لستُ خبيراً عسكريا ولا محلل استراتيجي ولن ادعي ذلك, ولكن كيف صنعت داعش, اتسأل بصدق, من اين جاءوا؟, ومن اي حدبٍ خرجو؟, كل ذلك يؤرقني!. عندما تبحث عن جنسياتهم تجد ان غالبيتهم عراقيون وعرب من قحطان وعدنان!, وحتى اولئك الذي تربو في بلاد الغرب, دون كبت او ضغط, غالبيتهم من الشبان ذو الأصول العربية!!!.
يقول الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي جون ديوي ” تنبع الكثير من تصرفات الأنسان, من رغبتهِ في ان يكون شيئاً مذكوراً”, ولم يخطئ ابداً في ذلك, فالرغبة في ان يكون الأنسان مذكوراً ومعروفاً هي دافع الكثيرين في الحياة, وهو امر ملاحظ بشده في بني البشر, ولستُ استثناءاً من ذلك, وهذا هو سر اختراع الجوائز التقديرية والتكريم الشخصي للمبدعين, من قبل الدول, وهي اليوم ممارسة اعتيادية تتبناها جهات راعية ومؤسسات خاصة بعيدا عن الدول, لتشجيع شخص ما من اجل انجاز شيء ما, اعترافاً بهذه الرغبة, لدفع المبدع وتحفيز غيره للأستبسال في هذا المجال, الذي قد يخدم الدولة والمجتمع او توجهات تلك المؤسسة!.
هذه الرغبة مُجهضه لدينا دائماً, وتم تعقيمها في الوقت الحاضر بعد سيطرة الأحزاب على كل مايؤدي الى التعبير عنها, فالذكر الحَسِن والنجاح لهم والتعينات والعمل لهم ولأقاربهم!.
– داعش هم اولئك الشباب الذين تسربو من المدارس ولم نهتم لهم!.
– هم اولئك المتعلمين الذين لم يحصلو على عمل!.
– هم ابناء اولئك الذين نشكك في ولائهم وانتمائهم للوطن لأعتبارات سياسية سابقة!.
– هم اولئك الذين سلبنهاهم الذِكر والمركز دون تعويض عادل!, من الذين لم يُثّبَت ارتكابهم جرائم.
– هم اولئك الذين نجحنا في استعدائهم بحجة انهم من المذهب الضال او الفرقة الضالة!.
– هم اولئك الذين لم نعترف بانهم مختلفون, وحاولنا الغاؤهم لصالح الأيدلوجيا التي نعتنقها!. داعش نتيجة وحصيلة لكل ذلك!. فإذا لم نسمح للشريك بممارسة انانيته والتعبير عن اراءه في النور, سيفعلها في الظلام!.
يتفاجأ البعض عندما يعلم ان من ضمن صفوف التنظيم اكاديميون من اختصاصات مختلفة, وهو امر غير مُفاجئ لمن يعرف إن من اوجد هذا التنظيم يستثمر في تلك الرغبة, ولكن بالباسها لبوس ايدلوجي ديني بحجة حماية الهوية, عَلِم ام لم يعلم.
لا انفي هنا نظرية المؤآمرة, اسرائيل التي تبدو في الظاهر بعيدة عن كل مايجري في المنطقة و كل دول جوار العراق لايريدون عراق مستقر, قوي, موحد منافس لهم, كما انه بوضعه الحالي مصدر جيد للأرتزاق وسوق مفتوحة بقدرة شرائية جيدة بوجود النفط, لكن لابد للمؤامرة من ادوات على الأرض, من سينفذ المؤمرة؟ اذا علمنا ان لا احد يحب ان يخدع على المكشوف!. هنا مكمن العِلة – بتقديري الشخصي- في مجتمع مُمتلئ بمواطن الضعف حد التُخمة!, ليأتي البغدادي وغيره للاستثمار في ذلك.
يعتمد التخطيط عموماً على تنظير الفكرة في البدء ثم البحث عن وسائل تنفيذها على الأرض, البغدادي وغيره, اذا اهملنا لحيتهُ الكَثَّه وخطابه الراديكالي التهديدي, والديماغوجي الميال لمناغات فئة مذهبية معينة, مُحاولاً استمالتهم الى تنظيمه وبالذات بعد امتطاؤه الخلافة, ليس اكثر من مجرم ذكي يحاول تنفيذ فكرة معينة, وجد لها داعمين يستثمرون فيها, له مصلحتهُ الخاصة, وللمستثمرين مصالحهم, منهم الدعم بكافة اشكاله ومنه الفعل على الأرض. قيادات تنظيم البغدادي هم من الرعيل الأول في تنظيم القاعدة, ومن قيادات الجيش السابق المنحل ذات الخبرة, وبعض القيادات من جنسيات اخرى, لا تَهُمنا تفاصيلها هنا, تخوض حرب استنزاف ضد النظام السوري الى جانب تنظيمات اخرى كالنصرة وفق استراتيجية البعوض والكلب, استفادت منها كثيراً ماديا ومعنوياً, عدداً وعتاداً, وكان في اصل تكوين التنظيم فكرة مهاجمة العراق, ولكننا – كدولة- لم نهتم لذلك ولم نتخذ اي اجراء وقائي على الرغم من ان تنظيم الظواهري نفسه اهتم للامر واعلن براءتهُ من داعش!, الطامة ان التنظيم يحمل اسم دولتنا ضمن شعاره المرفوع!.
