23 ديسمبر، 2024 10:10 ص

كيف تكتشِفُ الهوية الحقيقية ؟

كيف تكتشِفُ الهوية الحقيقية ؟

-1-
قلَّ أنْ تلتقي بانسان لايُطنب في تعداد صفاته، وتبيان ملكاته، والتحدث عن قدراتهِ …

ولا ندري هل انَّ ذلك كلّه ناتجٌ عن الحب المفرط للذات ، أم أنّه ممزوج بعناصر اخرى ، قد يكون منها (جنون العظمة) ..!!

وعلى اية حال :

فالاعجاب بالنفس يَمنعُ من الارتقاء الى الحالات الأخلاقية الرفيعة ، ويُعرّضُ صاحَبه كثيراً الى موارد النقد والمواخذة …

-2-

إن السلطة ، والثورة الماليّة، قد يدفعان ذوي الإحساس بالدونية والنقص، الى ألوان من الممارسات التي لا يُقرّها عُرفٌ ولا دين ، فضلاً عن ارتطامها بالخطوط الحمراء أخلاقيا وانسانياً واجتماعياً وحضارياً وقانونياً …

-3-

والسؤال الآن :

كيف يمكن لنا ان نتعرف على الهوية الحقيقية لمن تُناط بهم المناصب المهمة ، والتي يُمكن لهم من خلالها ايقاع الأذى بالآخرين ؟

انّ ايقاع الأذى ، واجتراح العدوان على الناس، تتعدد أشكالُهما ، وتتنوع ضروبُهما حتى تصل الى سفك الدماء ، وقتل الابرياء والاعتقالات الجزافية والتلذذ بما يكابده المظلومون من ألوان العناء …

وهذه الحالة بالذات ، حالة التنمر والقسوة والبطش والاستهتار بالدماء والحرمات، هي سمة الطغاة والجبابرة عبر الاعصار والاقطار …

-4-

ويُضاف الى تلك الحالة، الموغلة في التوحش وانطفاء أنوار الضمير ، حالة التعمد والاصرار على مقابلة الاحسان بالاساءة ، لأنها النذالة بعينها

ومن هنا قيل :

{ اتق شرَّ مَنْ أحسنتَ اليه }

-5-

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك :

ما نقله لنا التاريخ عن الحجاج بن يوسف الثقفي .

لقد كان الحجاج أولَ أمْرِه في شرطة ” روح بن زنباع ” وزير عبد الملك بن مروان ،

( وكان عسكر عبد الملك لايرحل برحيله ، ولا ينزل بنزوله )

ومعنى ذلك :

ان (روح بن زنباع) لم يكن حازما في تدبير الامور ، وتسييرها بالنحو الذي يريده السلطان .

وحين شكا (عبد الملك ) ذلك لروح بن زنباع ، قال هل :

” في شرطتي رجل يقال له الحجاج بن يوسف ،

لو ولاّه امير المؤمنين أمر العسكر ، لأرحل الناس برحيل أمير المؤمنين وانزلهم بنزوله “

وبناء على هذا الترشيح من قبل ” روح بن زنباع ” (ت 84 هجرية)

أصدر السلطان أوامره بتعيين الحجاج آمراً لعسكره .

وهذه يُدٌ (لروح بن زنباع) كان على (الحجاج) ان يحفظها له، ولكنّه – ولخبث ذاته ، وسوء طويته – لم يكتف بعدم حفظ اليد ، بل قابلها

بالاساءة والعدوان فدّلنا على هويته الحقيقية التي دعت بعض الفقهاء لتكفيره .

قال الدميري :

( رأيت على حاشية تاريخ ابن خلكان بخط بعض المشايخ ان بعض العلماء كفرّه …) الدميري /ج1/247

-6-

ورحل (عبد الملك) يوما ورحل الناس ،

وتأخر أصحاب روح بن زنباع عن الرحيل ،

فمّر عليهم الحجاج وهم يأكلون فقال لهم :

ما بالكم لم ترحلوا مع العسكر ؟

فقالوا له :

انزل ، وتغد ، ودع عنك هذا الكلام يا ابن اللخناء

فقال :

هيهات ذهب ما هناك ،

ثم أمر بهم فضربت أعناقُهم ،

وعرقبت خيولهم ،

وأحرقت فساطيطهم ،

فبلغ ذلك (روحا) فدخل على عبد الملك وقال :

انظر ماذا جرى عليّ اليوم من الحجاج !

فقال :

وما ذاك ؟

قال :

قتل غلماني ،

وعرقب خيلي ،

وأحرق فساطيطي .

فأمر (عبد الملك) باحضار الحجاج ،

فلما حضر قال له عبد الملك :

ويلك ماذا فعلت اليوم مع سيدك روح بن زنباع ؟

فقال له :

{ ” يا امير المؤمنين :

إنّ يدي يدُك ،

وسَوْطي سَوطُكَ ،

وما على امير المؤمنين أنْ يخلف (لروح) عوض الغلام غلاميْن ، والفرس فرسيْن ، والفسطاط فسطاطيْن ،

ولا يكسرني في العسكر ،

فقال له :

أفعلُ

فتم للحجاج مايريد ، وقوي من ذلك اليوم أمرُه ، وعظم شَرُّه }

اننا من خلال هذه الحادثة نكتشف هوية (عبد الملك) أيضا، الذي غض النظر عن الدماء المراقه ظلما وعدوانا، واستجاب للظلوم الغشوم في مادعاه اليه ، تقويةً لسلطانه …

ولو لم يكن (الحجاج) قد اكتشف الهوية الحقيقية (لعبد الملك) لما أقدم على جريمته ..!!

-7-

ان الدموية والهمجية هما الطريق الطبيعي للتقدم في ظلّ حكم الطغاة .

ومن هنا كان الدكتاتور المقبور يسند المهام الكبرى لورثة الحجاج وطلاب مدرسته …

-8-

وكنا نحسب ان سقوط الصنم، سينهي كل الجرائم والمظالم في العراق .

ولكننا للأسف :

شهدنا في ظل الحكومة السابقة (2006-2014) من المظالم والمفارقات ما جعلنا نراجع حساباتنا كلها .

اننا ندعو – وبكل اصرار – للمحاسبة على الأخطاء، والمعاقبة على الخطايا .

ولا ينبغي التردد لحظة واحدة في احالة الظالمين والمفسدين للقضاء مهما كانت مناصبهم وصفاتهم …

فليست هناك حصانة لأحد على حساب الحق والشعب والوطن .

*[email protected]