9 أبريل، 2024 6:51 م
Search
Close this search box.

كيف دخلت وخرجت من الولايات المتحدة بدون جواز سفر؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

يعرف جميع المسافرين الى امريكا مقدار التشدد بكل المطارات والمعابر لكل قادم الى الولايات المتحدة والذي لاتشهده ربما اية دولة اخرى في العالم غير اسرائيل. موظفو الهجرة يحملون مسدسين على حزامهم! واسئلتهم واستفساراتهم لها اول وليس لها اخر. منها مثلا: سبب الزيارة وعنوان السكن ومن تعرف في امريكا وعن اصلك وفصلك والدول التي زرتها سابقا ولماذا… الخ. كل هذا منرفز للمسافرين ويستهلك من وقتهم واعصابهم الكثير. لكن مايريحك فعلا هو ان هذه الاجراءات تطبق على الجميع بلااستثناء, سواء امريكي ام اجنبي. وكونك تحمل ملامح الشرق الاوسط لاتشعر ان تركيزهم عليك يفوق بكثير ما يقومون به مع الاخرين, والذي ربما نشهده بوضوح في مناطق اخرى من العالم وحتى اقليمية.

في نهاية 2011 توفي في دبي ابن عمي المهندس معن الاشيقر بعد مرض مفاجئ وبعمر 62 فقررت العائلة واولاده دفنه واقامة مراسيم تابينه في مدينة ايرفن في كاليفورنيا حيث مقرهم. فتوافد الاقرباء وابناء العم من العراق ومختلف الدول الى هناك وبضمنهم 5 من لندن على نفس الطائرة. نزلنا مطار لوس انجليس LAX وهو مطار صغير وقديم لايتناسب مع حجم مسافريه ولا مع ضخامة الولاية, كنت قد زرته سابقا بمناسبة ممائلة. طبعا تم التدقيق معنا بصورة اكثر من المعتاد وهذا ما كنا نحن نتوقعه باعتبارنا عراقيي الاصل ونحمل 3 انواع مختلفة من الجوازات والفيز ونمشي في كروب مثير للانتباه. انا كنت احمل هذه المرة جوازي البريطاني الذي حصلت عليه نفس السنة بعد اكثر من 10 سنوات على اقامتي في لندن. فاكملنا الاجراءات واستاجرنا سيارة وانطلقنا للاورنج كاونتي للحاق بباقي العائلة.

بعد انتهاء المراسيم تفرقنا كل له يوم او يومين اضافيين او اكثر ليقضيها كيفما يشاء قبل موعد طائرة العودة. سافرت اول ليلة الى لاس فيغاس مع مجموعة من الاقرباء. وفي اليوم الثاني زرنا غراند كانيون على نهر كولورادو في اريزونا. وفي صباح اليوم الثالث انطلقت انا واخي يونس, وهو هولندي الجواز ويعاني من ازمة نفسية, الى المكسيك لقضاء النهار في مدينة تيخوانا الحدودية ثم العودة الى LAX فطائرتنا تقلع منه بحدود العاشرة مساء.

بعد سان دييغو في اقصى جنوب كاليفورنيا يبدا الطريق بالتوحش والخلو من السيارات ليشعرك بالاقتراب من حدود دولية مع عالم مختلف. نقطة الحدود الامريكية تسمى سان يسندرو توقفت عند محطتها للبنزين كي املأ خزان السيارة احتياطا فلااعرف ماسيحصل على الجهة الاخرى, فربما عندهم ازمة وقود! وهذا واحد من رواسب ذاكرتنا العراقية التي استحضرها قبل عبور كل حدود دولية بالسيارة. تحدثت مع صاحب المحطة, والذي تبين لي لاحقا بنفس اليوم انه مسيحي عراقي, فابدى لي استغرابه من قراري بالسفر للمكسيك لخطورتها وتخلفها وانه لم يزرها بحياته مع انه يسكن على حدودها منذ 15 سنة, بل ونصحني بالعدول عن الفكرة. وانا املأ خزان السيارة جائتني مكالمة تليفونية من لندن فاخرجت الموبايل والجواز من نفس الجيب. ويبدو اني تركتهما على سطح السيارة بعد انتهاء المكالمة وقفزت داخلها لانطلق بسرعة نحو الحدود التي تبعد عدة مئات من الامتار. والحدود الفعلية للمغادرين هي بوابات اوتوماتيكية تفتح باتجاه واحد مع الاقتراب منها بدون اي تدقيق من الدولتين وخالية من اي بشر. والان صرت في المكسيك بلا جواز سفر ولا موبايل وانا لاادري.

خلال دقائق من دخول المكسيك ادركت مغزى النصيحة التي قدمها لي توماس ولم استمع لها. فجأة انا امام عالم خامس ذكرني بالهند في السبعينات ولكن مليء بالوحوش والمجرمين الذين بدأوا يتقافزون علينا لبيع جرائد وماء وعصير وغيره عند التوقف باي اشارة او منعطف لشارع وبلغة غريبة وتلميحات مهددة. فادركت اننا لن تستطيع التوقف والتمشي بوسط مدينة تيخوانا وعلينا البحث عن مطعم او استراحة باطرافها او العودة مباشرة لامريكا. وانا افكر بعبور الحدود ثانية وضعت يدي لااراديا على صدري لاتفقد جوازي ولاكتشف ضياعه.
فآخر مااتذكره اني وضعته على سطح السيارة قبل 15 دقيقة على بعد حوالي 5 كيلومترات ولكن في الدولة الاخرى!

