جرت يوم الثامن عشر من شهر نسيان من عام2021انتخاب رئيسا للجمهورية ليخلف الرئيس حسن روحاني لرئاسة الجمهورية الاسلامية في ايران بعد ان انتهت ولايته الثانية، ثاني اعلى سلطة تنفيذية بعد الولي الفقيه المرشد الاعلى للنظام السياسي في ايران. تنافس في الانتخابات الرئاسية سبعة مرشحين، تختلف نسبيا مواقعهم واتجاهاتهم ومواقفهم من السياسة الخارجية للايران وتعاطيها مع الملفات الشائكة اقليميا ودوليا، ومن هولاء المرشحين لسدة الرئاسة مايلي: السيد علي رضا زاكاني وهو رئيس مركز البحوث في مجلس الشورى الإسلامي، ومشرّع سابق بين العامين 2004 و2016. وهو طبيب حاصل على شهادة في الطبّ النووي. شغل منصب رئيس منظمة “الباسيج” الطلابية، وأسَّس جمعية “رواد الثورة الإسلامية”، وشغل منصب أمينها العام لثلاث فترات، وشغل عضوية مجلس الشورى ايضا، حيث شغل منصب رئيس اللجنة البرلمانية للاتفاق النووي. كان منتقداً لإدارة روحاني في ما يتعلق بالمفاوضات مع مجموعة 5+1. وعلى الرغم من دوره القيادي في البرلمان، تم استبعاده من الترشح للرئاسة في انتخابات العامين 2013 و2017. المرشح الاخر أمير حسين قاضي زاده هاشمي هو النائب الأول لرئيس البرلمان الإيراني، طبيب مختص بالأنف والأذن والحنجرة، وكان رئيس جامعة سمنان للعلوم الطبية خلال سنوات، أحد أوائل أعضاء حزب “جبهة الاستقرار”، والمتحدث باسمه خلال العامين 1992 و1993، وكان عضواً في البرلمان الإيراني منذ العام 2008،، كان أحد الدّاعين إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حال تمت إحالة قضية إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وكان أحد أكبر الداعمين للقانون الذي أدّى تدريجياً إلى تصعيد برنامج إيران النووي، رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية.
ويشكل للواء محسن رضائي احد ابرز اعمدة التيار المحافظ في ايران الى جانب رئيسي ويوصف بانه رجل سياسي واقتصادي وقائد عسكري إيراني سابق. قاد حرس الثورة الإسلامية لعدة سنوات، ثم عينه المرشد الأعلی، علي خامنئي ، أمينا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام عام 2007. ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2009 ،وهي الانتخابات التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد ، وحصل فيها على 1.7 بالمائة من الأصوات. ثم ترشح أيضا في الانتخابات الرئاسية 2013 وحصل على المرتبة الرابعة بعد رتبة حسن روحاني و محمد باقر قاليباف و سعيد جليلي .
اما المرشح محسن مهر علي زاده، سياسي إصلاحي. امتدّت مناصبه السابقة إلى الفترات الرئاسية لكلّ من رفسنجاني وخاتمي وروحاني. اما المرشح عبد الناصر همتي، فيعد ابرز وجه ينتمي الى التيار الاصلاحي كان همتي شغل مؤخراً محافظاً للبنك المركزي الإيراني، بعد أن عيَّنته إدارة روحاني في العام 2018 خلفاً لولي الله سيف، الذي وجّهت إليه لاحقاً لائحة اتهام بسبب سوء الإدارة، قبل أن يُقال همتي من منصبه عقب ترشّحه للرئاسة.
