جميع الأديان السماوية والشرائع الانسانية والاجتماعية والعشائرية أمرت بالاحسان الى الوالدين وأوجبت طاعتهما ورعايتهما, والمسنّ سواء كان ذكراً أو أنثى هو الانسان الذي أفنى حياته في خدمة المجتمع وخدمة عائلته وأبنائه وقدم الكثير من العطاء للآخرين حتى كبر سنه ووهن عظمه وساءت صحته وأصبح الآن بحاجة الى الراحة ولرعاية الآخرين ,وهذه الشريحة المهمة من المجتمع تعاني مع الأسف في معظم بلداننا العربية من اهمال كبير سواء من الحكومات أو من الأهل لذا يجب أن نؤشر ونقترح بعض الأفكار التي تساهم في تطوير المراكز التي تؤوي هذه الشريحة والتي تسمى بتسميات عديدة منها دور رعاية المسنين أو دور العجزة أو غير ذلك وأهم هذه المقترحات هي:
الاهتمام بتوفير الرعاية الصحية الكاملة في دور المسنين وتخصيص الكوادر الصحية الكفوئة وتعيينهم في هذه الدور لأن معظم النزلاء فيها يعانون من مختلف الأمراض المزمنة وأمراض الشيخوخة, وكذلك تجهيزها بالأجهزة الطبية الحديثة وتوفير مختلف أنواع الأدوية فيها وفي حالة تعذر توفيرهذه الكوادر والأجهزة بصورة كافية فيجب التنسيق مع المؤسسات الصحية الحكومية لادامة التواصل مع هذه المراكز لتوفير الرعاية الصحية الكاملة للمسنين.
التركيز على البرنامج الغذائي الصحي المناسب للنزلاء وذلك بالاستعانة بخبير تغذية يضع عدة برامج تغذية متنوعة تراعي أنواع الأمراض التي يصاب بها النزلاء حيث من غير المعقول أن يكون الغذاء الموزع لهم بنوع واحد مثل الرز والمرق يومياً في وجبة الغداء ومعظمهم مصابين بمرض السكري لذلك يجب تقسيم الوجبات الغذائية وبموجب هذه البرامج الغذائية وحسب الأمراض الشائعة ويعني أن مرضى القلب يكون غذائهم شكل ومرضى الضغط يكون بشكل آخر ومرضى السكري بشكل آخر وهكذا لكي نضمن الرعاية الصحية لهم ونجنبهم حدوث انتكاسات صحية من الغذاء.
وضع استمارات احصائية علمية تحتوي على أسئلة وبيانات مفصلة عن تأريخ النزيل وثقافته وتحصيله الدراسي وخبراته وانجازاته خلال حياته والأعمال التي عملها وهواياته واهتماماته وكل التفاصيل الأخرى التي تساعد ادارة المركز في فهم شخصية النزيل بشكل صحيح ومن بعد ذلك يمكن تقسيم النزلاء حسب العوامل المشتركة بينهم أي نضع مثلاً أصحاب الشهادات العليا سوية ونضع العاملين في الجانب الفني والثقافي سوية ونضع أصحاب التعليم المتواضع والأميين سوية وهكذا…وهذا الإجراء لو تم تطبيقه سيكون له تأثير كبير في الاستقرار النفسي للنزلاء والتفاهم المشترك فيما بينهم في الغرفة لأنهم متقاربين في مستوى التفكير والاهتمامات وهذا سيقلل من المشاكل التي تواجه ادارة الدار .
التركيز على توظيف الأشخاص المتخصصين بعلم النفس لكي يكون التعامل مع النزلاء بشكل علمي مدروس لأن الاهتمام بالعامل النفسي لكبير السن يُعدّ من أهم الأمور التي تساهم في استقراره النفسي واحتوائه وتقليل المشاكل ويجب أن يكون هناك عدد كافي من هؤلاء المتخصصين بعلم النفس في كل دار لتوفير الرعاية النفسية الكاملة للمسنين ومن أهم مايجب التركيز عليه في هذا الجانب هو :
تخصيص أوقات كافية للجلوس مع كل نزيل والتحدث معه عن حياته الشخصية وتأريخه ومشاكله التي يعاني منها وارتباطاته الاسرية والبحث عن المشاكل التي تؤثر على نفسيته ومحاولة حلها وذلك مثلاً بالاتصال بأفراد عائلته وتذليل تلك المعاناة التي تكون مثلاً بسبب جفاء الأهل وعدم تواصلهم مع المُسنّ .
افساح المجال للمُسنّ بالتحدث عن نفسه والتعبير عن آرائه لأن هذا الحديث سيعزز من ثقته بنفسه ويساهم في استقراره النفسي لأنه سيشعر أنه موضع اهتمام وأنه لايزال شخص له قيمة اعتبارية من قبل الآخرين.
البحث عن عناصر الابداع في شخصية كل مسنّ ومحاولة ابرازها أمام الآخرين .
