18 ديسمبر، 2024 9:39 م

كيف تركوا الدروز خيمة الشيعة وبمن احتموا

كيف تركوا الدروز خيمة الشيعة وبمن احتموا

فى خطوة اعتبرها البعض انقلابًا عقائديًا للطائفة الدرزية، دعا الزعيم الدرزى اللبنانى وليد جنبلاط أبناء طائفته من الدروز إلى ضرورة العودة إلى أصول الدين الإسلامى، وأداء فروضه الخمسة، وصاحب الدعوة رسالة إلى الأزهر الشريف بإيفاد دعاة، لرد الدروز إلى أصول الدين الإسلامى السمحة وعلاج أى انحراف عقائدى.. هذه الدعوة أثارت التساؤلات من جديد حول معتقدات هذه الطائفة وتاريخها الذى يكتنفه الغموض.

تعود الأصول التاريخية للطائفة الدرزية إلى زمن الدولة الفاطمية، التى أسست خلافتها فى المهدية بتونس، قبل أن تبسط نفوذها على بلاد المغرب ومصر فى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، والذى نقل عاصمة خلافته إلى القاهرة عام 362هـ، ليصبح المذهب الشيعى الإسماعيلى هو المذهب الرسمى لدولته، التى اتسعت رقعتها بضم أجزاء من العراق والشام، مستعينًا فى ذلك ببعض دعاته الذين اتخذوا من جبل الدروز مقرًا لانطلاق الدعوة الفاطمية، بعيدًا عن عيون الدولة العباسية، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يمارس الدروز دورًا فى الحياة السياسية داخل الدولة الإسلامية.

غير أن النقلة الحقيقية التى جعلت للطائفة الدرزية مذهبها وعقيدتها المستقلة تعود إلى عصر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى (996-1021)، الذى أرسل أحد دعاته، والمعروف بحمزة بن على الزوزنى، ليترأس الطائفة الإسماعيلية بمنطقة جبل الدروز، غير أن الرجل دعا بألوهية الحاكم بأمر الله، واعتبره ظلًا لله على الأرض، وهو الأمر الذى لم ينكره الحاكم نفسه.

وفى أحد جولاته الليلية، خرج الحاكم بأمر الله من القاهرة قاصدًا مرصده الفلكى بجبل المقطم، وأوصدت أبواب المدينة، إلا أن الحاكم لم يعد، وتضاربت الروايات حول اختفائه ومقتله، ولبثت القاهرة أيامًا بدون خليفة، إلى أن أجمع الفاطميون أمرهم، وقرروا تنصيب الظاهر لإعزاز دين الله خليفة بعد اختفاء أبيه.

لم ترق هذه الخطوة لحمزة بن على، ورفض تنصيب الظاهر، وأدعى أن الحاكم لم يقتل، بل سيعود ليملأ الأرض عدلًا، وأعلن استقلاله عن الدولة، وهو الأمر الذى رفضه الظاهر، وقام بتوجيه الجيوش إلى الدروز دون فائدة، وبدأ حمزة فى وضع الأسس الدينية التى قامت عليها العقيدة الدرزية، حيث وصف اتباعه بـ”الموحدين الدروز”، واعترف الزوزنى بالقرآن، لكنه يفسر معانيه تفسيرًا باطنيًا غير المعاني الواضحة في النص، لذا فقد وضع تفسيره الخاص للقرآن فى كتاب سماه “رسائل الحكمة”، وهو تفسير للقرآن يمنع الإطلاع عليه لأي كان حتى أبناء الطائفة نفسها، عدا شيوخ الطائفة، بيد أن المبادئ التى يتضمنها كتاب “رسائل الحكمة” تنص على 7 وصايا، هى صدق اللسان، حفظ الإخوان، ترك عبادة البهتان، البراءة من الأبالسة والطغيان، الالتزام بتوحيد ورضى المولى، والتسليم بأوامره.

