نشر في صحيفة الدستور في 4 شباط 2015 وجريدة الزوراء في 2 شباط 2015
تعد الديمقراطية احدى ادوات البناء المجتمعي الهامة التي لايمكن لاي مجتمع متحضر الاستغناء عنها ولايوجد لها بديل في عملية تأسيس الهياكل القيادية لاي مفصل من مفاصل الحياة .
ولانها كذلك فانها تحتاج الى مايديم العمل بها من مواد وموارد واساليب اضافة الى مناهج عمل جديدة ملائمة، وهي بحكم الحاجة لها عملية مستمرة لاتتوقف لاي سبب كان وتعمل رديفا للانتخابات العامة الحرة. كما انها تحتاج الى نضج سياسي حقيقي متاصل وتحتاج الى مبادرات ورؤيا ممركزة لتحقق الانتقال السليم والعام نحو الهدف، يساعدها في ذلك تذليل الصعاب والعوائق التي ممكن لها ان تبرز كمعرقلات وتوقف عملية التحول الديمقراطي.
ولما كانت بعض المجتمعات تمتاز بالتنوع والتعددية من حيث التركيب الديني والاجتماعي،فان افضل نظام ممكن له النجاح هو الذي يراعي الخصوصيات وينسجم معها،ويعمل قدر المستطاع ان يلتقي مع المشتركات اعلاه دون ان يلغي شخصيتها وامتيازاتها وهذا مايدفعنا للقول بضرورة ان يكون النظام الديمقراطي هو الحاصل او النتيجة لثمرة التعايش بين هذه المكونات وهذا طبعا يشمل المجتمع العراقي بكافة اطيافه وهو غاية الكتابة هنا.
عند هذا كله يبرز التنافس السياسي السلمي بين مفردات المجتمع على السلطة والشراكة فيها بل واقتسامها على اساس النجاح والانجاح لا التوافق والمحاصصة وبالتالي ضياع الجهد والوقت والمال، الامر الذي يمنح الجميع شعورا عاليا بالراحة والاطمئنان وينمي شعورا وثقة بان لاغبن ولاتهميش بل مشاركة حقيقية فاعلة غير منقوصة بالعملية السياسية الجادة. ان تنوع تركيبة المجتمع العراقي يفرض التعددية في حياته السياسية وهذا في معناه هو الديمقراطية التي ممكن لها ان تكون الاطار العام الذي تتحرك فيه مكونات المجتمع العراقي والتي حددت في ما بينها التزام سياسي يحفظ لكل مكون حريته وارادته في الوطن الواحد وكذلك يحفظ دوره في ادارة شؤون البلد على الاسس الديمقراطية الصحيحة.
ان اقامة مثل هذا النظام يحتاج منا ان نطور تنظيمنا النفسي لنكون بمستوى المسؤولية وان نجعل الانسان الغاية والهدف باحترام قيمه العليا وان نقدر جهده لبناء الوطن وحمايته، وايضا تطوير المؤسسات السياسية التي هدفها رعاية مصالح المواطنين وتكون مسؤولة امامهم وتتقبل السؤال والحساب.
ان الديمقراطية لايمكن لها ان تتقدم في المجتمعاتت الفقيرة والمحرومة فهي تقوى وتتقدم في ظل الرفاه والخير ’لذا يجب التركيز في الجهود على تحسين الوضع الاقتصادي وتحسين مستوى الفرد ومحاربة الفقر والقضاء على التباين الطبقي .
ان وجود مواطنين احرار هو الاساس في ممارسة الديمقراطية لانهم يعملون بدون قيود واعذار فلايوقفهم الاحتلال ولا الفقر ولا الطائفية ولا انعدام الامن، لان تحقيق الديمقراطية ليس بالتمني ولا بالامل غير المقترن بالعمل وانما بالسعي الجاد والعمل المضني وهي ليست قرارا اداريا صدر هنا او هناك او اتخذه حزب او طائفة ما او استبدال حاكم ظالم، بل هي محصلة عوامل ومؤثرات سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية داخلية وخارجية سيصبح لتفاعلها الدور الاكبر والتاثير الاعمق في مستقبل الديمقراطية سلبا او ايجابا.
لذلك تحتاج الديمقراطية معول الهدم لكل ما من شانه اعاقة الممارسة الديمقراطية وبالتالي عودة الدكتاتورية، وتحتاج ايضا آلات بناء مفردات جديدة تعمل لصالح المسار الديمقراطي السليم. ان اهم اساسات الديمقراطية والتي يبنى بعدها كل شيء هو السلام وهذا السلام بدوره هو ناتج عدد من الشروط الواجب توفرها لاستمرار العمل بالمفهوم الديمقراطي واهمها:
1 – ضرورة وجود رفاه اقتصادي وتنمية حقيقية وتوزيع عادل للثروات.
2 – يجب ان يسود القانون لحماية وتطبيق هذه العملية على الجميع وبدون استثناء .
3 – سيادة ثقافة التسامح والاخاء والذوبان في الهوية الوطنية.
4 – الحقوق والواجبات الواضحة والعادلة وتتم اقرارها عبر القنوات والحلقات الرسمية وبطرق قانونية شرعية وتكون مقبولة من الجميع .
5 – حياة سياسية مستقرة يتم فيها التداول السلمي للسلطة بعيدا عن مسلسل الانقلابات والعنف. عندها سيصبح السلام الوطني نتيجة حتمية بسبب وجود مبرراته واسسه السليمة وهذا سيؤدي بدوره الى مزيد من التلاحم والتماسك. لقد عاشت المجتمعات قديما وحديثا تجارب كثيرة مرت بين الشد والجذب وكانت بعضها تمتلك نوعا من الديمقراطية المبتورة والتي ينقصها شرطا من الشروط الواجب توفرها في نجاحها لذلك كان الفشل مرادفا لها وسرعان ماسقطت في ذاكرة النسيان، لذا لابد من الانتباه الى هذه التجارب الغنية بدروسها والمليئة بالفائدة والاستفادة منها بالقدر المتاح الذي ممكن له ان يشارك في تقوية مفهوم الدولة الديمقراطية الحقيقية وبالتالي ممكن ان يكون عاملا مساعدا في تقوية التجربة وزيادة التماسك واللحمة المطلوبة لمجتمعنا، من هنا اقو ل ان الاساس في بناء كل شيء هو تهيئة الظروف الملائمة له والعمل على تقويتها وبالتالي قطف ثمار النجاح والسير عليها. وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا