23 ديسمبر، 2024 11:20 ص

كيف تمثلون السُنة ؟

كيف تمثلون السُنة ؟

من أهم ما أفرزته الإعتصامات بل من أهم ما نجحت به تلك التظاهرات أمران غاية في الخطورة والأهمية
الأولً :  هو تأسيس رأي عام موحد (رأي عام مشترك ) وخطاب “شبه” موحد لأهل السُنة يعبر عن معاناتهم مع السلطة ويحدد أهدافهم المشتركة يشترك بها الجميع بدء من عامة الناس الغير متحزبين وغير السياسين من عامة أهل السُنة يوازرهم وينظمهم (ولا يقودوهم) السياسيين والحزبيين فكانوا تابعين للحراك السُني كونهم جزء من الكيان الإجتماعي السُني وليسوا قادة له  (وهي فرصة لتأسيس علاقة جديدة بين عامة الناس والحزبيين والسياسين الحالين كما هي فرصة مؤكدة لبروز قادة سياسيين جدد)
ورغم أن الرأي العام المشترك لازال (قيد التشكل) والبحث عن لغة واضحة يستطيع أن يعبر فيها عن حقيقة معاناته ودوافعها وأسبابها الحقيقة وليست ظواهر تلك المعانات ولا زال في طور تشكيل  الخطاب والمصطلح الموحد إلا إننا ومع الأسف الشديد بدأنا نرى بداية  (تصدعاً) في ترسيخ هذا الخطاب لابد من معالجته والعودة وبسرعة كبيرة إلى فكرة تأسيس (رأي عام مشترك) للجميع أمام خصم قوي يمتلك الإستخدام المفرط للسلطة وللعنف وإستغلال القوانين بغير ما شرعت لها وله أجندته البعيدة وتكتيكاته المتنوعة والمراوغة وإمكانياته المادية المتنوعة والمدعومة.
والثاني  : بدأت فكرة (المرجعية) بالتبلور لدى (سُنة العراق) بعد أن كان عامتهم لا يعترفون بأي مرجعية سياسية أو دينية أو فكرية بل هم بعيدين كل البعد عن فكرة (القيادة الموحدة) لهم لذا فلا مرجعية سنية واضحة لهم وهناك تعدد القيادات المحلية والمناطقية والعشائرية والحزبية ؛ تنوعت وتشكلت وفق مصالح وإرادات فكرية ومذهبية وحزبية مختلفة وكلها محترمة .
وإن كان إختلاف المصالح والرؤى والأفكار مسألة حسنة ودليل فعالية المجتمع ونشاطه ولا يمكن أن نتصور وجود مجتمعي خال من هذا التنوع والإختلاف إلا أن الخطاء الذي وقع فيه سُنة العراق هو تركيزهم المفرط على المتناقضات الداخلية لهم وتوثيقها بعناية فائقة وإرشفتها بدقة  وتفعيلها بحرص وقوة وتجنب البحث عن “المشتركات” والذاكرة السُنية إن كانت قوية في حفظ التناقضات فهي ناسية تماماً ولا تعنيها  المشتركات ولا تتعب نفسها أبداً في البحث عنها وطي الصفحات الماضية ونسيان سلبياتها
 فإن كانت “المتناقضات” والإختلاف أمر طبيعي فإن “المشتركات” أمر لابد منه لتواصل الحياة وإستمرارها وبقاء الجنس وزدهاره فضلا عن الدوافع الفطرية التي تحمي النوع وتحسنه .
وكانت القيادات السُنية لا تمثل إلا نفسها ومهما جهدوا في التقرب من ممثليهم وإهلهم إزدادوا بعداً و وقف الفشل السياسي المتوقع حائلاً بينهم وبين أهلهم وهم يرونهم يتمتعون بأمتيازات مناصبهم مجردين من صلاحيتهم بلا حول او قوة على إحداث التغيير الذي يسعون له وتطالب به الجماهير.
