عتاب الاهل.
لم يُخفي الكورد فى اى مرحلة من مراحل تاريخ تواجدهم ضمن الدولة العراقية شغفهم وإرادتهم للاستقلال وانشاء دولة قومية خاصة بهم على مناطقهم الجغرافية الطبيعية، والجميع متفق على ذلك وبدون استثناء على الصعيدين الشعبى الجماهرى و السياسى النخبوى،وإن بدى فى بعض الاوقات أن هناك خلافات على هذا الطرح في الداخل الكوردى ما هى إلا خلافاتُ على الرتوش وليس على اصل اًلمسألة، وان كانت هذه الرغبة تتوارى احيانا وتظهر احيانا أُخرى وبدرجاتٍ متفاوتة من القوة والالحاح تعتمد على درجة تفهم الدولة لحقوقهم فنرى أن هذا المطلب كاد أن يختفى بعد العام الالفين وثلاثة إذ احس الكورد متوهمين بقدر ضئيل من الأمان وأعتقدوا مخطئين الحدس أن حقوقهم الثقافية والتاريخية مصانة لحد ما و أن زمن مصادرةِ حقوقهم الطبيعية فى المواطنة قد ولى وانهم شركاءَ فى الوطن.
إذا بهم يواجهون أسوأ مخاوفهم عندما تبين لهم بمرور الزمن والأيام وإحتكاكهم اليومي مع أولئك السياسيين الذين كانوا يوماً ما اصدقاءهم بل وحتى أن معظمهم كانوا يعيشون فى كنفهم وعلى اراضيهم حين ضاق بهم الدنيا بما رحبت وضاقت بهم الحال والمجال ولم يلمهم ملموم ولم تحميهم حامي من جور نظامٍ دموي لم يكن يرحمهم بالرغم من انه من بنى جلدتهم .
الكورد حموهم وآووهم و اكرموا مثواهم وبعد كل هذا وعلى عكس المتوقع منهم شاهد الكورد ولامسوا أن اصدقاءهم عندما يتعلق الأمر بقول كلمةِ حق فإن كثيراً منهم يتملصون وينكرون هذا الحق، والادهى يعادون، هذه الاسباب واسباب أخرى سيلى ذكرها فى سياق هذا المقال, زادت رغبتهم بل وأشتعلت للانفصال.
ورغبة الكورد فى الإستقلال لم تكن خافيةً على مكونات الدولة العراقية الاخرى والحكومات المتعاقبة فقد كان يعرفها الجميع و تفاعلوا معها بمختلف الطرق وهذا التفاعل كان متفاوتاً فى حدته بين الاونة والاخرى ،حتى إنها بلغت فى حدتها فى مراتٍ عديدة حد الاقتال و التنكيل والمجازر الوحشية.
فكلما أظهرَ الكورد هذهِ الرغبة وابدوهوا للعلن كان يقابل بردٍ عنيف و غير مبررخصوصاً من قبل الحكومات المتتالية على سدةِ حكمِ هذا البلد حتى اصبح هذا الرد للفعل العنيف اًلسمة الغالبة للعلاقة بين الشعب الكوردى والسلطة فى معظم الاحيان الا ماندر و حتى هذة الندرة لايعزى الى تفهم عقلاني لهذهِ المعضلة الابدية من قِبل الماسك بزمام لسلطة فى بغداد وانما يعزى الى ضعف حاله كائناً من كان فى ذلك الحين .
وهذا الشد والجذب اللامعقول المدمر يرجع بجذوره الى نشأة هذهِ الدولة وحتى قبلها، ولم يكلف احد المعنيين بهذا الشأن خاطرهُ ويبحث عن إجابة للسؤال الجوهرى والمركزى المتعلق تعلقاً صميماً بكل هذهِ المأسي التي نتجت عن صراع الرغبات المتضادة تلك، وهذا السوأل ببساطة هو لماذا يريد الكورد الانفصال؟.
وللاجابة على هذا السوأل البسيطْ فى ظاهره المعقد والمتفرع فى باطنه، يجب أولاً أن نسأل هل الكورد قوم او مكون يحبذون العيش منعزلين او قوميون متعصبون للقومية بشكل يجعلهم غير قادرين على التكيف مع الأخرين؟ .
التعامل اليومى والتعايش على المستوى الشعبى يجيب على هذا التساؤل المشروع و تظهر عكس المطروح تماماً ولو وجهت هذا الاستفسار لأى فردٍ من أى مكون من المكونات الاخرى من الذين تعاملوا يوماَ مع الكورد فسوف ينفى عن الكرد تهمة الانعزالِ والشوفينية .
اذا اين تكمن المشكلة؟
الذى يريد ان يتبين حقيةََ هذة المعضلة عليه اولاَ ان يعطى نفسه مجالاَ ويبتعد بالقدر المناسب عن جميع اطراف الصراع وإذا كان هو نفسه من أطرافه فلابد من أن يتجرد ولو للحظات و يقيم أداء اًلجميع على حدٍ سواء وبدون تحيز او تعصب لجهةٍ من الجهات فالتعصب برأى المتواضع احد أسباب بقاء هذه المشكلة بدون حل لحد الان .
ولنفعل الذى اقترحناه يجب ان نأخذ مايحدث فى هذه الاونة من مطالبات الكرد الملحة بإجراء استفتاء فى كوردستان ومن ثم الإنفصال وأيضا رد فعل الحكومة الرسمى وأطراف العملية السياسية بالفحص والتمحيص .
