23 ديسمبر، 2024 3:12 ص

كيف نختبر غباء وذكاء الشعوب

كيف نختبر غباء وذكاء الشعوب

في كل مجالات الحياة سواء الكونية منها أو في عالمنا المادي والروحي الذي نعيش فيه الآن بأبعاده الإجتماعية والإقتصادية والسياسية هناك بعض المعايير والأسس أو الشواهد والدلالات التي يمكن من خلالها تقييم واقع أي مجتمع ضمن التكوين المجتمعي لها الذي أفرزته وقائع الأحداث التاريخية بكل عواملها المتشابكة والمعقدة حيث أنتجت تلك الأحداث التاريخية واقع الشعوب الذي نشاهده ونعاصره الآن . الغريب في الأمر إن بعض الشعوب والمجتمعات تطورت وتقدمت في مختلف نواحي الحياة في الوقت الذي بقيت شعوب ومجتمعات أخرى بعيدة عن أي تقدم أو تتطور بحيث تراجعت بشكل كبير بعدما كانت في مستويات أفضل وفق المقاييس النسبية ، بالرغم من أن الظروف البيئية والحياتية العامة كانت متماثلة لجميع المجتمعات في مرحلة زمنية معينة . ومهما تكن المبررات فإن تحقق التقدم والتطور في بعض المجتمعات وعدم تحققها في مجتمعات أخرى يعود أولاً وأخيراً إلى أن المجتمعات في تلك الدول المتقدمة والمتحضرة أفرزت منذ البداية نخبة مثقفة وواعية لإدارة شؤون الدولة وكانت تلك المجتمعات واثقة تماماً وبوعي منطقي بأن تلك النخبة ستحقق رغباتها وأهدافها في حياة حرة وكريمة بمعزل عن أي تمييز عنصري أو ديني أو مذهبي أو أي شيء آخر عدا الإنتماء الذاتي والمجرد للوطن . ويبقى المجتمع بذكاء فطرته هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة .
أما في المجتمعات المتأخرة والمتخلفة فالأمر عكس ذلك تماماً حيث أن النخبة القائدة في تلك المجتمعات ما هي إلا عبارة عن مجموعة أشخاص لصوص غير متحضرة في تكوينها همها الأول والأخير هو تحقيق المكاسب الذاتية على حساب المجتمع . بعبارة آخرى هي مجموعات من المافيا تجمعها مصالح مشتركة تحت عناوين مختلفة .
ولو إختبرنا ماورد أعلاه على العراق لوجدنا ان في العراق ومنذ تأسيسه كدولة عام ١٩٢٠ تأسست نخبة حاكمة مثقفة وواعية لإدارة شؤون البلاد منذ ذلك الحين ولغاية عام ١٩٥٨ . ويطلق على هذه الفترة بالعهد الملكي لكون نظام الحكم هو ملكي نيابي دستوري . وبمراجعة بسيطة لكل الأحداث والمعطيات خلال العهد الملكي نجد بأن العراق في تلك الفترة مقارنةً بدول المنطقة كان يحمل كل مقومات الدولة الحديثة الواعدة نسبياً سواء من النواحي الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية . ولو استمر النظام الملكي لحد الآن لكان العراق أقليمياً في أعلى درجات التقدم والتحضر ضمن دول المنطقة وفي موقع واضح ومهم ضمن دول العالم المتقدم والمتحضر . ألا أن الأدراك المجتمعي حين ذاك ” أي ثقافة وذكاء المجتمع ” قضت على هذه النخبة الحاكمة الواعدة التي كان بإستطاعتها تحقيق الرفاه للمجتمع العراقي وهنا جاء التحول الجذري في مسار مستقبل المجتمع العراقي . يكفي فقط لكل عراقي ، حتى لمن لم يعاصروا تلك الفترة ، أن يستخدم الإنترنيت للإطلاع على واقع العراق في تلك الفترة من جميع النواحي السياسية والإجتماعية والإقتصادية ومقارنة ذلك بالواقع الحالي وسيجد حتماً ” إن كان واعياً أو متحضراً ” الفرق الشاسع بين الحالتين .
ومن بعد عام ١٩٥٨ توالت الأحداث بشكل سريع حيث أفرزت أحداث عام ١٩٥٨ نخبة حاكمة بصيغة فرد بصبغة ثورية كان يسعى الى تحقيق بعض الأهداف التي يرغب بها المجتمع دون وعي أو إدراك للظروف المحلية أو الإقليمية أو الدولية آنذاك . وقد أندفع المجتمع في مجمله لتأييد ومساندة هذا التوجه دون وعي وإدراك حقيقي لنتائجه . ثم توالت الأحداث بتناقضاتها وأستقرت بعد ذلك بنخبة حاكمة ظاهرها حكم الحزب الواحد وباطنها حكم العائلة المسنودة فئوياً . وأصبح المجتمع العراقي في العموم ، وفي كثير من الأحيان ، أسير هذا النظام لولا مشيئة ” الله ، أو مشيئة ” أمريكا ” أو مشيئة المعارضة العراقية ” أو