 أما علماء الدين فقد حارو بنا وحيرونا زهدوا بنا وزهدنا بهم فهم أما حالهم كحالنا وأسوء وما طالنا طالهم وحائرون في بلواهم كما إحترنا في بلوانا فكيف نطلب منهم عوناً وحلاً وهم به أحوج  وأما من كان منهم خارج نطاق تغطية الظلم وتأثيراته ومعتقلاته وسجانيه ومعذبيه وتمتع في بحبوحة التفكير السليم الهادىء فكل منهم يغني على ليلاه ويفتي بما يراه في تناقضات عجيبة يطلب من الإنسان الحائر في أمنه ومعيشته التمحيص والتدقيق والترجيح وإختيار الأفضل في فتاوي قطعية لا تترك مجالاً للإختيار! لا يمثلون إلا رأيهم وهم أما متناقضون فيما بينهم أو مختلفون وفي بعض الأحيان متصارعون وكثيراً ما كانوا محيرين وغالباً ما كانوا مقصرين !
لذا أنصرف الناس عنهم حائرون باحثون عن سبيل أخر غير علماء الدين وفي إحياناً بعيداً عن الدين نفسه حينما لايجدون في الخطاب الديني منهاج حل واقعي وقوة على التنفيذ غير التوصية بالصبر عند الذبح ثم الصبر وهم يختطفون ويسجنون ويحاربون في إرزاقهم بل ويثقبون ! لذا حاولوا إكتشاف طريق “العلمانية” عبر العراقية التي لا يفقهها عامة الناس إلا بقدر أنها حائلاً ضد الطائفية التي أذاقتهم الآمرين ولما أفل الحل العلماني ولم يفلح هو الآخر في إنقاذهم وتبين لهم أنه كسيح لا يأمن على نفسه  إنتابهم اليأس والقنوط وفكرو بالشيطان عله هو المنقذ لهم لولا ذرة من إيمان ويقين بالله بقت حية .
وجاءت الإعتصامات لتفرز للسُنة ولأول مرة “مرجعية دينية” مسموعة مطاعة سلموا أمرهم لها وهم يدعون الله لها أن لا تفشل هذه المرة وتوحدهم على طريق واضح واحد يقدرون عليه ولم تطلب منهم إلا شيء واحد فقط أن يتوحدوا ولم يزعموا أنهم قادة الإعتصامات والتظاهر ولأول مرة في التاريخ المعاصر للسُنة ينصاع الغالبية من طلبة العلم وأئمة المساجد وخطبائها إلى رأي عالمين منهم متفقين غير مختلفين (فضيلة الشيخ العلامة السيد عبد الملك السعدي وفضيلة الشيخ العلامة السيد رافع الرافعي) وخرجوا من مساجدهم إلى ساحات الأعتصام والتظاهر وحق لهم أن يتصدروها مع شيوخ العشائر ؛ ولأول مرة يترك علماء أهل السٌنة لواحد منهم الكلام والقيادة ويسكتوا عنه إن لم يؤازروه .
ولأول مرة في تاريخ المعاصر لسٌنة العراق يتكفل عالم منهم بنقل مطالب الناس ومعاناتهم دون أن يدعي تمثيلهم ودون أن يطلب قيادتهم ولأول مرة في تاريخ أهل سنة العراق المعاصر يسمع الناس لعالم ديني وينصاعوا له عله يرشدهم إلى الطريق الصحيح .
وبداء المعتصمون يوحدون شعاراتهم وينظموا صفوفهم ويقلصوا راياتهم ويضبطوا خطابهم ويتعلمون فن التصريح السياسي و يجمعوا قواهم بعد تشرذم وبداء البحث عن ما يوحدهم ويجمعهم ويتصالحوا مع أنفسهم.
  وبداء المعتصمون وفي إطار تكوين رأي عام مشترك يعبر عن أهل السُنة ولأول مرة في تاريخهم السياسي المعاصر يكونون “قيادة موحدة” تمثل جماهير عموم ساحات الأعتصام والتظاهر في العراق لتوحيد خطابهم وليس مطالبهم فهي واحدة ؛ فهم يعانون من ظلم وإنتهاك وإرهاب شديد من قبل السلطة الحالية وليس عموم الحكومة فليس مشكلتهم مع وزير التربية او النفط او التجارة أو الصحة أو البيئة … أنما مشكلتهم مع سلطة قمعية متسلطة بلا ضوابط قانونية أو عرفية أو دينية متعسقة ومستهترت بحقوق الإنسان وكرامته ؛وفعلا تمكنت تلك القيادات الميدانية من ضبط التظاهرات إلى حد لا بأس به وهي قابلة للتطور كلما نمى وتطور الرأي العام المشترك لدى الجماهير .