واخيرا المرشح الذي استطاع ان يحصد ما نسبة 65% من الاصوات وهو السيد ابراهيم رئيسي وهو بموقع ديني متقدم يوصف بانه اية الله شغل لسنوات منصب امين عام الروضة الرضوية حيث تم تعيينه من قبل خامنئي في 2016 على رأس المؤسسة الخيرية “أستان قدس رضوي” ، واصبح فيما رئيس السلطة القضائية ومسوول هيئة مكافحة الفساد، وسبق لإبراهيم رئيسي أن ترشح في 2017 ضد حسن روحاني. لكنه لم يفز بالانتخابات واكتفى بالحصول على 38 بالمئة من الأصوات. لكن هذه المرة يبدو أنه امتلك حظوظا أكبر للوصول إلى سدة الحكم. حيث ان كانت وكالات استطلاع ايرانية في الفترة الممتدّة من 26 إلى 27 أيار/مايو، تشير إلى تصدّر المرشّح إبراهيم رئيسي، فيما يأتي المرشّح محسن رضائي في المرتبة الثانية. ويعد إبراهيم رئيسي من بين المقربين إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي باعتباره كان أحد طلابه في إحدى المدارس الدينية بمدينة مشهد حيث ينحدر.
واذا ما اردنا تحليل مواقف هولاء المرشحين من ملفات ايران الخارجية نرى ابرزهم ابراهيم رئيسي من المتوقع ان تكون له مواقف متشددة من كل من فتح اقتصاد إيران للشركات الأجنبية كرئيسا للبلاد، فهو معروف بدفاعه على نمط اقتصادي مؤسساتي تسيره الدولة حسب المحلل الاقتصادي تييري كوفيل، حيث سيواصل رئيسي في الاستثمار في البنية التحتية لإيران، وفي مجالات أخرى، كالمياه والكهرباء والصحة، وهي مجالات تسيطر عليها المؤسسات الخيرية وكيانات تابعة للحرس الثوري الإيراني”. ويعتقد باحثون أن الاستثمارات التي يقوم بها متعاملون شبه حكوميون من مؤسسات تجاربة وخيرية تمثل أكثر من 50 بالمئة من الاقتصاد الإيراني. وغالبا ما يلف هذه الاستثمارات الغموض وانعدام الشفافية في التسيير.
وحول الاتفاق النووي الإيراني الذي هو حاليا موضوع المحادثات بين طهران والدول الغربية في افينا، يتوقع ألا يعارض إبراهيم رئيسي القرارات التي سيتم اتخاذها حسب مطلعين، حيث أكد رئيسي “بأن القرار النهائي يعود دائما للقائد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يقوم بتوجيه المحادثات كما يشاء”. وبخصوص انفتاح المجتمع الإيراني على ثقافة الغرب، فهناك مخاوف من أن يعارض إبراهيم رئيسي تلك الخطوة في حال أصبح رئيسا لإيران. فهو معروف بفكره “المحافظ”. ومن بين الأدلة على ذلك منعه في 2016 لحفل فني من نوع “البوب” في مدينة مشهد الدينية بينما سمح بتنظيم نفس الحفل في مدن إيرانية كبرى أخرى. ومن الجدير بالاشارة ان رئيسي يعد من ابرز المرشح الاكثر مقبولية لدى التيار المحافظ وهو مدعوم من قبله وجاء ترشيحه برغبتة منه وقد انسحب عدد من المرشحين لفسح المجال امامه واخرهم انسحاب المرشح سعيد جليلي وهو يعمل نائبا للخامنئي في احدى الموسسات التي تخص الامن القومي الايراني.
