لقد اختلف العلماء في مجال علم نفس الشخصية في كيف ومتى تتكون شخصية الطفل، حيث ذهب بعضهم الى أن شخصية الطفل تعتمد على الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل والتي تكون الأساس في تكوين شخصيته، ويقود هذا الفريق العالم فرويد . في حين ذهب الفريق الأخر المعارض بقيادة آنا فرويد الى ان سنوات تكوين ونمو الشخصية تصل الى سن الخامسة عشر، وهذا العمر هو الكفيل بالتحكم في شخصية الطفل، هذا من باب، ومن باب آخر أكد فريق على ان الوراثة تلعب دورا كبيرا في تكوين ونمو شخصية الطفل في حين عارضهم آخرون مؤكدين على ان البيئة هي الأساس في تكوين شخصية الطفل . وبلور هذا الرأي العالم واطسون بمقولته الشهيرة ( أعطني دستة أطفال أعطيك العالم والدكتور والمجرم ) . في حين خرج رأي آخر جمع بين الاثنين مؤكدا على ان الوراثة لها دور في نمو الشخصية الى حد ما والبيئة تتكفل بالباقي ، أي أنهما يعملان معا على تشكيل ونمو شخصية الطفل.
هذه صورة مبسطة وغير معقدة عن كيفية نمو شخصية الطفل والآراء التي تناولت هذا الأمر وطبعا من دون تفاصيل لأني أردت ان أدلي بدلوي في هذا الموضوع وابدأ بالقول أولا: ان لكل قاعدة شواذ وقد يكون جميعهم على صواب طبقا لمعطيات الظروف والمجتمع الذي يعيشونه وقد يخالفني الرأي الكثيرون من خلال قولهم ان الأطفال يتشابهون في كل بقاع العالم، او ان هذه الدراسات تم تعميمها على مجتمعات كبيرة ومختلفة فأجيب انا : لا اشكك بصحتها الا اني اريد التفكير بصوت عال وإشراك القارئ بأفكاري وأتقاسمها معه، فنحن أصحاب العقول البسيطة نعارض معظم الآراء التي تحدثت عن كيفية نمو شخصية الطفل ونطرح عدة أسئلة منها : كيف تكون اول خمسة سنوات متحكمة بتكوين شخصية الطفل، وباقي السنوات؟ والظروف التي تطرأ على الطفل في السنين اللاحقة ما هو دورها ؟ وغيرها من الأسئلة المشروعة . حتى العشرة سنوات الأولى أيضا نشكك بها ونعترض على ان عنصر الوراثة له الدور الأكبر ونعترض على ان البيئة صاحبة الأثر الأكبر في تكوين شخصية الطفل وغيرها من الاعتراضات.
نحن بطبيعتنا كمجتمع شرقي قد نكون متأخرين جدا في هذا المجال لأننا أصلا لا نعيره أهمية كبرى وهو ليس خللا وليد الساعة بل هو ثقافة متجذرة منذ عشرات السنين وسببها الإهمال الكبير الذي تعانيه شريحة الطفولة بصورة عامة في مجتمعاتنا ككل ومن جميع جوانب الحياة، وقد يأتي هذا الإهمال كنتيجة طبيعية للظروف التي تعيشها مجتمعاتنا ومجتمعنا العراقي بصورة خاصة والمتمثلة بسوء الخدمات وصعوبة الحياة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي طوال عقود من الزمن . كل ذلك انعكس سلبا على اهتمامنا بأطفالنا والتركيز على جانب الشخصية لهم وسبل تنميتها، لهذا نجد ان هناك فروقا نسبية في طبيعة شخصية الطفل تبعا للظروف المحيطة به والبيئة التي يعيش فيها .
وهنا أقولها للجميع ان عملية تنمية وصقل شخصية طفلك ليس بالعملية العسيرة والمستحيلة بل انها أشبه بعملية التعليم والتدريب ولا تحتاج الى جهود استثنائية ولكن تحتاج الى الصبر والحكمة في التعامل مع الطفل، ويمكن لأي شخص ان يقوم بها بغض النظر حتى عن مستواه التعليمي، حيث يبدأ اولا بمشاركة طفله في حل مشاكله ويعمل دائما على تجاذب أطراف الحديث معه في مختلف المواضيع، وكذلك يساعد طفله على اتخاذ قراراته بنفسه من خلال طرح عدد من الحلول له وتركه يختار الأفضل والذي يناسبه، وكذلك تعزيز الصفات الجيدة لديه والعمل بصورة غير مباشرة على تخليصه من الصفات غير الجيدة دون ان نشعره بالذنب او ننتقص من شخصه . ويمكن أيضا أن نتعمد القيام بأفعال جيدة أمامه، مثلا مساعدة الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، وتجنب استخدام الألفاظ النابية أمامه لأي سبب كان، وان يكون الأب قدوة جيدة لطفله من خلال تصرفاته وطريقة تعامله مع طفله اولا ومع الآخرين ثانيا . إضافة لذلك يجب ان يسعى الأبوين الى دفع طفلهم للمشاركة في النشاطات الجماعية ان كانت في المدرسة او في غير مكان، وحثه على التواصل الاجتماعي مع الآخرين وتخليصه من الخجل والعزلة وأيضا تعزيز ثقته بنفسه من خلال إناطة مهام بيتية له او أعمال خارج البيت يقوم بها كجزء من مسؤوليته كونه عنصرا فعالا في أسرته، ومنحه بعض الخصوصية داخل البيت والاستقلالية بتخصيص غرفة خاصة به – ان توفرت – وان صعب الأمر تخصيص دولاب خاص به لأغراضه الشخصية والحرص على عدم التطفل عليه وانتهاك هذه الخصوصية لأي سبب كان . وهناك أمور أخرى كثيرة من الممكن ان يكون لها الدور الأكبر والفعال في تكوين شخصية طفلك . واترك لكم الخوض في هذا المجال كما أرجو من الجميع ان يأخذ الأمر على محمل الجد لانه كفيل بان يجنبهم الكثير من المشاكل في المستقبل ان اهتموا به باكرا .
أخيرا اود ان أقول ان ما طرحته هو تجربة عملية وليس مجرد تنظير ونتائجه مضمونة ويستطيع الجميع ان يضيف لها ويطورها بأسلوبه الخاص وأتمنى للجميع التوفيق.
باحث نفسي / مدير البيت العراقي الامن للايتام
تنويه : يشرّع المستشار النفسي هذا الباب على جميع المشاكل الأسرية التي تخص الطفل بمراحله العمرية والمرأة بكل مستوياته الثقافية والاجتماعية كي يساعد ولو قليلا في زيادة الوعي النفسي لمشاكلها الأسرية، وبذلك سيكون هذا الباب مفتوحا لاستقبال رسائلكم عبر نموذج الإرسال ” راسلنا ” الجهة المستقبلة ( سميراميس ) وسيتم نشر الرسائل ورد المستشار عليها مع محافظتنا التامة على سرية مرسليها .