فما بال الخلاف بداء فجأة يريد أن يخطف جمعهم ويمزق صفهم ؟
نعم علينا أن نتوقع وجود أخطاء كثيرة يبررها قلة الخبرة السياسية وصدق الإنتماء العقائدي والفكري وتنوعه وإختلافه مما يزيد تجميعهم صعوبة ؛ كما علينا أن نتوقع قيام خصوم هذه الإعتصامات  ومن لهم مصالح مع السلطة ومن السلطة نفسها أن تسعى لإختراق التظاهرات وشق صفها وتشتيت خطابها ومنعها من إستكمال مراحل تكوين رأي عام مشترك لأهل السُنة في العراق وتشتيت قياداتهم الجماهيرية بهذا يفقدون إنجازاً رائعاً ومهماً من ما حققته الإعتصامات والتظاهرات السلمية حينما تتشتت قياداتهم وتتنوع مطاليبهم ويختلف خطابهم .
فكيف نعزز الوحدة ونوحد الصف ؟ وما هو السبيل لإيجاد رأي عام “مشترك” لأهل السنة يمكن لآخرين التعامل معه وفهمه ؟ و التأكد بأنه يمثل أهل السنُة بكافة مشاربهم ومصالحهم وإنتماءاتهم؟
لابد أولاً من الإعتراف بحقيقة أن أهل السُنة في العراق يتكونون من أعراق قومية مختلفة (عرب وكرد وتركمان) ولكل منهم هموم ومصالح خاصة إضافة إلى الهم المشترك ؛ كما وإن أهل السُنة في العراق يتكونون من عشائر وقبائل ولرئيس العشيرة والقبيلة تأثيراً كبيراً على أفراد تلك العشائر وإن للإستقواء العشائري هذا مبرراته ودوافعه وكما له سلبياته فله أيضاً فوائد وإيجابيات وإن أهل السنة ليسوا على مذهب إسلامي واحد فلهم أربعة مذاهب وفيهم الصوفيين والسلفيين وفيهم الملتزم وغير الملتزم دينياً وفيهم المثقف والأمي والأستاذ والطالب وفيهم المرأة والرجل …الخ كل أولئك هم من سُنة العراق و يجتمعون في ساحات الإعتصام ؛ كما أن الحزبيين و السياسين والمفكرين والمثقفين السُنة هم أيضاً لهم حقوقهم في ساحة التظاهر ولا يحق لأحد عزلهم عنها طالما أن الجميع يلتزمون بالمشتركات وضوابط الإعتصام وسلميته وخطابه الموحد.
وبعد ذلك يكون السؤال كيف نصل إلى رأي عام مشترك للمعتصمين ؟ والأصح كيف نقرائه وكيف نعبر عنه فهو موجود في ضمير كل المتظاهرين وهو تعبير عن معاناتهم بل هي استعادت حقوقهم والدفاع عن كرامتهم و وجودهم في العراق لا يحتاج إلى إيجاد . 
لابد من التعبير بوضوح عن (الرأي العام المشترك) هذا ولابد من الحفاظ على وحدة الصف في نفس الوقت وكلاهما مهم وهو الذي يحدد مستقبل أهل السُنة وليس مستقبل التظاهر والإعتصام فما هو إلا تعبير عن حقوق ومعاناة سُنة العراق . وتلك هي خطورة ما يحدث الآن من خرق للصف وتنوع للخطاب وتشتيتاً للقيادات .
