قد يبدو مصطلح (صناعة العدو) مألوفا لدى قراء السياسة، فهو مصطلح شائع في العرف السياسي، دخل قاموس السياسة منذ ما يقرب من خمسة عقود، وهو أن تصنع عدوك بنفسك عوضاً عن أن يُفرض عليك عدو لا علم لك بقدراته، ولربما هو قراءة سابقة لكتاب الكاتب والسياسي الفرنسي والأستاذ الجامعي (بيير كونيسا) الذي ألف كتبا يحمل عنوان (صناعة العدو) عام 2011م أو (كيف تقتل بضمير مرتاح) كما يطلق عليه البعض، وكتاب (كيف تصنع عدو) للكاتب الكبير المصري (عوض سالم حبيب)، ولكن ما أردت الخوض فيه هنا في هذا المقال بعيد قليلا عن ذاك المصطلح وتلك الكتب، فقد يصادفنا أن يتحول أحد الأصدقاء أو المسالمون لنا إلى أعداء في ليلة وضحاها، من دون أن نعرف الأسباب، ونوجز أسباب هذا التحول في ثلاثة محاور؛ الأول: هو أن هناك تنافس غير شريف أو حسد من أمر ما، وهذا أمر يعود على مرض نفسي علينا الوقاية منه لا أكثر، دون النزول إلى مستوى المريض. والمحور الثاني: هو وجود واشٍ نقل ما ليس له صحة، أو له صحة بهدف إثارة هذا العداء، وهذا يحتاج من الطرف المستلم للوشاية أن يكاشف الطرف الواشي لمعرفة حقيقة الأمر ليتخذ موقفا صحيحا. أما الأمر الثالث وهو أجده من الأهمية بمكان أن يتصدر المحورين السابقين؛ فهو: أنّنا نتصرف من دون أن نشعر أنّنا نخلق لنا أعداءً هنا وهناك، مثلاً: أن نميز جهة على أخرى، وهاتان الجهتان من المفترض أن تكونان بمستوى واحد لدينا. أو نقوم بتهميش إحدى هاتين الجهتين وعدم الاستماع لها بعدّها غير مهمة أو ليست بذات تأثير، كما يحدث في الإعلام عندما يختار مسؤولا قنوات معينة للحديث لها، ويأنف من الحديث إلى قنوات أخرى. الأمر الآخر هو أن تسمع لمطالب فئة معينة وتهمل مطالب فئة أخرى، كأن ينمو عندك شعور الفئوية المناطقية أو الفئوية الانتمائية أو الفئوية ذات المصالح الخاصة، فمن كان من عشيرتي أو منطقتي أهتم لأمره، ومن كان موالياً لي أسمع له وأنفذ مطالبه، ومن كان يصب التقرب إليه في مصلحتي، وما دون ذلك فأنا أهمل السماع والتواصل معهم، وهذا كلّه يخلق عدواً أنت لا تعلم أنّك صنعته، ولكنه صنيعتك في الآخر، والمطلوب هنا أن لا تهمل أحداً أبداً، وأن تراجع مواقفك مع من أصبحوا أعداءك، وأن تتقرب لهم قبل فوات الوقت، لأنّك سوف تسعى بعد أن يتحولوا إلى أعداء وخاصة وقت ما تحتاج إلى أكبر عدد من الذين أن لم يكونوا نصراء لك، فإنّهم من المسالمين لك، وسيكون الثمن وقتها أضعاف ما كنت لو بذلته قبل ذاك الفوات، وصناعة نصير مؤقت قد تكون متأرجحة، وقد ينقلب في أية لحظة ويعود عدوا حال ما تنتهي المصلحة، في حين التواصل وقت عدم الحاجة يصنع لك أنصارا حقيقيين.