اولاً مطالبات الكورد فإن هذهِ المطالبات لم تأتى من فراغ كما تطرقنا لبعض منها فى المقدمةِ بل ناتج حتمى لما عاناه الكورد من تهميش لدورهم وخمط لحقوقهم وعدم الإعتراف بها هي من ضمن هذه الاسباب وليس كلها، ولكى لايفهم كلامى بشكل او باخر خطئاً فما أقصده بكلمة حقوق هو حقوق المواطن الكوردى كمواطن والذى أجزم وبشكل لايختلف عليه عاقلان إن لكل مواطنٍ حقوقاَ على دولتهِ اياً كانت قوميته او عرقه، ولست أقصد بها الأحزاب السياسية الكوردية الذين قد أتفق مع بعض الذين يقولون وحتى حين إتفاقي معهم لا أكون منكرا لحق الطبيعى للشعب الكوردى أو اى شعب أخر فى تقرير المصير، أتفق معهم، حين يقولون أن بعضاً من الأحزاب السياسية الكوردية وقياديهم هم من أججوا هذه المطالبات فى هذا الوقت ويغذونها لمصلحتهم وذلك لكى يغطوا بها فسادهم المستشرى الذى ( هو إبتلاء كل العراقين) و يبررون بهذا الطالبات تمسكهم اللاقانونى بمناصبهم وأن هذه المعركة ليست معركة حقوق القومية او الوطنية للشعب الكوردى بقدر ماهي الا تصفية لحسابات و تخليص لعداواتِ مع نظراهم الفاسدين من الأطراف الأخرى، واصحاب هذا الطرح لايخشون وكذلك شخصنا المتواضع من تسميتهم و هم وبكل وضوح الحزب وهولاء همال الحزب الديمقراطى الكوردستانى و قيايديهم واطراف اخرى متحالفة معهم ويدور فى فلكهم المستولين على الحكم كما هو الحال فى مجمل العملية السياسية فى العراق.
نعم لكن والحالة هذه لنا أن نتعجب ونسأل كيف يتأتى لهذه القوى أن تفعل ماتريد مع مايقال وجزء كبير من مايقال صحيح أن هدفها الوحيد محظ مصلحتها، أقول يقينا مع كل ذلك أن لها كل الأعذار والتبرير لتسوقها وتدعم بها موقفها،ولديها مبررات الأقناع (من قطع غير مببر لرواتب الموظفين فى إقليم كوردستان والتخلى عن المواطنين فى أحلك الأيام ليواجهوا مصيرهم وحدهم والكثير الكثير الذى يمكن أن يطول ذكره، )وهنا يأتى دور تقيم مواقف الأطراف الأخرى وخصوصا الحكومة بشكل رسمي، فما فعلوه عن قصد أو عن غير قصد حقيقةً كان غباء،
إذاً فالنسأل كيف تعاملوا مع هذا الوضع، هل واجهوه بالمنطق أو كيف ؟ المؤسف ببساطة شديدة لا لم يفعلوا بل العكس فبدل أن يجابهوه بصدر رحب متفهم و بشكلٍ يَشعر المواطن الكوردى بالأمان والأهمية ويفوتوا الفرصة على من يريد التلاعب بهذهِ القضية الحساسة، واجهوه بالوعيد والتهديد وكانوا مصدر إستفزاز وتنفير بدلاَ من ان يكونوا مصدر إستقطاب.في حين كل ماكان عليهم فعله هو إبداء مشاعر ود ومسئولية التى كان الشعب الكوردى ينتظرها منهم.
وعلى المستوى الشعبى وللأسف ولاننا شعبُ لم نتعظ مما فعله السياسيون بنا ويبدوا إننا لن نفعل فى المستقبل المنظور الحال، لم يكن احسن، فقد جوبه هذا الطلب الطبيعى بالغضب والوعيد ايضاً وففى احسن الأحوال جوبه بصمت مطبق.وهذهِ كلها فاقم الوضع ولم يداويه.
ولكى نبين التصرف النموذجى الذى كان برأى يجب أن يَعمل وكان من الممكن بها حل هذه المشكلة من الجذور ولكى لايكون الكلام مجرد كلام بغير دليل وكما هى العادة لنا فى الدول المتقدمة فى مجال حقوق الإنسان الإسوة الحسنة بغير عظة وإستفادة، نورد عدداَ من الحالات المشابهة وكيفية تعاملهم معها في بعض الدول المتقدمة ونذكر ذلك لا للمقارنة لأنه ليس هناك مجال لأية مقارنة بيننا لبعد الهوة بيننا وبينهم وإنما للمعرفة فقط.
فعندا اراد الكوبيك الإنفصال عن كندا خرجت مظاهرات شعبية عارمة فى كل أرجاء كندا حاملين لافتاتٍ مكتوبَ عليها (لاتتركونا فنحن شعبَ واحد ونحن نحبكم فلا تحرمونا منكم) وكذلك عندما أراد الاسكوتلندين الإنفصال عن بريطانيا إستماتت الحكومة البريطانية فى اقناع الشعب الاسكوتلندى بعدم التصويت لصالح الإنفصال.وكان للإثنين ما أرادوا ولم ينفصل الشعبين .
إذا و كما هى الحال فى العالم المتمدن اظن ان الأوان قد حان للتعامل مع مشاكلنا بتحكيم العقل بدلاَ من التعصب الأعمى و أن نغلب لغة الود والتفاهم والحوار على لغة الحرب والدمار والإنتصارات الزائفة وأن نتقبل احدنا الأخر والا ستكون العواقب أوخم مما رأينا سابقا والذى لانتمناه وندعوا ان يتغلب العقل على الهمجية.