23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

كيف تنظر إسرائيل إلى عراق ما بعد عام 2003؟

كيف تنظر إسرائيل إلى عراق ما بعد عام 2003؟

يحفل التاريخ السياسي بالكثير من الشواهد والمواقف ذات الحمولات المشحونة بالعداء بين إسرائيل (الفكرة والكيان) وبين الدولة العربية والإسلامية، بعد أفول النزعة الدينية المسيحية الحادة اتجاه اليهود في أوروبا إلى جانب مغادرتها النزعة الشوفينية اتجاه اليهود منذ هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وقبل الإشارة إلى مرحلة الانتقال من الغرب إلى المنطقة العربية نشير إلى الذاكرة التاريخية من الحمولات المشحونة بين العرب وإسرائيل، حيث تحمل المدونات الإسرائيلية الموضوعة العديد من الأدبيات التي تشير إلى الدول العربية الحديثة أو من خلال حضارتها وجغرافيتها أو حتى شواهدها ونعوتها البيئية، ومن تلك الدول العراق التي تطلق عليها تلك المدونات أرض الميعاد (الأرض) هي المقابل العربي لكلمة (إرتس) العبرية التي ترد عادةً في صيغة (إرتس يسرائيل) أي (أرض إسرائيل)، حيث يعتقد اليهود أنها الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل).

الوعد بحسب أقوال كتب اليهود كان في البدء إلى إبراهيم، وتجدد العهد بعد ذلك إلى أبنه إسحاق، وإلى أبن إسحاق (يعقوب)، حفيد إبراهيم (عليهم السلام). وأسندت أرض الميعاد لأولادهم، وكان وصفها في شرط الأرض من نهر مصر إلى نهر الفرات (الأرض الممتدة من سوريا إلى العراق).

وبعد تأسيس كيان لإسرائيل على أرض فلسطين سعى بناتها ومنظروها إلى تهذيب هذه الأفكار وترصين كيان الدولة وتأطيره في حدود جغرافية مرسومة في محاولة للانسجام مع مبادئ القانون الدولي، وبذلك انتقلت إسرائيل في ظل هيمنة الأصولية اليهودية من مرحلة التفكير بالدولة المفتوحة إلى مرحلة الحدود المرسومة في ظل الحكم العلماني، بعد أن ساهم في رسم حدود هذا الكيان عوامل دولية معروفة، وبعد صراع دام لعقود مع الدول العربية المحاذية لفلسطين والتي انتهت لصالح إسرائيل، فيما قطاعات مجاوره يسودها التوتر بين الحين والآخر ومنها قطاع غزة، وجنوب لبنان، وهضبة الجولان، كما كانت بعض الدول العربية التي ترفع شعار القومية مناهضة إسرائيل وتحرير القدس تمثل هاجس لدى إسرائيل استطاعت هذه الأنظمة من خلال الشعارات لأسباب بعضها قد لا يمثل حقيقة معادة إسرائيل، وتحرير فلسطين، وإنما لتغطية الأزمات الداخلية التي يمر بها النظام السياسي.

وهذا ما ينطبق إلى حدا كبير مع النظام السياسي في العراق قبل عام 2003، أما بعد زواله على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، انتقل العراق من مرحلة العداء الظاهري على الأقل إلى الصداقة أو التحالف مع الولايات المتحدة، أما علاقة العراق الرسمية فهي لا علاقة دبلوماسية ولا خصومة عسكرية مع إسرائيل، أما تعامل القوى غير الرسمية مع إسرائيل فقد تغير أوجه الخطاب تبعا لخارطة القوى السياسية والبيئية في العراق، حيث هناك مجموعات إسلامية لا زالت في ذات موقفها المناهض لإسرائيل، في حين يتسم موقف السنة بالغموض وكان موقف القوى الكردية أكثر اقتربا وتصالحا مع إسرائيل حسب ما تشير التقارير من ذكر تبادل لزيارات بعض الوفود من قبل الطرفين، والحديث أيضا عن تبادل تجاري وما إلى ذلك.

حيث لا تخفي أطراف حزبية ومستقلة ومؤسسات كردية أخرى عن علاقتها بإسرائيل كما أن الأمر ذاته قد ينطبق على أطراف أخرى مشاركة في العملية السياسية في بغداد، الباحث الإسرائيلي، المحاضر في جامعة بار إيلان، إيدي كوهين، كان قد كشف الستار عن نتائج هذا الجهد نحو العراقيين، وكان قد أطلق تصريحات قال فيها أن هناك نوابا عراقيين أو أشخاصا من طرفهم قد زاروا إسرائيل ضمن وفود رسمية من الحكومة العراقية، بحسب قوله.

