23 ديسمبر، 2024 6:12 ص

كيف نختار الولاة ؟

كيف نختار الولاة ؟

“بعضهم لو وُلِّيَ الأمْر لفعل الأمَرّْ”!..
فلان وعلان ينتقدون ويتكلمون عن الفساد والسراق بأحسن الخلق وبكثير من الغضب ويشتمونهم ويرفعون شعارات تدينهم ،،فانظر وتمعن بافعالهم وتاريخهم واسال عنهم المقربين المنصفين وسترى الحقيقة والعجب ، فالذي يسرق جهد صديق له في عمل صحفي بسيط ماذا تظنه سيفعل لو تولى الامر ومليارات البلد..!؟ الذي يغامر بالعمل مع الاجنبي كمبشر بسيط من اجل حفنة دولارات في الوقت الذي كل الناس يقاومون الاحتلال ويستنكرون هذا الفعل هذ ويصفونه بالعمالة ويهدده حتى المعتدلين فضلا عن المتشددين ويطاردونه ولايرعوي، ماذا سيفعل اذا ولي الامر واحتك بالاجنبي على مسويات ارفع! ..الذي ينكر حقوق الناس في تعاملاته اليومية ويكذب ويفرق بين الصديق وصديقه ماذا سيفعل بطوائف الشعب لو تولى الامر؟!
يركز مجتمعنا في تحري عيوب او نواقص السياسي او الموظف العام او الرجل المرشح لمنصب ما ، على خصوصيته الشخصية من هواياته الموسيقية او افعاله العاطفية او حتى نزواته كانسان ويرصدها عيبا ويجعلها فضيحة ويبدا بالطعن والاستبعاد بهذه الذرائع متغاضيا عن كل ماغير ذلك ، وهذا من سوء تدبير الامور وسياستها ..فقد تقود مصادفة او حسن نية رجل الى معرفة الناس لبعض خصوصياته التي تعيبها عليه وتتخذها عذرا للحكم على اهليته بينما قد ينجح غيره في اخفاء ماهو اسوأ من ذلك وتظل مقبوليته امام الجمهور حاضرة رغم انك لو قارنت بين الرجلين بعيدا عن هذا لوجدت ان الثاني يمكن ان يفسد ويظلم ويسيء استخدام سلطاته المزمع تخويله بها من المجتمع ، في حين يتمتع الاخر (المستبعد) بالافعال الطيبة في تعامله مع الناس والمال العام والاختصاص والنجاح في الوظيفة وسياسة الامور..(وليست هذه دعوة للتساهل بالتصرفات الشخصية فلكل شأن حساب وثواب).
فكان الغرب فهم ذلك وتحرى في قادته نظافة اليد وطهر الضمير وحنكة العقل وحسن التدبير وكل ذلك يُعرف من تاريخ افعال الرجل مع وظيفته ومبادئه وقيمه وصدقه مع الناس ومواطنته ونزاهته وابتعاده عن سلوك الطرق الخسيسة والتجارة الدنيئة من اجل المال ، وحبه للاصلاح بين الناس وترفعه عن صغائر الامور عقلا ، وتقديمه النفع في وظيفته بيد نظيفة ، وصلة رحمه بعد نضوجه رجلا وبره اصدقاءه وجيرانه، ونفعه الناس بمنطقه ومايقول .
كل هذه الامور هي المعايير الحقيقية التي يقاس بها الرجل المقدم لتولي امر الناس ، ولا علاقة لما ارتكبه من خطا بحق نفسه وهو متحر للكتمان وبنية عدم التكرار وبدافع النفس التي تأمرنا جميعا بالزلل ولكنها التائقة للتوبة على الدوام ولم تتجرأ يوما على ظلم الناس او اكل اموالهم او الخوض في اعراضهم او التنكر لهم او البخل عن الضيافة والعون والتاخر عن النصيحة والاصلاح ، ماعدا هذا ف(فكل ابن ادم خطاء وخيرالخطائين التوابون)..
وهذا لايسري على من تعود جني المال بكل وسيلة وجعله مطمحا له ، ولا على الرجل الذي اهان رجولته بفعل يمسها في الصميم ، ولا على المستسهل الانقياد للاجنبي ولا على الرجل القاسي القلب ومن لارحمة في ضميره ، ولا على من قطع رحمه وتنكر لصحبه وجاره على الدوام ، ولا على من عرف بالسعي في خراب ذات البين ، ولا على من عرف عنه التقصير الدائم المتعمد في وظيفته وعمله ايا كان ولو عاملا بأجر يومي بسيط..كل اولئك توطَّن العيب في طباعهم وكان اصلا في خلقتهم فلا مجال ان يفلحوا في حمل الرعية الى خيرٍ هم عجزوا عن معرفته او حمْل انفسهم اليه ،ولا امل في ان يصلحوا من امر الناس مافشلوا ان يصلحوا انفسهم فيه ..
اما من كان من صفاته وشيمه المروءة والصلاح والاصلاح فلايعيبه امر ارتكتبته نفسه من زلل يغفره الله ويتجاوزه الناس “فكل امتي معافى الا المجاهرون” بل ان النظام الغربي تجاوز حتى عن المجاهرين ان كانت الامور تتعلق بشانه الخاص مع نفسه وطريقة عيشه ..واهتموا بطبيعة تعامله واخلاقه مع غيره ومرؤوسيه ورؤساءه وعمله وعملائه ومن يتلقون منه علما او من يتلقى منهم ومن يخدمهم ويخدمونه بسلم التخادم الاجتماعي الدائم المعروف ..ولكننا لا نريد ان نهون الامر في هذا الخصوص لهذا الحد، فللمجتمع بعد كل شيء حدوده وتقاليده ، ولكن لاباس بل ومن المهم ان نركز تقييمنا على الامور التي فُصِّلت وتعيننا على تولية من يسوسنا ويطور شأننا ولكل منصب معتمدين معايير مدنية قيمية تحضرية بعيدا عن النظرة الدينية البحته (فدين المرء له) اوالتشددية الخصوصية (فحياته ملكه ان لم يمس بكرامته ويطعن برجولته وشرفها تبعا لنظرة مجتمعه) او التعجيزية المتعبة او تحري توافه الامور وترك جوهرها وماينتفع به من ذكاء بعض الرجال وامانتهم وصدقهم وقوة شخصياتهم ونظافة ايديهم واخلاصهم في اعمالهم وسماعهم للنصح والمشورة وتقبل الرأي والخلاف والحرص على مابين ايديهم من مال او شان عام بطباعهم وتاريخهم المجرب وليس بما يدّعون ويقولون ..فما اسهل القول لمن يدعيه ، وانما الحكم على التجربة والافعال.
12ك1 2019
—————————-
ملحوظة: المقال في السياسة والمعايير المدنيةالمعاصرة وليس الدينية الفقهية المتخصصة.