من جانب ثاني شن المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي هجوما على منافسيه من المحافظين متشددين، محذرا من فرض عقوبات جديدة في حال انتخاب رئيس محافظ متشدد، الى جانب تعقد مشهد المفاوضات بين ايران والولايات المتحدة الامريكية حول البرنامج النووي الايراني. واشار عبد الناصر همتي، إن من الممكن أن تجري إيران محادثات مع الولايات المتحدة إذا التزمت واشنطن “التعايش الإيجابي” مع طهران. قالا انه “يجب أن نرى ما الذي ستفعله أميركا بشأن الاتفاق النووي… بعد ذلك نرى ما إذا كانت تريد مواصلة التدخل في المنطقة من خلال إسرائيل وعناصرها”. وأضاف همتي أن هناك سلسلة من القضايا التي تحتاج إلى بناء الثقة، وتابع “إذا شعرنا حقيقة بأن أميركا تمضي باتجاه تعايش إيجابي لدعم السلام العالمي والإقليمي، عندئذ لن تكون هناك مشكلة في إجراء محادثات”. وألقى باللائمة -خلال المناظرة – على غلاة المحافظين في إذكاء التوتر مع الغرب، وقال إنه أدى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية الإيرانية. من جانبه اتهم المرشح المحافظ محسن رضائي، وهو رئيس الحرس الثوري السابق، همتي في المناظرة الرئاسية الاخيرة “بالإذعان الكامل” للعقوبات الأميركية وهو ما يبن موقف المرشح رضائي المعارض من اي انفتح غير مجدي لايران.
ومما تقدم يبدو موقف المحافظين متشددا من مسالة تعاطي ايران مع ملفاتها ذات الابعاد الاقليمية والدولية ومنها الملف النووي، لاسيما وان التيار المحافظ القى باللائمة على التيار الاصلاحي وعلى الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ضريف على وجه الخصوص بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وهذا ما هو واضح من مواقف وبرامج كلا من مرشحي التيار المحافظ الابرز ابراهيم رئيسي، ومحسن رضائي، في حين يبدي المرشحون الاصلاحيون مرونة كبيرة في التعاطي مع الملفات الخارجية لاسيما الملف النووي وهو ما جاء برنامج واطروحات المرشح الاصلاحي عبد الناصر همتي، ويعول همتي في حال فوزه في ما اسماه التعاطي بايجابية مع الولايات المتحدة بالتعايش السلمي، عموما مهما كانت المواقف المتصلبة فان السياسات الخارجية عادة ما تحددها المصلحة القومية للولايات المتحدة وما تفرضه معطيات السياسات الاقتصادية وهو مرهون الى حد كبير في ما تقدمه ادارة جو بايدن من تنازلات في المفاوضات الجارية في افينا حول الاتفاق النووي، الذي تصر الولايات المتحدة وحلفائها الاقلييمين على ان يشمل نفوذ ايران في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية وهو ما يرفضه اغلب المحافظين في ايران لكن الموشرات التفاوضية الاخيرة مع اطراف اقليمية اخرى ومنها السعودية مؤشر ايجابي على انه هناك رغبة من قبل كل الاطراف ومن ضمنها الولايات المتحدة وايران وحتى خصومها الاقليميين كالسعودية بان تحلل بعض المسائل الاقليمية الشائكة بما يحقق لهم ضمانات تعزز من الاستقرار السياسي والاقتصادي الداخلي، والحفاظ على مصالحها الاقليمية والدولية، وهذا ما هو واضح من اول خطاب لابراهيم رئيسي الرئيس الايراني المنتخب من ان نهجه في السياسة الخارجية لن يكون مقيداً بالاتفاق النووي الذي تفاوض عليه روحاني، والذي شهد موافقة إيران على الحدّ من برنامجها النووي مقابل تخفيض العقوبات، وحول محادثات فيينا، قال رئيسي “لن نسمح بأن تكون المفاوضات من أجل المفاوضات. لا ينبغي إطالة أمد المفاوضات ولكن كل جلسة يجب أن تؤتي ثمارها”. مضيفاً “أن التفاوض الموجه نحو النتائج مهم بالنسبة لنا ويجب أن يعطي نتائج للأمة الإيرانية”، فيما رفض إجراء “مفاوضات من أجل المفاوضات” في شأن الملف النووي، أو عقد لقاء مباشر مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا ما يوكد على ان ايران تريد تسوية الملف النووي الايراني بالعودة الى اتفاق عام2015 دون تقديم تنازلات اكثر، وان اي تنازل يجب ان يخضع الى تنازلات متبادلة خاصة على مستوى الادوار الاقليمية.