مباشرة وبسرعة تابعت الاشارات التي تقود الى الولايات المتحدة. الطريق يتجه جنوبا مع ان المفروض ان يكون الاتجاه شمالا. والوقت الان حوالي منتصف النهار.  لايمكنك الصعود لشارع الحدود الذي يقود الى امريكا الا من بعد حوالي 20 كيلومتر. ومن هناك يبدأ اصطفاف السيارات على واحدة من اكثر نقاط الحدود في العالم ازدحاما على الاطلاق. وقضيت عليه حوالي 5 ساعات من القلق والانتظار والحركة البطيئة مع انه يتوسع تدريجيا الى اكثر من 50 مسربا. مشكلتي الكبرى لحظتها هي ان يطالبني بوليس الحدود المكسيكي بالجواز واوراق السيارة فيحتجزوني ويصادروها, واخي يونس لايعرف السياقة ليقودها بدلا مني ان احتجزوني. وهم يمشطون بانتظام كل السيارات تقريبا والاوراق الثبوتية للمسافرين كل حوالي كيلومتر نتقدمه. ولكن لم يسالونني انا بالذات ولحسن الحظ ولا مرة ربما لان لوحة السيارة امريكية. والاخطر من كل ذلك هم البائعون المتجولون الذين يقلبون المكان الى هرج ومرج وعركات كلما اختفى البوليس, والكل حذر منهم.

باخر كيلومتر او اثنين اختفى كل المكسيكيين, الشرطة والاوباش, مما يعني اننا دخلنا الاراضي الامريكية اخيرا, فزال 90% من قلقي وتوجسي. الا ان المشكلة القادمة هي كيف سيسمحون لي بالدخول وانا لااحمل اي وثيقة سفر؟

وصلت لموظف الهجرة الامريكي فقلت له: انا بدون جواز سفر وربما اضعته باخر محطة بنزين على الجهة المقابلة صباح اليوم. قادني مباشرة الى عنبر كبير به المئات من السيارات المشكوك بها او باصحابها حيث يتم تفصيخ السيارات واخراج اكوام المخدرات من محركاتها او عجلاتها ويلقى القبض على اصحابها بصورة خشنة جدا ومفزعة. وكل ذلك امام عيني حتى ياتيني الدور للتحقيق. بهذه الاثناء بعثت اخي يونس مع خريطة مبسطة لموقع محطة البنزين عسى ان يجد جوازي وموبايلي هناك, فهو مسموح له بالخروج ولامشكلة عنده, لكنه عاد بعد 3 ساعات ليقول لي انه لم يدل المكان.

من محقق الى اخر نقلوا اوراقي اخيرا الى مدير الحدود. وهو انسان رائع طويل القامة مميز المشي متفهم ومكسيكي الاصل اسمه خرميللو. طبعا هو ككل الاخرين لم يزر المكسيك منذ 30 سنة مع انه على حدودها. استمع لكل كلامي وطلباتي وصدق ادعاءاتي. لكنه بعد مناقشات واستشارات قال لي: موضوع تركك لتدخل الحدود حتى تبحث عن جوازك وتعود فهذا خارج البحث. وصدقني ان جوازك الضائع هو الان بيد احد المهربين وهو ربما يدخل به حتى اللحظة المهاجر غيرالشرعي السادس لامريكا عبر منفذي الحدودي هذا. ان نتصل بالسفارة البريطانية لترسل غدا مندوبا عنها ليقابلك ويصدر لك جواز بريطاني مؤقت فهذا يتطلب حجزك عندي بالسجن يومين على الاقل. اما ان اعتمد دخولك السابق قبل ايام الى LAX فهذا يتطلب ان اجلب بصماتك وصورتك من المطار وهي عملية ستستغرق حتى في امريكا اليوم وضمن نفس الولاية حوالي اسبوع, تكون فيه محجوزا بالسجن عندي. وبكل الاحوال عليك دفع غرامة عبور الحدود الامريكية بلا فيزا ومقدارها حوالي 1200 دولار.

ولكن عندي لك حل تخرج به من هنا خلال نصف ساعة مع اوراق ثبوتية اصدرها لك تسمح لك باستئجار فندق والسكن والعمل ولايوقفك شرطي مع حق الاقامة 10 سنين حتى تدبر امورك وارفع عنك الغرامة بموجب الصلاحيات التي منحني اياها الرئيس اوباما. الا تقول انك عراقي الاصل؟ وقع لي على طلب اللجوء الانساني هذا للولايات المتحدة وانس موضوع بريطانيا ولاتحدثني به!

خلال ساعة وبعد دفع 6 دولارات فقط كنت مع توماس العراقي نبحث عن الجواز والموبايل حول محطته ولم نجد غير غلافيهما. وكان في جيبي بدلا منه اقامة رسمية في امريكا حتى 1212021 لازلت احتفظ بها. وخلال 24 ساعة استصدرت على التليفون جوازا مؤقتا لسفرة واحدة من القنصلية البريطانية في لوس انجلس استلمته باليد عصر اليوم التالي, ومنها الى المطار مباشرة عائدا الى لندن.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب