19 ديسمبر، 2024 1:14 ص

كيف تكون وطنيا بدون معلم (2-2)

كيف تكون وطنيا بدون معلم (2-2)

شراكة الوطن ليست كالشراكة في العملية السياسية الجارية التي يطلق عليها الفقه القانوني (شراكة الاذعان) ادخل معي في العملية السياسية , ومني كذا ومنك كذا (الارنب والغزال) ويرضى المذعن بالارنب في الحالتين (امر حكومة يا نوفة)…        

وليست المشكلة في كل ذلك بل المشكلة تكمن في الشعور السلبي الخطير الذي يدخل في لا وعي المواطن المنتسب الى مذهب القائد العام ولا نقول قوميته او دينه لأنها حذفت في المعادلة الطائفية لدى عرب العراق كونها مؤذية لمخطط عودة كسرى ومدحت باشا الى بغداد , وبنفس الوقت الذي يراد لعرب السنة في العراق ان يكونوا سنة فقط ..يراد للكرد السنة ان يكونوا كوردا فقط لكي يبقى مثلث برمودا قائما في العراق..  ..فمواطن مذهب القائد العام يشعر بالاستعلاء على مواطن مذهب رئيس البرلمان والثاني يشعر بالدونية امام الاول (ولكل قاعدة شواذ) فانا كسني دخلت نقاشا مع صديق قديم من مذهب القائد العام بعد عودتي من المهجر وكان صاحب مطعم كباب بسيط ..فوجدته يتحدث معي بالسياسة بطريقة فوقية  , فتوقعت انه استلم موقعا ما ,بعد السؤال تبين انه في نفس المطعم البائس فقلت له الآتي ((انا اكبر منك سنا دعني اعلمك شيئا وهو ان حالك وحالي لم يختلفا الا نحو الاسوأ وأن اهلنا الشيعة والسنة سحقتهم المحاصصة والاستكبار وهناك خطة ضد الاثنان تقتضي بأن تجند انت لتتبع الف مستفيد من المحاصصة من طائفتك بحجة المظلومية وأنا اجند لالف من المستفيدين السنة بحجة حماية السنة وهذا النظام هو ليس شيعي وليس سني انه نظام الفساد الذي روج له اهلنا المخدوعين من الشيعة والسنة ..فتمسك بعراقيتك ولا تتكبر على عراقي بعد الآن …وأن هيمنة سياسيي مذهبك على السلطة يجعلك تخجل من المكونات الاخرى الاقل هيمنة كون تهمة الفساد ستكون لسياسيي مذهبك اكثر التصاقا وفق ان الاكثر مواقعا هو الاكثر فسادا.
عليه الوطنية لم تكن يوما ولن تكن تتعلق باكثرية او اقلية , بل يذهب انصار الدولة المدنية الى انه من الخطأ اعتبار ان (الدولة)  يمكن ان تتحدث في دستورها لاي انتماء فلا توجد دولة مسيحية تقول في دستورها انها مسيحية كون الدول لا دين لها حتى ولو كانت تظم 99,9 بالمائة من الديانة س أو ص فذلك قد يضر بمواطن واحد وهذا مرفوض في الفقه الانساني وحتى بجوهر الاديان ذاتها..فكيف بالدولة اذا قالت انها مسلمة وفيها مليوني مسيحي وصابئي وايزيدي ؟؟بل وكيف بالدولة اذا قالت ((جمهورية اسلامية تدين بالمذهب الاثنى عشري الى الابد)) ولا يجيز الدستور حتى اقتراح تعديل هذه المادة .
