تاريخياً كانت الخيانة والأذى تتمثل بالتواصل مع العدو واعطاءه الاسرار العسكرية بالدرجة الاولى وكذلك الاسرار الاقتصادية واسرار الوضع الاجتماعي .
في العصر الحديث لم تعد هناك حاجة كبيرة لمثل تلك الاشكال من الخيانة بعد ان اصبح الكثير من الامور متاحاً ويمكن الوصول اليه بدون ضرورة لوجود جاسوس تقليدي.
لذلك ظهرت اشكال جديدة من الخيانة والعمالة والتدمير وإلحاق الأذى على مدى طويل ، بل ربما لايمكن اصلاحه ابداً!!
خائن أو مأجور يروّج لثقافة مؤذية او يبث معلومات خاطئة وتشوّش الناس. أو يقدم تفسيرات للأحداث يدّعي انه حصل عليها بطرقه الخاصة الخ …
قائد او مدير يتعمّد اتخاذ قرارات ضارة على المدى القصير والبعيد لايمكن ازالة آثارها احياناً أبداً…
الذي دفعني الى البدء بهذه المقدمة هو ماتعيشه مدينة بغداد منذ سنوات تسبق العام ٢٠٠٣ ولغاية الوقت الحاضر، من سوء خدمات لاسيما تردي خدمات النظافة والبنية التحتية الرديئة لاسيما الطرق. اضافة لرداءة او غياب شبكات الماء الصالح للشرب والكهرباء وشبكات الصرف الصحي .. غياب او تخلف مرافق حيوية كالمتنزهات ( بعضها تحوّل الى مزابل وبعضها تم تحويله الى اراضٍ سكنية)..
في الثمانينيات ولغاية الغاء وزارة التخطيط مطلع التسعينيات، كان لدى وزارة التخطيط تقليد يدعى ندوة الاربعاء . حيث تُناقش في كل ندوة دراسة حول موضوع من مواضيع الاقتصاد والمال والبيئة والتخطيط العمراني الخ …وبحضور عدد من ممثلي الوزارات بما فيهم بعض الوزراء احياناً..
في احدى تلك الدراسات طرحت قضية التوسّع الافقي السريع جداً لمدينة بغداد من خلال تحويل المناطق الزراعية المحيطة بها الى اراضي سكنية وتوزيعها على فئات مختلفة بأوامر عليا !!
نوقش موضوع كلفة تقديم الخدمات المختلفة لتلك المدينة الشاسعة التي اصبحت واحدة من اكبر المدن مساحة.
قالوا صراحةً ان ضمان تقديم خدمات مقبولة لهذه المساحة سوف يحتاج الى ميزانية ضخمة تعجز الدولة عن تقديمها حتماً قياساً بامكانات الدولة المعروفة ..سوف تحتاج الى جيش من عمال النظافة واساطيل من السيارات التخصصية والآليات والى مشاريع ضخمة لمد الشبكات المطلوبة لايصال الخدمات..
وحتى لو تم مد الشبكات والطرق ، فأنها تحتاج الى صيانة وتصليحات لاتتوقف ، وتكلّف الكثير..( كلفة صيانة الطريق العادي تبلغ ٥٪ سنوياً من كلفة انشائه وكلفة الصيانة السنوية للطريق المؤثث بشكل متقدم تبلغ ١٠٪ من كلفة انشائه).
الآن اصبحت احياء بغداد الكثيرة واقعاً لايمكن تغييره حيث لايمكن هدمها وازالتها لاعادة هندسة بغداد ..
في نفس الوقت ، ومع الصعوبات المالية التي تواجهها الحكومة الآن وفي المستقبل ( بناءً على كل المعطيات)،
سوف لن يرتفع مستوى الخدمات ابداً.
احياء بائسة تغرق في النفايات وبدون مجاري وبدون شبكات تصريف لمياه الصرف الصحي ومياه الامطار ومع شوارع لا ادري ان كنتُ قادراً على اعتبارها مبلطة مع ان فيها بقايا بقع مبلطة بالاسفلت في ازمان قديمة..مليئة بحفر ومطبات شخصية صنعها البعض بقرار شخصي .. ارصفتها لايمكن السير عليها الخ….
لم نكن نَجرأ على القول علناً ان ذلك هو عمل تخريبي يهدف الى جعل التخلف ظاهرة ازلية في العراق !!!
انه يشبه تعيين الملايين بدون ضرورة في اجهزة الدولة وتصبح رواتبهم التزامات حتمية على الدولة تدبيرها حتى لو اقترضت من الخارج والداخل..
ما الذي يتبقى لكي يتم انفاقه على الحاجات التنموية الحقيقية لاسيما الاستثمار المُنتِج في مختلف القطاعات؟؟
اليست تلك واحدة من اكبر الاعمال تدميراً التي حصلت في العراق عموما وفي بغداد تحديداً؟
الذي كان يحصل على قطعة ارض كان يرقص من الفرح دون ان يدري اي مستقبل بائس ينتظره !!
بعد العام ٢٠٠٣ وفي زمن الحرية ، ظهرت العشوائيات التي قضت تماماً على اي أمل بتحسين اوضاع المدينة..