15 نوفمبر، 2024 5:54 م
Search
Close this search box.

كيف تكتب خاطرة سياسية ؟

كيف تكتب خاطرة سياسية ؟

تبقى كلمة يا زمان الوصل في الاندلس تنطبق اليوم كثيرا على الهاجس العراقي . واقصد هاجس الثقافة حصريا . فالكتابة بطقوسها تتعلق بالأمكنة والازمنة كشرط مهم لولادتها .
اليوم الزمان باقٍ ولكن المكان مختلفٍ بمسببات ما يحدث ، وعليه فان أي رغبة للتدوين عند مثقف أو مبدع ركب سفينة ستينيات عمره او خمسينياتها لابد ان تعود به ( فلاش باك ) الى طقوس الكتابة في الامس البعيد واجملها ستينيات القرن الماضي ، زمن (سارتر ، وجيفارا ، وعبد الناصر ، السياب والبياتي والجواهري ومشيما وصديقة الملاية وحضيري ابو عزير وليل البنفسج ) واشياء كُثر تتعلق بأهداب الذكريات من مقاه الميدان وحسن عجمي وحتى امكنة المرح الليلي على شاطئ ابو النؤاس وحدائق الاتحاد التي غاب اليوم فيها عطر عربدة الثقافة لتتناول همك وانتَ ساهٍ وموقت ساعتك على لحظة منع التجول .

احزن وانا هنا اتخيل حال صديقي المبدع العراقي وهو يتحسر على لحظة مناسبة ليدفع فيها شجن الكتابة على الورق . اتألم وانا هنا في طنجة ارى مثقفا يعصر نفسه قدام البحر والساحل الايوني وعطر الامكنة الساحرة ولا يستطيع ان ينتج نصا بمزاج وجمالية ذلك النص الذي تفخخه ثقافات العنف ويمنع من ان يقضي ليلته مع صحبة الحديقة والنادل وشاي المقهى .يُمنع ان يتصفح عطر الكتاب في ظهيرة جمعة بشارع المتنبي ، يُمنع بسبب انعدام الكهرباء ان يسمع فيروز في صباحات تألق النص لديه ، فيعود اليه استذكار ما كان ايام زمان كقول احدهم : تداهمني القصيدة وانا احدق بعيون انثى تفترش اجنحة الطواويس على ارصفة الكرادة فاضطر لأكتب القصيدة على علبة سكائر ( غازي ) ..

الان القصيدة تكتب على علبة الديناميت وبطاقة التموين التي فقدت ثلاثة ارباع موادها الغذائية ، واخبار العنف ، وشجار المناصب والسياسيين  ، وصمت المؤسسة الثقافية التي غاب فيها المحفز للذاكرة الابداعية وهي ( اي وزارة الثقافة ) التي هي في كل الدنيا وزارة لتنشيط العقل الحالم كما وصفها اندريه مالرو يوم عينه ديغول في جموريته الاولى وزيرا للثقافة .

وبالرغم هذا ، الحلم العراقي حلم عجيب في صناعة مهارة الكلام ، فثمة شيء سيقال ، وحتما هو قول فيه مرارة إزاء متغير اردناه جنائن معلقة لأحلامنا التي جلعت بطاقات التموين وربايا الحروب وسائدا لها .

والان مع البطاقات صارت السيارات المفخخة وسائد اخرى في وقفة تاريخية لها مشهد لم تتصوره اي مخيلة لعراقي قبل ان تحدث هذه الفوضى ( فوضى ان تموت بالجمع والكم وترمى الرؤوس على دجلة كما تيمورلنك وهو يلعب البليارد على موج دجلة في دخوله القاسي لبغداد )

لا أريد ان اقول إن زمن الخواطر ذهب . انا هنا قدام البحر اريد ان اصدر وصفة لكتابة خاطرة لأولئك الذين يحتضنون صباح بغداد الحائرة والمستغربة والمذهولة .اريد ان اعيد نكهة شاي الستينيات وبراءة الستينيات واحلام الستينيات .

كيف ؟

 طبعا بالأمنية فقط ، فأنا لست البنتاغون حتى امتلك القدرة على تغيير المشهد . ولو كنت امتلك القدرة لأعطيت روحي ثمنا لأجل لحظة صفاء من اجل مثقف عراقي ، لكن الامر كما اراه خارج سلطة النص ليغير ما يحدث ، وبالرغم من هذا علينا ان نمسك ضوء الامل والبيت الرائع لجرير:

اعلل النفس بالآمال ارقبها      ما اضيق العيش لو فسحة الامل .

أحدث المقالات

أحدث المقالات