خلال النصف الاول من الثمانينات عينت آمرا لكتيبة مدرعات ابن العاص شمال كركوك ,التقيت بالمنتسبين الذين هم من كل انواع الطيف العراقي الجميل كون كركوك تمثل الموضوع بشكل متميز .. قلت لهم اعرف انكم قلقون عن ماهية الآمر الجديد وأخرجت هوية الاحوال المدنية من جيبي وسألتهم عن معناها ..وسألتهم بعد التوضيح : هل هناك من لا يملك هذه الوثيقة ؟؟ اردفت …عليه كلنا نتمتع بنفس الحقوق وعلينا الواجبات نفسها ..هكذا ساتعامل معكم على وفق مفهوم المواطنة الحقة وهو انني عراقي (فقط) وانتم كذلك (فقط) وبأشهر معدودات انخفضت نسبة الهروب في الكتيبة بشكا غير مسبوق وارتقى مستواها ..وسيرتقي العراق فقط ان تعاملت الدولة مع مواطنيها بهذه الطريقة ..
للتوضيح اكثر اذكر اني اشرفت على بحث عن القضية الكردية في العام 2000 وكنا نقارن التجربة العراقية بالتجارب الاقليمية وكان رئيس لجنة المناقشة العراقي الكردي العظيم كمال مظهر احمد فقال ((لماذا تقارنون بتجارب فاشلة ..لما لا تقارنون بالتجربة السويسرية مثلا ..ذلك البلد الذي مواطنوه الرئيسيين هم المان وايطاليين ..والمانيا وايطاليا اكلتا بعضهما في الحرب العالمية وحاولتا استمالة مواطنيها في سويسرا لجانبهما وجاء الجواب القاطع اننا لسنا المان ولا ايطاليين اننا ابناء الوطن السويسري الغالي ولا نستبدله بقومياتنا على الاطلاق ..
كرد العراق لماذا يبحثون عن الاستقلال ؟؟دروز الجولان لماذا هم سعداء؟؟ البعض من اهالي نينوى لماذ يستقبل فكرة الانتماء الى تركيا بارتياح؟؟  سوريو الاسكندرونة لماذا سكتوا على تبعيتهم لتركيا؟؟ العراقيون لماذا تركوا بلدهم ذو الاحزاب الاسلامية (السمحاء) هل طلبا للامان ولديهم مائة ميليشيا (تحميهم وتحقق لهم الاستقرار)  وذهبوا الى الغرب (الكافر)… الجواب هو ان الانسان يبحث عن الافضل , منذ بدء النزوح الانساني نحو الارض الطيبة والماء والكلأ وهذا ماتفعله حتى الاسماك والطيور التي تحب اعشاشها كما يحب البشر اوطانهم ..الكرد لن يطالبوا بالاستقلال لو كان هناك دولة ديمقراطية في العراق تظمن لهم خصوصيتهم وحقوقهم القومية ..وكل من ذكرتهم في اعلاه كانوا سيتمسكون بالوطن ..عليه يمكن القول ان الوطن لن يكون مقدسا ان لم يكن وطنا للجميع ويعمل على اساس (المواطنة) فقط لا غير وهذه الكلمة البسيطة الغائبة تحتاج الى ان نؤمن بها تماما نحن كوطنيون قبل ان نحاول فرضها على الحكومة وستقاتلها الحكومة لسبب واحد بسيط لأن قتلها واستبدال الانتماءات الثانوية بدلها كالمذهب وغيره هو الذي جاء بهم جميعا وبغيابه يغيبون بعد ان يغيب المال المذهبي والدول المذهبية الداعمة والتبعية لها وسيكتسح المدنيون الوطنيون صناديق الاقتراع وترفع صور الاجانب من العراق ويعود العراق عراقيا لاهله جميعا (دون تمييز) كما ينص دستورنا الاقصائي .وتعود المعابد للمصلين وليس للعهر السياسي
المختصر يقول ان علينا لنكون (وطنيون) ان نضع كل انتماءاتنا الثانوية على الرف في هذه المرحلة الاكثر حراجة في تأريخ العراق ونتعامل مع عراقيتنا وانسانيتنا …وتبا للطائفية القذرة عدوة الوطنية اللدود