18 ديسمبر، 2024 11:38 م

كيف سيكون انقطاع الكهرباء صفراً؟!

كيف سيكون انقطاع الكهرباء صفراً؟!

في تشرين الثاني من العام ٢٠٠٢ صرح وزير هيئة الكهرباء، آنذاك، لعديد من الوسائل الإعلامية أن معدل القطع الكهربائي سيكون صفراً، وأورد، هنا، نص التصريح: (كان معدل القطع اليومي للكهرباء في المحافظات، خلال العام ٢٠٠٠، تسع ساعات وفي العام ٢٠٠٢ صار سبع ساعات – في الصيف طبعاً – نأمل في العام المقبل ٢٠٠٣ ان يتلاشى وينتهي في العام ٢٠٠٤ وسيكون القطع صفراً بعون الله)..
مرّت على هذا الحديث (الرسمي) قرابة عقدين من الزمان، فماذا كان بجعبة هذا الموظف الحكومي من مؤشرات مؤكدة لإنهاء أزمة الكهرباء، آنذاك، التي أضحت المعاناة القاسية التي يعيشها المواطن العراقي، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي؟
هذا ما دعاني لاستعراض الكثير من المواقف والتحديات وعديد المشروعات التي كانت (قيد التنفيذ)، حينها، وكذلك منحنيات الأرقام والخرائط المتعلقة بتنبؤات الأحمال المستقبلية والمتوفر من قدرات إنتاجية متاحة للمحطات الكهربائية العاملة في المنظومة العراقية التي أعدتها دوائر التخطيط المعنية في هيئة الكهرباء، آنذاك، فهل كان ذلك بمستوى الدقة لكي يجعل المسؤول الأول في قطاع الكهرباء قادراً على رسم صورة تفاؤل مستقبلية بقدر عال من الثقة والمسؤولية ليعلن ذلك في وسائل الأعلام؟
كما هو معروف فان إجراءات الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق للمدة (١٩٩١ – ٢٠٠٣) كانت تبعاتها وخيمة على مستوى أداء الخدمات العامة للمؤسسات الحكومية وذلك بحرمانها من توفير متطلبات العمل الضرورية والحاكمة التي يعتمد الكثير منها على الاستيرادات الخارجية… فهل أن تصريحاً من هذا النوع يناقض للحالة التي كان يعاني منها قطاع الكهرباء؟، وهل كان هذا الإعلان المتفائل يعتمد على ما وفرته مذكرة التفاهم (الموقعة بين العراق والأمم المتحدة تحت عنوان النفط مقابل الغذاء والدواء والتي تم تطبيق بنودها منذ العام ١٩٩٦)، من موارد أسهمت في ترميم المنظومة الكهربائية لتؤدي مهمتها بتأمين احتياجات المواطن العراقي من طاقة كهربائية مستقرة؟، ما تضمنه التصريح الصحفي لوزير الهيئة، آنذاك، كان واضحاً وحاسماً تجاه هذا الجانب حين أورد ما نصه (لو كان اعتمادنا على برنامج النفط مقابل الغذاء لعشنا في ظلام).
ولست، هنا، بصدد استعراض الانجازات الوطنية التي أسهمت بها قطاعات الدولة المختلفة والقطاع الخاص في إسناد قطاع الكهرباء بما متاح إلى أقصاه بهدف المحافظة على استمرارية عمل المنظومة الكهربائية التي كان تأثيرها فاعلاً في تقليل مساحة الفجوة الحاصلة بين الانتاج والطلب (نتيجة العدوان الذي تعرض له العراق سنة ١٩٩١ والذي أدى الى إحداث تدمير شبه كامل لمكونات المنظومة الكهربائية المختلفة والذي قدرت نسبته بحدود ٨٠ – ٩٠ بالمائة منها) والتي كانت السبب في تطبيق جداول القطع المبرمج للتيار الكهربائي على عموم من مناطق العراق، ولست، الآن، بصدد استعراض (إنشائي) لوقائع كثيرة تصدى لها رجال الكهرباء بالرغم من احتمالات المخاطرة المختلفة التي رافقتها…
فبالرغم من التقارير (المزيفة) التي تبنتها وزارة الكهرباء العراقية (الحالية) التي تشير إلى أن الطاقة الكهربائية المنتجة قبل الاحتلال سنة ٢٠٠٣ قد بلغت بحدود (٣٢٠٠ ميكاواط) الا أن الطاقة الانتاجية الحقيقية قد بلغت فعليًا نحو (٥٨٠٠ ميكاواط) وذلك بموجب المدونات والتقارير اليومية للتشغيل، وقتذاك، حيث كان معدل النقصان المطلوب توفيره للوصول الى حالة تجهيز مستمرة ومستقرة للطاقة الكهربائية بحدود (١٠٠٠ – ١٥٠٠ ميكاواط) فما هي المشروعات الجديدة الكفيلة بتوفير هذه الكمية من نقص الطاقة؟… فكما هو مخطط فعلياً وعلى وفق المنظور منه فإن الوحدة البخارية الأولى من محطة اليوسفية الحرارية (قدرة ٢١٠ ميكاواط) كانت ستربط بالمنظومة الكهربائية مع بداية صيف ٢٠٠٣ بعد إكمال تجهيز معداتها كافة من قبل الشركة الروسية المتعاقدة على تنفيذ مشروع هذه المحطة، كما أن معدات محطة ديزلات حديثة (التحدي) بقدرة تقاري الـ(١٨٠ ميكاواط) قد اقترب موعد شحنها من أحد الموانئ السورية باتجاه الأراضي العراقية بعد إتمام التعاقد على تجهيزها ضمن موارد الاتفاقية (العراقية- السورية)، في حينها، يوازي هذا ….العمل المتواصل لإنجاز تركيب الوحدات الغازية الجديدة (قيد التنفيذ) وربطها بمحطتي القدس وبيجي مع إكمال أعمال التنصيب والربط الكهربائي للوحدات الغازية المستعملة (المهربة) والتي تم شراؤها من وزارة الكهرباء السورية في العديد من المواقع المختارة بمناطق مختلفة من العراق ويرافق هذه الفعاليات كلها أعمال الصيانة العامة وإعادة تأهيل للعديد من الوحدات العاملة في محطات الانتاج والتي تتضمن معالجات رفع التحديدات السعوية عنها، يضاف الى ذلك تأمين وزارة التجارة العراقية، آنذاك، التغذية الذاتية بالطاقة الكهربائية اللازمة لعمل المطاحن والسايلوات التابعة لها بوساطة ما تم تنصيبه من مولدات كهربائية خاصة بها حيث كان تأثيرها واضحاً ومباشراً في تخفيف الاحمال عن الشبكة الكهربائية العامة..
وعلى وفق هذه المعطيات وغيرها ولولا ما أحدثه عدوان الاحتلال سنة ٢٠٠٣ وبعدها من خراب (خبيث مبيّت ومتعمد) طال مرافق الدولة كافة وليس قطاع الكهرباء وحده لكان (معدل ساعات القطع الكهربائي صفراً) كما كان الإعلان عنه لينعم المواطن العراقي بخدمة كهربائية مستقرة تعوضه عن صبره الطويل تجاه معاناته القاسية جراء هذه الأزمة التي ألقت بتبعاتها على مناحي الحياة كافة.