مايعنينا هم افراد التنظيم من العراقيين, وهم من المحكومين الفارين بالآلاف من السجون نتيجة الفساد المستشري في اجهزة الدولة!, والعاطلين عن العمل الذين تركناهم نهباً لتجار الدين واصحاب المشاريع الظلامية, الذين يمثلون اليوم طلائع التنظيم المقاتلة!, واتصور ان تلك النقطة فاتت ماركس نفسه في كيفية تَحّول البروليتاريا الى قوة مقاتلة!, من انظم هم الشباب الاكثر جرأة من غيرهم وكان بأمكاننا ان نستثمر طاقاتهم فيما ينفع البلد!, وسيستمر التنظيم في كسب المزيد منهم اذا بقي الحال على ما هو عليه.
سر نجاح تنظيم البغدادي, انه يمنح هولاء المقاتلين, الهوية و الأنا المفقودة -الرغبة في العظمة- عن طريق بث الحماسة والأندفاع وهو امر له جهة متخصصة في التنظيم (الهيئات الشرعية) وقنوات اعلامية على مستوى عالي من الأداء, ( مركز الفجر الاعلامي ومؤسسة الفرقان), والأستعراضات العسكرية, ويبيح لهم كل شيء سوى الاخلال بالأوامر وتراتبية التنظيم, كالسبي والغنيمة والقتل بشتى صوره وكذلك حفلات توديع الأنتحاريين الحماسية واعلان اسماؤهم وصورهم بعد تنفيذ العلميات, الغرض من ذلك هو تشجيع الزملاء ودفعهم للأقتداء بهم, اي صناعة صورة رمزية للانتحاري تجعل جميع المقاتليين يتمنون الوصول اليها, كل ذلك في ظل تلقين عقائدي تجعل المقاتل مستعد للموت عن قناعة تامة وهو امر يوليه التنظيم الكثير من الاهتمام, اضافة الى اعتبارهم مجاهدين لهم جنات النعيم والحور العين!.
هل يُشكِك شخص في اهمية الهوية؟, اذن لينظر الى استبسال المواطنين الشيعة في الدفاع عن الدولة في ظل حكومة لم يحصلو فيها على ادنى حقوقهم ولهم يجنو في كنفها سوى الموت والدمار!!!.
داعش لن تستمر طويلا كل المختصين والمحللين يؤكدون ذلك, خصوصا انها تستعدي الجميع بما فيها التنظيمات التي تشترك معها في المذهب, حتى الذين يدعمونها في السر لن يستطيعون الاستمرار في ذلك طويلاً, بسب الضغوط المتزايدة للقضاء عليها بعد ان اصبحت تُهدد مصالح الكل!. ومن الجيد لا بل من الواجب ان ننتصر على داعش التي استباحت كل شيء, ولكن يجب ايضا التنازل عن كل التنظيمات المشابهة لها, واحتكار السلاح بيد الدولة, لقطع كل حجة على الآخر, لتكون المبادرة مستقبلاً بيد الجيش فقط, فإما ان نتحدث عن دولة او مجموعة دول من الباطن, وان يكون خطاب الدولة موجه للكافة ليشمل كل فئات الشعب بصفتهم مواطنيين متساوين في الحقوق والواجبات, واستبعاد الخطابات التي تناغي فئة معينة لأسباب دينية اولتزامنها مع مناسبات معينة, مراعاةٍ لديموغرافية البلد وحساسية البعض!, والاهم هو محاربة الفساد بِجد في جميع المفاصل لأعادة الثقة التي ماتت بين المواطن والدولة, إذا كان هناك مشروع حقيقي لإحياء البلد, والمؤسسة العسكرية يجب ان تكون في طليعة ذلك.
الشباب الذين خَسِرناهم, ونَخسرهم لصالح التنظيم الأرهابي, تعبير صارخ عن الفشل, فشلنا وخيباتهم, هم اليوم ينتقمون ويذيقوننا إجرامهم القذر, ولاشك في القضاء عليهم, عاجلاً ام آجلاً, ولكن يجب اصلاح بيئتنا المُهيأة لأنتاجهم مجدداً, فالجيل القادم سيكون اشد فتكاً واكثر تمرساً اجراماً, لأنه لن يظهر للعلن قبل استيعاب كل الاجيال التي سبقته, وعندها, سيكون لسان حالهم, ها!, ردينه لولا؟.