الزمان هو الزمان!! والمستقبل تماما كالحاضر، يختزن صور الماضي وأحداثه. قديما في سالف الزمن، خاض علي -عليه السلام- وأنصاره حربا مع الخوارج، واليوم أيضا يحمل التأريخ حربا معهم من جديد. خوارج زمان علي -عليه السلام- هم دواعش اليوم مثلا بمثل، يرتدون جبّة الأمس بذات الخواص والنهج وعين الصورة والهوية:
أولا- الجهل والطيش زعيما داعش وسيّداها:
لم يأبه الإسلام وأهله يوما بتأجيج النفر وجمع العدد لأجل كثرةٍ يفخر بها بين الأمم بقدر ما كان جلّ مبتغاه ومفخرته في صناعة إنسان إلهي. إنسان يعيش الله سبحانه في كل سكناته وحركاته، في يقظته ونومه، ونهاره وليله! إنسان مشدودة فرائصه بالتوكل واليقين، مصبوغة خلاياه بخوف الله ورجائه وحده سبحانه بلا تغريرٍ يجتاح ثغراته ولا جهلٍ يهاجم حصونه. لكم بودي أن يجول أحدهم في صفوف الدواعش اليوم، ليسألهم سؤالا واحدا مقتضبا نعرف بجوابه مدى نضجهم الفكري والعقدي:
(يا تُرى مَن تقاتلون؟ ولماذا؟).
بظن الموقنين أجزم، أن خَلوف الجهل سيفوح من الأفواه حينها! ليخنق كل سميعٍ بصير. شهد بذلك علي -عليه السلام- حينما وقف خاطبا لهم قبل اجتثاثهم في حربه:
[ وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ، سُفَهَاءُ الاَْحْلاَمِ].
هم هم.. لم يزيدوا شيئا عما ذكرت يا أمير المؤمنين. فخفّة الرأس والطيش والجهل أوصافٌ لداعش وأهلها، أوصافٌ جعلت منهم صيدا سمينا للمغرّرين، وفرسية مغرية للمتآمرين، يُشبعون بها مطامعهم وجائع أحلامهم.
ثانيا- وهم نصرة الله سبحانه:
اليوم تسكن عناكب الوهم رؤسَ الدواعش لتكسوا كل جدران جماجمهم الهشّة بواهن بيوتها.
وهم (الصراط المستقيم)!
وهم (أنصار الله وأحبائه)!
وهم (الإسلام الحق)!
وهم (إقامة دولة الله في الأرض)!
عناكب الأوهام هذه وغيرها أسكنها أهل المال والدنيا، وشياطين الإنس والجن رؤوس الدواعش الجاهلة ليتخذوا منهم جسرا مرصوفا نحو غاياتهم ومرامريهم. تماما كما قال فيهم علي -عليه السلام- حين مرّ -عليه السلام- بقتلى الخوارج يوم النَّهْرَوَان:
“بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ.
فقيل له: مَن غرّهم يا أميرالمؤمنين؟
فقال: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَالاَْنْفُسُ الاَْمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بالاَْمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ فِي المَعَاصِيِ، وَعَدَتْهُمُ الاِْظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ”.
عجبي كيف يغتر البعض بخُرق داعش السود المصبوغة (وا أسفاه) بكلمة التوحيد!! فأين داعش وأين صلاتها ومعروفها في أرض الله سبحانه؟! [الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ].
ثالثا- داعش.. صفر البصيرة:
إسلام داعش لا يختلف فيه اثنان منصفان! لا يمكنك تعريفه أو وصفه بغير إسلامٍ أجوف ذي شعارات إيمانٍ قشرية ظاهرية لا تحوي معرفة ولا بصيرة، ولا يتعدى تغلغلها في الروح أرنبة الأنف! وإلا منذ متى اجتمع دين رحمة العالمين محمد (ﷺ) ودعوته إلى الله سبحانه، ودين السفك والتسقيط والتنفير والتدمير؟!
قالها فيهم علي -عليه السلام- بملئ فمه : “فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هذَا النَّهَرِ، وَبِأَهْضَامِ هذَا الْغَائِطِ، عَلَى غَيْرِ بَيِّنَة مِنْ رَبِّكُمْ، وَلاَ سُلْطَان مُبِين مَعَكُمْ، قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ، وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ”
أين بصيرة النبي (ﷺ) التى دعا بها هو وأتباعه، وأين بصيرة الدواعش؟ خط النبي وداعش ليسا بالمتوازيين المنفصلين فحسب! بل متصادمين متحاربين.
[ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ].
حققوا في كتب السنة والسير، وفتشوها سطرا بعد سطر!! هل بلغنا من سيرة النبي (ﷺ) شيء من بقر البطون وطبخ الرؤوس؟! وهل بلغنا شيء من قتل الأطفال والغلمان؟! وهل بلغنا شيء من إفساد الأرض وهلاك الحرث والنسل؟! فأين الدواعش من بصيرة محمد المصطفى الرحيم الأمين؟! وأينهم من الإسلام؟! وأينهم من الإنسان؟! بل وأينهم من الأنعام؟! [ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا].
وأخيرا.. هنا السؤال:
كيف حارب علي -عليه السلام- هذا الكم الهائل من الجهل؟ كيف حارب هؤلاء المحاربين لله سبحانه ولرسول الأمين (ﷺ) من حيث يشعرون لا يشعرون؟