعليمية هي المنهج والطالب والاستاذ والبنية التحتية التي يجب توفرها لتحقيق عملية تعليمية وتربوية ناجحة.
فيما يتعلق بالاساس الاول يمكن ملاحظة قصور المناهج التعليمية والتربوية الحالية في تهيئة الطلبة نظريا وعمليا لسوق العمل وخدمة المجتمع التي تعتمد بالاساس على الجانب النظري المستحصل عن طريق الكتب المنهجية. فبات الطالب يقضي ساعات محدودة في قاعات الدرس يتلقى معرفة محدودة تحت ضغط الوقت والمحاضرات المتلاحقة حيث لا فاصل زمني بين المحاضرات ولا مجال لديه لاغتنام الفرصة للذهاب الى المكتبة. لقد اصبح التعليم في الجامعة استمرارا للدراسة الثانوية ولم يعد هناك اختلاف كبير بينهما سوى الاختلاط بين الجنسين.
ان الطالب واقع تحت ضغط الجدول اليومي للدروس الذي لا فاصل فيه حيث يدخل الطالب القاعة الدراسية الساعة الثامنة والنصف ولا يخرج منها الا في الساعة الثانية عصرا باستثناء دقائق معدودة يقضي الطالب فيها حاجته. وسأضرب مثالا حيا مستمدا من واقع التعليم في الاقسام الانسانية في كلية الاداب /جامعة البصرة. ففي قسم اللغة العربية يدرس الطالب (10) مواد دراسية ، ست منها اساسية وهي النحو ، الصرف ، البلاغة، المكتبة، علوم القران والادب الجاهلي والاربع الباقية هي مواد عامة تشمل التاريخ والحاسبة وحقوق الانسان ومادة اللغة الانكليزية. وهكذا مع بقية المراحل الاخرى. ان هذا التوزيع لم يراع الجانب العملي والاستفادة الواقعية من المواد التي يدرسها الطالب. فمن خلال تجربتي الطويلة في التدريس ولاسيما الست سنوات التي قضيتها رئيسا للقسم وجدت ان الدروس غير الاختصاصية الاربعة تمثل عبئا على الطالب اكثر من كونها علما او معرفة مستحصلة يمكن ان يستفيد منها الطالب في حياته العملية مستقبلا. فمثلا يمكن ان يتعلم الطالب الحاسوب وبطريقة عملية عندما يتحول الحاسوب الى اداة يمكن الاستفادة منها في الجانب العملي. ولا اظن ان معظم الطلاب يجهلون استعمال الحواسيب وهم المبدعون في استعمال الهواتف الذكيةّ!. اما درس التاريخ ومفرداته فان مشاهدة فيلم الرسالة يمكن ان تكون بديلا عنه لانه يسرد بطريقة رائعة كيف ظهر الاسلام والحيثيات والضرورات التي كانت وراء نزول القران الكريم على رسول الله (ص). وكذلك الامر مع بقية الدروس.
واذا ما تم رفع تلك الدروس من المنهج وتقليص الدروس الاساسية ودمجها مع بعض ، ان امكن ، يتوفر للطالب وللمواد الاساسية فرصة ثمينة من الوقت لاستغلالها بالدروس العملية التي تمنح الطالب وقتا للتامل والبحث والاسترخاء والتفكير فضلا عن ان القاعات ستكون شاغرة وحينها يمكن ان تستغل للدروس العملية حيث يتم تقسيم الطلبة الى مجموعات بحثية صغيرة يذهب بعضها الى المكتبة و ينشغل القسم الاخر بعرض افكاره وجهوده حول موضوع محدد من مفردات المنهج الذي تم تكليفه بها.
ان الدروس العملية كفيلة بجعل الطالب واثقا بنفسه مستعدا  للمساهمة بانتاج المعرفة ، وليس امرا مستحيلا تحويل تلك الدروس العملية الى واقع حيث يستطيع كل طالب ان يجلب حاسوبا محمولا سعره لا يتجاوز نصف الثمن الذي اشترى به هاتفه الذكي، علما ان هناك فئة قليلة من الطلبة الذين لا يتسطيعون شراء الحواسيب المحمولة ولكن الكلية او الجامعة تستطيع توفير الحواسيب مقابل اجر بسيط بدلا عن استعمالها. وهكذا يمكن ان نخطو خطوة بالاتجاه الصحيح نحو التخلص من الكتاب المنهجي وثقافة الحفظ والمنهج النظري. فالطلبة حينها سيستعملون الكتب والمصادرالكثيرة المتوفرة تحت ايديهم بالاقراص المدمجة او المتوفرة في الانترنت ليتحول الاستاذ بدوره من موقع (المصدر الوحيد لانتاج المعلومة) الى مرشد ياخذ بايدي الطلبة الى المكانة التي يستطيعون فيها  نقد المعلومة وتحليلها فضلا عن الاستفادة منها في بناء مشروعهم البحثي.
ان التفكير الجاد يخلق حلولا لمشاكل مستعصية ولا اظن ان القيام بتلك الاجراءات يتطلب معجزة لتحقيقه.