عقد جلسات جماعية بين النزلاء واعطاء الفرصة لكل شخص منهم بالتحدث والنقاش في الامور العامة وخاصة التي تهم البلد والمجتمع سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو عامة واعطاء الفرصة للجميع بالنقاش فيما بينهم وتبادل الآراء وهذا سيعزز من الثقة والتواصل بين النزلاء.
من خلال تواصل المختص بعلم النفس مع المسنين ومن خلال جمع المعلومات ومعرفة المشاكل الخاصة بهم يمكن رفع مقترحات الى ادارة الدار لتحسين وضع المسنين وحل مشاكلهم بصورة صحيحة وخلق الاستقرار النفسي للجميع.
الاهتمام بالجانب الرياضي والصحة البدنية للنزلاء وذلك بتوفير بعض النشاطات الرياضية التي تناسب أعمارهم ووضعهم الصحي واقامة بعض المسابقات وتقديم بعض الجوائز الرمزية وبالاستعانة بمدربين متخصصين بالرياضة واللياقة البدنية وخاصة أن معظم النزلاء أعمارهم متقدمة ويعانون من مشاكل صحية متفاوتة والاهتمام بهذه الممارسات الرياضية سيعمل على تحسين الوضع الصحي لهم وبنفس الوقت سيحقق لهم متعة شخصية وسيملأ أوقات فراغهم.
الاهتمام بجانب المطالعة وتوفير عدد كافي من الكتب المتنوعة والمجلات والصحف اليومية وتخصيص مكان للقراءة اذا أمكن وهذا سيؤدي الى خلق تواصل مستمر بين المسنّ وبين المجتمع ويمكنه من مواكبة الأحداث وكذلك يوفر لهم متعة كبيرة ويقلل من معاناتهم.
اقامة بعض النشاطات الاجتماعية الترفيهية للمسنين وتكون هذه النشاطات إمّا داخل الدار مثل اقامة الحفلات أو المهرجانات الرياضية أو الثقافية والتركيز على مواهب المسنين أنفسهم وهذا سيخلق نوع جميل من التفاعل بينهم ويحقق لهم سعادة كبيرة, أو تكون هذه النشاطات خارجية مثل تنظيم رحلات سياحية الى بعض المتنزهات والحدائق العامة أو زيارات الى المتاحف والأماكن الاثرية والسياحية, وهذه النشاطات حسب ما أثبت علمياً تحقق سعادة كبيرة للمسنين وتخلق نوع من الاستقرار النفسي والصحي لديهم.
التركيز والاهتمام بطاقات الابداع عند المسنين ومحاولة ابرازها ومساعدتهم على تنميتها والاستفادة منها مثل اذا كان أحد المسنين له موهبة الكتابة في أحد المجالات الأدبية مثل الشعر أو القصة أو المقالات الصحفية أو الرواية فيجب على ادارة الدار مساعدة هذا الشخص وتشجيعه على الاستمرار بالكتابة ومحاولة نشر نتاجاته الأدبية وذلك بالتنسيق مع الصحف والمجلات والقنوات الفضائية و دور النشر, هذا الجانب مهم جداً خاصة أن المسنين لديهم وقت فراغ كبير ويمكن لهم الابداع في هذه المجالات.
الاهتمام بمدّ حلقات التواصل مع عوائل المسنين وحثهم على الزيارات المتكررة للمُسنّ والتواصل الدائم معه واصطحابه معهم للبيت بزيارات اسبوعية أو شهرية لأن هذه الأمور تعتبر من أهم أسباب معاناة المسنين في معظم دول العالم وخلق هذا التواصل المستمر يساهم في الاستقرار النفسي للمُسنّ ويقلل من معاناته ويحقق له السعادة الكبيرة.
مدّ جسور التعاون بين ادارات مراكز رعاية المسنين وبين المنظمات الانسانية والجهات التي تعمل الخير وتقديم المبادرات والاحتياجات لهذه الدور للمساهمة في توفير الخدمات الضرورية للمقيمين فيها وزيادة الرعاية لهم والمفضل أن تكون هذه المبادرات مكتوبة بطريقة علمية وحقيقية وشفافة وعند الحصول على أية تعاون أو دعم من قبل المنظمات وتنفيذ هذه المبادرات محاولة التركيز عليها اعلامياً لكي نحقق عدة غايات أولها تقديم الشكر للجهة التي قامت بالعمل وثانياً لحث وتحفيز المنظمات والأطراف الأخرى للمساهمة في مثل هذه المشاريع الانسانية وثالثاً لمنع حالات الفساد المالي التي يمكن أن تحدث في الأموال المخصصة لهذه المبادرات.
ختاماً أتمنى أن تأخذ هذه النقاط المذكورة جانب الاهتمام من الحكومات والمنظمات الانسانية ومن الموسرين في المجتمع لننهض بالواقع المتردي لدور المسنين ولكي يردّ المجتمع جزء بسيط من الدين لهذه الفئة الغالية على قلوبنا والتي أفنت أجمل سنين حياتها في العطاء وايثار الآخرين على النفس ولنجعلهم ينعمون بأوقات سعيدة ورعاية حقيقية في آخر سنوات عمرهم .