أما رؤية إسرائيل للعراق بعد التغيير فيبدو أيضا متباين فهي تنظر إلى الكيانات في العراق كل حسب موقفه منها، وقبل الإشارة إلى الوسائل الخشنة في تعاملها مع الواقع السياسي في العراق نشير إلى أن إسرائيل في الآونة الأخيرة تبدو الوسائل الناعمة في غاية الشراسة، وتبدو إسرائيل مصممة على اختراق العراق اجتماعيا عبر صفحات خصصتها للتواصل مع عراقيين، وسياسيا عبر فتح قنوات اتصال مع النخبة السياسية هناك.

كانت الصفحة التي أعلنت الخارجية الإسرائيلية تحت مسمى (إسرائيل باللهجة العراقية) في موقع الفيس بوك صدمة كبيرة ومؤشرا على سياق إسرائيلي مهم لفتح علاقة مع الجانب الرسمي في بغداد والتواصل مع الحلقات الشعبية المهتمة بالتراث اليهودي في العراق، وطبعا التراث اليهودي هو جزء من نسيج العراق الثقافي لا يستطيع أي إنسان أن ينكره وهو جزء من حاضرة الدولة العراقية فعليها الاهتمام به في إطار دولة المواطنة وليس دولة الانتماءات.

من جانب آخر، يبدو أن إسرائيل غير مرتاحة إلى تحول علاقة العراق مع إيران من إطار العداوة في عهد النظام السابق إلى أكثر من الصداقة في ظل النظام السياسي الحالي، لأسباب كثيرة منها الإيديولوجية السياسية والعقدية التي ترفعها إيران تجاه إسرائيل منذ الأيام الأولى من الثورة الإسلامية، ومرحلة الحضور الإيراني القوي في لبنان وسوريا، ودخلت حالة التوتر مرحلة الأكثر خطورة بعد تصاعد الخلاف الأمريكي الإيراني، وبالتالي أخذت إسرائيل لا تنظر إلى إيران فحسب كعدو وإنما إلى حلفائها في الدول العربية كلبنان، وسوريا، واليمن، والعراق، حيث تفرض العناصر الجيوسياسية بالنسبة لفصائل عراقية قاتلت داعش في العراق وناصرت نظام بشار الأسد في سوريا، وهي بذات الوقت تحمل إيديولوجيا مناهضة لإسرائيل، تفرض واقعا يشوبه التوتر بين هذه الفصائل وإسرائيل في إطار ما تعده الأخيرة تهديد هذه الفصائل لأمنها القومي بصورة مباشرة وغير مباشرة.

من هنا، هددت إسرائيل قبل ما يقارب ستة أشهر من الآن باستهداف مخازن الأسلحة التابعة لهذه الفصائل ليس فقط في سوريا وإنما في العراق، وهو تهديد بعد مدة قصيرة لمحت إسرائيل إلى أنها ليس بعيدة عن ما حدث من استهداف طال مخازن للأسلحة في بغداد وصلاح الدين تابعة لفصائل منضوية تحت هيئة الحشد الشعبي، بعد ساعات من الاستهداف وهذا الحدث قد يعبر عن موقف إسرائيل إلى عراق ما بعد عام 2003 على مختلف الأصعدة.

وفي سياق مقارب تخبرنا الذاكرة التاريخية في إطار ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي، أن إسرائيل كانت لا تعلن عن قيامها بضربة عسكرية في هذه الدولة أو تلك إلا بعد مرور عدة سنوات، مثلما حدث ذلك في استهدافها للمفاعل تموز العراقي في 7/ حزيران عام 1981، وأعلن التلفزيون الإسرائيلي للمرة الأولى يوم 18 نيسان عام 2007. واعتراف إسرائيل مؤخرا بتدمير منشأة نووية في دير الزور السوري عام 2007، ويبدو إعلان إسرائيل باستهداف مخازن أسلحة في العراق وسوريا بعد ساعات راجع إلى أحد المشاهد الآتية:

1- التوتر الأمريكي – الإيراني الحاصل في ظل تقدم إيران جيوستراتيجيا في سوريا، وخطر تحالف إيران مع قوى سياسية – عسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا يزعج إسرائيل وحلفائها من دول الخليج كالسعودية.

2- إن الحرب على داعش في كل من سوريا والعراق وما شهده البلدين من استنزاف مادي وبشري إضافة إلى مشاكل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي فيهما، جعل من إسرائيل تضن أن الدولتين غير قادرتين على المواجهة.

3- قد يكون الإعلان الإسرائيلي بقيامها بضربات عسكرية في العراق وسوريا لدواعي سياسية داخلية حيث ستشهد إسرائيل انتخابات برلمانية.