وتبقى “عودة الحاكم” الركيزة الأساسية التى تقوم عليها العقيدة الدرزية، بالإضافة إلى مبدأ “الحلول”، حيث تحل النفوس الموحدة فى أجساد مؤمنة طاهرة إلى أبد الدهر.

ولا يكون الدرزى موحدًا خالصًا حتى يقسم بميثاق ولى الزمان، وهو مدخل ديانة التوحيد لدى الدروز، وعهدهم الأبدي معها، حيث يعترف الدرزى بإمامة حمزة، وبرفض جميع الأديان والمذاهب، ويعتقد الدروز أن هذا الميثاق هو أزلي، وأنه يتقمص مع روح الموحد، حيث يؤمن الدروز بالتقمص، وأنّ من وقع على الميثاق في زمن الكشف بقي موحدًا وموقعًا على الميثاق في جميع أجياله وحيواته اللاحقة.

ويؤمن الدروز برسالة خمسة من الأنبياء ـ على حد زعمهم ـ كان لهم الدور الأول والأساسى في إرساء دعائم العقيدة وانتشارها، ويرمزون لهم بنجمة تسمى “نجمة الحدود” ذات الألوان الخمسة، اللون الأخضر يرمز إلى العقل “حمزة بن على”، واللون الأحمر يرمز إلى النفس “محمد بن حامد التميمى”، واللون الأصفر يرمز إلى الكلمة “محمد بن وهب القرشى”، واللون الأزرق يرمز إلى السابق “سلامة بن عبد الوهاب السامرى”، والرمز الأبيض يرمز إلى نبيهم “بهاء الدين السموقى”.

وظل الدروز طيلة التاريخ معتصمين بجبلهم، إلا أنهم توزعوا بين أرجاء الشام فى سوريا ولبنان وفلسطين، وكان لهم دور بارز فى مقاومة الصليبيين والتتار إلى جانب المسلمين، وقاموا بعدة انتفاضات ضد سلطة الأتراك العثمانيين، وبعد احتلال سوريا من قبل فرنسا، قام الدروز بإشعال فتيل الثورة السورية الكبرى في جبل الدروز، بقيادة سلطان باشا الأطرش عام 1925م، وخاضوا معارك عديدة كبدت الجيش الفرنسي خسائر كبير، كمعركة الكفر، وتل الحديد، والمزرعة، ونقلوا الثورة إلى دمشق وغوطتها وإلى لبنان وجبل الشيخ، ورفضوا تشكيل دولة درزية، وكان لهم الدور الأكبر والأساسي في الاستقلال عن فرنسا، حيث ثاروا على الجيش الفرنسي حتى قضوا على حكومة فيشي بسوريا.

وتضم سوريا التجمع الأكبر للدروز في العالم، حيث يبلغ عددهم 700 ألف نسمة، ومن المدن التي يوجدون فيها السويداء وصلخدا والجولان والمجدل.

وفى لبنان كان للدروز دور بارز في الاستقلال عام 1943م مع الأمير مجيد أرسلان، وشاركوا فى عدة ثورات ضد الحكم، بقيادة كمال جنبلاط مؤسس وقائد الحزب التقدمي الاشتراكي، وأسهموا في الحرب الأهلية اللبنانية من 1975م إلى 1990م، بوصفهم إحدى أقوى الميليشيات في الحرب اللبنانية، تحت لواء الجيش الشعبي بقيادة وليد جنبلاط، وهم اليوم لديهم زعامتان سياسيتان، وهما الأمير طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ولهم عدة مراكز قيادية في المجالس التمثيلية والحكومات.

وبرز على الساحة السياسية والأدبية والفنية العديد من الدروز، مثل سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة ضد الاستعمار الفرنسى، وأبناء أخيه فريد وأسمهان، اللذين يمثلان عصرًا كاملًا من الغناء فى مصر والعالم العربى، وهناك الأمير شكيب أرسلان الأديب والروائى العربى الشهير، وغيرهم من المشاهير.