الطريق إلى ذلك لا يمكن إن يكون إلا وإلا فقط وعن طريق واحد فقط لا غيره وهو “الحوار الداخلي” الرصين والهاديء والصريح برعاية الشيخين المجتهدين الذين تواجدوا وسط التظاهرات والإعتصامات  لتحديد والإتفاق على الأمور الآتية :ـ
1. ماهي المشتركات
المشتركات هي ما (أتفق عليه عامة الناس) المجتمعيين في ساحات الإعتصام وعلى مستوى العراق المعبرين عن معانات عامة الناس من السُنة خارج هذه الساحات (رفع الظلم وتحقيق العدالة) ذلك هدف التظاهر والإعتصام الرئيسي في هذه المرحلة وذاك هو (المشترك) الرئيسي ؛ وأي هدف لا تجمع عليه الأمة ممثلة بالمعتصمين والمتظاهرين لا يعدوا مشتركاً مهما سمى وعلا … والمشترك معني بالتوقيت الحالي والمعاناة الحالية ومعني بالمرحلة والمرحلة الحالية . واعتقد أن المشترك يمكن إيجازه  من خلال سماع المتظاهرين (ولقد سبق أن بينا رأياً في ذلك من خلال مقالة (ملخص المطاليب) التي حاولت بها قراءة ماذا يريد المتظاهرون بل ماذا يريد سُنة العراق) .
ودون ما هو متفق عليه فهو ليس مشترك ولا يجوز لأحد فرضه داخل الساحة وعلى المعتصمين  كما أن من حق كل ذي رأي أن يحتفظ برأيه دون إلزام الآخرين به فهذه ساحة المعتصمين أجمعين بإختلاف رؤاهم ولهم أن يعبوا عن قناعاتهم ومعتقداتهم بعيداً عن ساحة الإعتصام هذه التي حدد لها واجب وقت ومكان محددان ؛ و لا يمكن لها أن تنفذ كل أهداف اهل السنة بمختلف مذاهبهم ومعتقداتهم بل هي مختصة بما يريدونه من السلطة في الوقت الحاضر باحثين  عن العدالة ورفع الإرهاب والظلم عنهم .
2. تحديد ضوابط واحدة يتفق عليها الجميع قيادات التظاهر والإعتصام وتوحيد الخطاب وضبطه بمقتضى “المشتركات” التي يتفق عليها سواء ما كان منه على منصات التظاهر أو في الإعلام .
3. وضع ضوابط لتواجد المعتصمين وتحركهم وشعاراتهم وإعلاناتهم بما يتماشى مع  المشتركات التي يتم الإتفاق عليها وبما يحقق أقصى ضبط ممكن ويمنع إختراق التظاهرات والإساءة إليها .
4. الإتفاق على آليات التفاوض مع الحكومة وآليات تشكيل الوفود العامة و الوفد المرخص بالتفاوض سواء مع الحكومة بشكل مباشر (وذلك هو المطلوب) أو مع الوفود الرسمية أو غير الرسمية التي ترسلها الحكومة أو مع المتطوعين للوساطة مع الحكومة .
5. الإتفاق على تشكيل التنسقيات المحلية واللجنة التنسيقية العليا وتنظيم عملهم بما ينظم عمل التظاهر .
6. العمل على رص الصف وتحصينه وعدم الإنجرار إلى أي أهداف بعيدة عن المشتركات أو إلى أي معارك ثانوية وتحصين سلمية الإعتصامات والتظاهرات .
7. لمن لا يؤمن بهذه الضوابط والمشتركات الحق في الإنسحاب من الساحة دون ضرر ولا ضرار وله الحق في التعبير عن رأيه و التصرف بما يراه مناسباً بعيدا عن ساحات الإعتصام والتظاهر السلمية والعلنية حيث إن الساحة  بحكم ظروفها تعبيراً عن أهل السُنة مجتمعين وليس عن فكر أو إعتقاد أو مذهب أو حزب أو تجمع معين إنها ساحة العراق وساحة من يؤمن بالمشتركات فقط
أخيراً : لابد من فهم الدقيق لآليات الإعتصامات السلمية ولابد من المحافظة على ما تم إنجازه من مكتسبات ولابد من الثقة لعالية بالحق الذي يمثله المعتصمون وإستعدادهم للحوار أو التفاوض مع أي طرف من الأطراف طالما هم موحدون ومجتمعون على مشتركات أتفق عليها جميع سٌنة العراق بإختلاف مشاربهم ومذاهبهم وبحكم تمثيلهم المطلق لسُنة العراق . وإتفاقهم هذا يعني ترصين الصف الوطني وتقويته وتمكين الشعب العراقي كله دون إستثناء من القيام بواجبه تجاه أمته وتجاه العراق .
[email protected]