مشيئة دعاء عاهرة ” شريفة ” ، حولت تلك الأحداث والظروف ألى ما هي عليه الآن ، وقلبت موازين ألحكم التي ساندها المجتمع العراقي أيضاً لتتمخض الأحداث عن نخب حاكمة معظمهم جهلة وغير متحضرين أو متعلمين وسراق بتكوينهم ، بكل معنى الكلمة ، تتحكم بكل مفاصل الحياة في المجتمع العراقي . والمجتمع ساكت ويشاهد فقط . والأكثر من ذلك ان النخبة الفعلية الحاكمة والمؤثرة في إدارة مفاصل الدولة الأساسية هم مجموعة من الجهلة والمتخلفين تعليمياً وحضارياً ولا يجيدون غير ترديد بعض الجمل والشعارات التي تؤثر في وجدان معظم فصائل المجتمع مهما كان محتوى تلك الشعارات .
إذاً في ضوء كل ما جاء أعلاه لا يمكن أن نصف المجتمع العراقي في غالبيته إلا بمجتمع متخلف غير متحضر وغير واعي وجاهل تنطوي عليه كل تلك المتغيرات وهو راضي ومقتنع . وهذا هو خلاف المنطق .
إذاً لكي نقيم المجتمع العراقي ” بشكل عام ” وفق التحليل أعلاه إلا أن نصف بأن المجتمع العراقي في غالبيته مجتمع متخلف وغير متحضر ولا يحمل أي مقومات الحياة الكريمة .
الإثباتات :
١- العراق الآن بلد متخلف ومتأخر من جميع النواحي الإقتصادية والإجتماعية بالرغم من موارده المادية والطبيعية الكبيرة .
٢- العراق تحكمه خلال الفترة ما بعد عام ٢٠٠٣ نخبة حاكمة أفضلهم جاهل غير متحضر ” حتى لو كان متعلم ” وما عليكم إلا مراجعة هذه النخبة ومقارنتها بمؤهلات وتصرفات النخب الحاكمة في الدول الآخرى .
٣- جميع الحكومات المنتخبة المتعاقبة في حكم العراق ما بعد ٢٠٠٣ أثبتت فشلها تماماً في إدارة الدولة وخلقت الكثير من المشاكل التي يصعب حصرها .
٤- العراق أساساً يخضع لإرادات خارجية على مختلف المستويات ، سواء على المستويات السياسية أو الإقتصادية وحتى ألإجتماعية .
٥- كون النظام السائد في العراق ” حسب الدستور ” هو نظام ديموقراطي يعتمد الإنتخاب الحر للمجتمع للنخبة الحاكمة فهذا يعني بأن المجتمع سيختار بحرية تلك النخبة التي ستمثله وتحقق له أهدافه في الحياة الكريمة .
الخلاصة ، ولكون شريحة غير قليلة من المجتمع العراقي أختار وفق النظام الديموقراطي السائد النخبة السياسية التي ستتولى إدارة شؤون البلاد فإن مستقبل العراق يتحمله من إنتخب النخبة الحاكمة . وإذا فشلت هذه النخبة في تحقيق تطلعات المجتمع ، وهذا بالتأكيد ما سوف يتحقق ، فإنه من المفترض أن تخضع تلك النخبة الحاكمة الى المسائلة والمحاكمة . إلا أن الواقع سوف يكون عكس ذلك تماماً في العراق . ستستمر نفس النخبة المتعارف عليها في إدارة الدولة وستستمر حالة التخلف وعدم التحضر سائدة في المجتمع .
أما النتيجة ، فإن أي تحليل بسيط لما ورد أعلاه يثبت بدون جدل بأن معظم شرائح المجتمع العراقي عبارة عن مجتمع متخلف ومتأخر وغير متحضر بكل معنى الكلمة ولا يحمل أي من مقومات التحضر . بدون شك هناك أفراد مثقفين ومتحضرين وواعين ولكنهم ليس الأغلبية . الأغلبية المؤثرة في العراق هم أصحاب العمائم السوداء بشكل أساسي والعمائم البيضاء بشكل ثانوي لما يتبعونهم من أتباع جهله مسيرون دون أي وعي إنساني بديهي .
إذاً لكي نختبر درجة ذكاء أو غباء المجتمع العراقي في الجانب الحياتي والوجودي فيمكن القول وفق المعطيات التي يعيشها الفرد العراقي بأن المجتمع العراقي يقع في أسفل القائمة سواء من الناحية الأقتصادية أو الإجتماعية أو السياسية . والنتيجة المنطقية هي أن معظم المجتمع العراقي هم أغلب شعوب العالم غباءً لكونهم يختارون نخبهم وهم يعلمون يقيناً ومسبقاً بأن من ينتخبونهم هم أصلاً لصوص وغير مؤهلين لا تعليمياً ولا حضارياً . فأي مجتمع ينتخب بمعرفته وكامل حريته لصوص وجهلة ومعممين لحكم البلاد وإدارة شؤونهم فإنه يستحق تلك الحياة البائسة وليس له الحق مطلقاً بأن يعترض أو يتذمر . ويدل ذلك بأن معظم المجتمع العراقي غبي و غبي وغبي بكل معنى الكلمة . أتمنى من يثبت عكس ذلك !!!