قد لا يعرف الكثيرون من الناس من هو الطفل الموهوب، وكيف يتم التعامل معه؟ وما هي صفاته؟ وكيف ننمي هذه الصفات ونوجهها على الطريق الصحيح ؟ … وهذا تقصير كبير مجتمعاتنا الشرقية بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة، حيث أننا نملك الكثير من الموهوبين الذين متى ما تم احتضانهم ورعايتهم رعاية صحيحة فأننا سنصل إلى مصافي الدول المتقدمة علميا وثقافيا، إلا أننا وبسبب إهمالنا المتعمد أو غير المتعمد نحطم هذه المواهب ونقبرها في مهدها ونراقب مبهورين بما توصل إليه الغرب، والدليل على ذلك أن كل المبدعين العرب والموهوبين نجدهم متواجدين خارج محيطنا العربي أو خارج بلدانهم في الوقت الذي نتحسر نحن عليهم، لأنهم يجدون الرعاية الخاصة والأيادي المصافحة التي تقدر ما يملكه والأهم أنها تكتشف ما لديه من موهبة .
والطفل الموهوب تستطيع أن تميزه بسهولة لما يمتلكه من صفات خاصة تميزه عن اقرأنه ومنذ طفولته، حيث يتمتع مثلا بلسان فصيح أو قدرة على الحفظ بصورة غير اعتيادية أو يتمتع بمواهب فنية مثل الغناء أو الرسم أو رياضية مثل كرة القدم وغيرها من المواهب . ومتى ما استطعنا تمييز هذه الصفات لدى طفلنا علينا أن نبادر إلى احتضان هذه الموهبة والعمل على صقلها وتوجيهها على الطريق الصحيح وإشعار الطفل بقيمة ما يملكه من موهبة تميزه عن غيره من الأطفال في عمره .
والآن سأضرب لكم مثلين لطفلين تعايشت معهما في إحدى دور الأيتام، فقد تم إحضار طفل إلى إحدى دور الأيتام وهو بسن التاسعة من عمره وكان هذا الطفل يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة لدرجة انه كان يعمل كمترجم مع إحدى المنظمات الإنسانية الأجنبية التي دخلت إلى العراق بعد 2003 ، وللعلم فأنه كان أمي لا يقرا ولا يكتب وهذه هي الموهبة التي نتحدث عنها، إلا إن هذا الطفل بعد أن أودع الدار لم يجد العناية الخاصة التي تؤهله للاستمرار بإبداعه مع أنهم ادخلوه المدرسة إلا أن مستواه بالدراسة كان دون الوسط . وشيئا فشيئا بدأ يفقد قابليته على التحدث باللغة الانكليزية . ومع مرور الوقت أصبح طفلا عاديا ولم يعد يستطيع تذكر اللغة التي فطم عليها، ولو أن إدارة الدار أدخلته مدرسة خاصة وخصصت له أستاذا باللغة الانكليزية يعلمه قواعد اللغة وعرّفت الطفل بقيمة ما يملكه من إمكانية لكان حاله أفضل ومن الممكن أن يكون له شأنا كبيرا في المستقبل .
ومثالنا الأخر هو عكس الأول كونه تلقى الرعاية والعناية اللازمة وكان طفلا بسن السادسة من عمره وكان هذا الطفل من المتفوقين دراسيا من الصف الأول ابتدائي حيث كان يقرأ الصحف ويقرأ ترجمة الأفلام الأجنبية ويمتلك القدرة على حل المسائل الحسابية بطريقة ملفتة للنظر ، وكنت على تواصل مع هذا الطفل . ومن حسن حظه أنه كان بين أيادي متخصصة في علم النفس والاجتماع حيث تم تقييم ما يملكه هذا الطفل من صفات مميزة تجعله من الأطفال الموهوبين الذين يتوقع لهم مستقبل باهر . وبالفعل كان هذا الطفل وهو بالصف الثاني الابتدائي يقوم بتدريس طلاب في الصف الرابع الابتدائي، وهذا بحد ذاته دليل على موهبة طفلنا . وهنا أتى دورنا حيث أول ما قمنا به هو تعريف الطفل بقيمة ما يملكه من موهبة كي نعزز ثقته بنفسه ونزيد من احترامه لذاته وبعد ذلك قمنا بعملية سبر لمعلوماته كي نضعه بالصف الذي يتناسب مع قدراته العقلية ومستواه العلمي . وتفاجأ الجميع وحتى منتسبي التربية عندما وجدوا الطفل يجيب على أسئلة ضمن منهاج الصف السادس الابتدائي وكانوا على استعداد أن يرحلوه ثلاثة مراحل من الثاني إلى الخامس ابتدائي، إلا أننا رفضنا ذلك وارتأينا أن يرحل مرحلتين فقط خوفا عليه من أن يكون عبوره لثلاثة مراحل له تأثيرا سلبيا على قدراته العقلية لذا اتفقنا على مرحلتين فقط . وبعد ذلك ظهر تفوقه الرائع والواضح في مرحلته الجديدة والآن هو في الصف السادس واستمر احتضاننا له، إلا إننا وبلحظة شعرنا بأن مستواه اخذ يتراجع وبدأت علاماته تقل في بعض الدروس وعندها قمنا بمراجعة مدرسته للاستفسار عنه ووجدنا أن بعض أساتذته اقل من المستوى المطلوب والذي يتناسب مع ما يمتلكه طفلنا من ذكاء، وعليه توجب أن نقوم بإجراءات من شأنها أن تحافظ على مستواه وتوقف تراجعه لذا قمنا بنقله إلى مدرسة خاصة يتمتع أساتذتها بمستوى جيد . وهو الآن من أفضل طلاب المدرسة الخاصة، ونسيت أن اذكر لكم باني قد أطلقت عليه لقب العبقري منذ طفولته وعملت على تنمية هذا الشعور(الشعور بالعبقرية) وجعلته يأنس بهذا اللقب .
من ضربنا لهذين المثلين أردنا أن ننبه أسرنا العزيزة إلى أن هذه المواهب أمانة بأعناقهم وعليهم أن يصونوها لأنها إن لم تجد من يرعاها من الممكن أن تنقلب إلى عقدة نفسية تهدد استقرار أطفالنا وهذا ما حصل مع طفلنا الأول وقد تكبر هذه العقدة وتصبح مرضا نفسيا مزمنا لأن كل طاقة تحتاج إلى امتصاص وتفريغ على أن يكون التفريغ في المكان الصحيح والوقت المناسب والطريقة الأمثل وإلا تحولت هذه الطاقة إلى مرض نفسي كما أسلفنا لان هذه الطاقة أشبه ببركان يغلي وعلينا أن ننفسه تدريجيا ولا نجعله يصل إلى حد الانفجار مما يؤدي إلى الإصابة بعقدة نفسية مثل الكآبة أو الانطواء والعزلة وقد تتحول إلى الفصام بأشد حالاتها.
تنويه : يشرّع المستشار النفسي هذا الباب على جميع المشاكل الأسرية التي تخص الطفل بمراحله العمرية والمرأة بكل مستوياته الثقافية والاجتماعية كي يساعد ولو قليلا في زيادة الوعي النفسي لمشاكلها الأسرية، وبذلك سيكون هذا الباب مفتوحا لاستقبال رسائلكم عبر نموذج الإرسال ” راسلنا ” الجهة المستقبلة ( سميراميس ) وسيتم نشر الرسائل ورد المستشار عليها مع محافظتنا التامة على سرية مرسليها .