18 ديسمبر، 2024 6:21 م

كيف نستثمر الصراع الأمريكي الإيراني عراقيا؟

كيف نستثمر الصراع الأمريكي الإيراني عراقيا؟

ولدت وفي فمي ملعقة نفط، وعلى كتفي بدلة عسكرية، وبين ذراعي بندقية، وعلى صدري درع وجعبة، وكثير من الرصاص، وفوق الساتر أغني، أنا جندي عربي بندقيتي بيدي أحمي بها وطني من شرور المعتدي…
كان للهواء طعم ورائحة ولون، بارود ودخان وانفجار، البرد القارس، ومدفئة نفط، وسجاد متشقق، رماد إنسان يتطاير مع أول هبة ريح، متناسيا تلك الجروح، هو فقط يبحث عن أمان، يقيه ظلم الفاسدين وشظايا الانفجار العظيم.
بين تلك العوالم، والصراع الدائم، تدخل الأجندات و تتغلغل إلى الأعماق، فالظروف تحكم والضرورة تفرض، والمال يجذب ، والعملاء يتدافعون لخدمة اسيادهم، بائعو الوطن، لا ضمير؛ لا شرف، حب السلطة يغشي عقولهم، يتسلقون على جماجم الشهداء ودماء الأبرياء، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.
نعيش بين مطرقة الحزب الحاكم، والصراع الإقليمي، وسياسة المحاور والنفوذ .. من الاقوى ومن الأسرع ومن الذي سيفوز، غابة بشر، وارخص ما يصادفك هو روح الإنسان، كل شي هنا ساخن، إلا القتل فهو بدم بارد، امريكا ايران السعودية روسيا تركيا الإمارات، جميعا تبحث عن موطئ قدم لمصالحها.

ماذا تريد امريكا من العراق؟
تريد قواعد عسكرية ومصالح تجارية ومنافع مالية وشركات أمريكية وإنعاش الاقتصاد الأمريكي .
تريد ساحة ضغط اتجاه من تعتقده عدو مرة ايران واخرى تركيا وقد نكون ورقة ضغط امريكية حتى على السعودية أحياناً.
تريد سحب فرض أيديولوجية لا تسمح بعودة فكرة معاداتها، أي تسطيح الفكر الإسلامي وسحب العقيدة وحرفها على أن لا تشكل خطراً في المستقبل على كيانها.
تريد أن لا تفكر ولا تنتج ولا تتطور فوق ما تقرر هي ، وان نبقى في عوز دائم لسلاحها ودباباتها وصواريخها وطائراتها وسياراتها وحتى ملابسنا الداخلية !
تريد كسر حاجز إحترام الدين ورجاله، ودفع الشباب للتوافه والقشور المجتمعية، بل وربما الإنحراف والتفكك العائلي!

ماذا تريد إيران؟
تريد أن يكون العراق ضمن محور المقاومة، ضد الاستكبار الصهيوامريكي، وذو سيادة محدودة ضمن أطر تفرض بشروط وبمشاركة رجالها المنتدبين!
تريد أن تكون مستهلك رئيسي للصناعة الإيرانية، وخط ناقل لتلك الصناعة والتجارة، حتى على حساب الصناعة العراقية ! الاهم هو كسر الحصار الأمريكي وتفعيل التوريد لكل شيء فالعراق هو المستهلك الرئيسي في المنطقة للبضائع الإيرانية.
تريد العراق ورقة ضغط على أمريكا، ومن خلاله تحصن وضعها الاقتصادي والسياسي، فهو بوابتها الخلفية دائماً.
تحتاجه ممر للتواصل مع حلفائها في سوريا ولبنان وتبادل الخبرات.. وأشياء أخرى!

ماذا تريد السعودية ؟
مساعدة أمريكا على تنفيذ مخططها، وخلق فجوة كبيرة على أسس طائفية لتغذية مشروعها القائم على تمزيق وتفريق الطوائف والتخندقات الطائفية .
تريد أن يبقى العراق ضعيفا ممزقا، بلا اقتصاد ولا زراعة ولا صناعة فقوة العراق لا يخدم مصالحها.
سحب العراق من يد إيران، والسيطرة علية من خلال العملاء وإفشال اقتصاده النفطي واضعافه، كمنتج ومصدر.
الضغط على إيران من خلال التلاعب بالمكون الشيعي، ومحاولة استمالته ودفعه بعيداً عنها.
تريد العراق خاضع لضغوطات ضد النظام الإيراني وحلبة صراع تستنزف موارده البشرية والاقتصادية والثقافية.
ماذا تريد الإمارات؟
تنظر الى العراق من منظور مختلف، فهي تقرأ فيه العمق الحضاري والبعد المعرفي والثقافي الذي يمتد لأكثر من 7000 عام..
أي استقرار وتنمية حقيقية لهذا البلد، سيكون قبلة لملايين الناس المتطلع لمعرفة بلاد مابين النهرين.
أي نمو اقتصادي قد يجعله قبلة ومقر لكبرى الشركات التي تتخذ من الإمارات مقرا ومكانا لتعاملاتها التجارية ويتراجع ازدهارها.
تشتعل المنطقة وتتصاعد أعمدة الدخان، تحت تأثير المد والجزر السياسي، ضمن حلقات النفوذ وصراع الهيمنة، على دول المنطقة، تحت ذرائع عدة ، تشمل السيطرة على البوابات البحرية والموانئ النفطية، وغالبها حسابات اقتصادية وسياسية وتصل أحياناً إلى الطائفية.
وطننا لا خيار أمامه سوى التوازن بين المحاور، ومسك العصا من الوسط، والعمل على بناء الوطن وتوفير الخدمات، وترك التصريحات والتدخلات الإقليمية للمتصارعين.. فوضعنا لا يتحمل أن نكون ضد أمريكا أو ايران، وهذه عملات تركيا وإيران، وما عملته أمريكا دروس لنا لنعتبر.
الوسطية والاعتدال ونبذ الطائفية والعمل على توازن رؤوس المنطقة تحت اسطبل الترويض، هو السبيل الوحيد لإبعاد الوطن عن صراع المحاور الذي لن يجلب سوى الدمار .