23 ديسمبر، 2024 12:30 م

كيف تحول حيدر العبادي الى زعيم شعبي خلال ايام قبل تنازل نوري المالكي ؟

كيف تحول حيدر العبادي الى زعيم شعبي خلال ايام قبل تنازل نوري المالكي ؟

منذ سنة 2003 ولحد تكليف السيد حيدر العبادي لتشكيل مجلس الوزراء , لم يعرف الكثير عنه سوى انه قياديا في حزب الدعوة وعضوا في دولة القانون ورئيس اللجنة المالية في مجلس النواب , وفي الدورة الحالية تم انتخابه بمنصب النائب الاول لمجلس النواب , وقد استغرب البعض حين عرضت سيرته الذاتية مؤخرا وعرفوا بانه يحمل شهادتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة من بريطانيا والجامعات البريطانية لاتعطي سوى شهادات حقيقية في اغلب الاحيان , ووجه الاستغراب تتعلق باسباب رئاسته اللجنة المالية في الدورة السابقة واختصاصه هندسي رغم وجود العديد من النواب في الدورة السابقة من حملة الشهادات العليا والخبرات الطويلة في العلوم المالية والمحاسبية والاقتصاد وادارة الاعمال , ولكن لهذا الاستغراب ستكون له منفعة لان رئاسته تلك اللجنة اكسبته خبرات سيتمكن من استثمارها في موقعه القادم .
وحسب مااتذكر فان الدكتور العبادي كان يقف الى جانب سياسات المالكي عند ظهوره في الفضائيات ولم ارصد حالة واحدة ضد سياساته وتوجهاته سواء ما يتعلق بالموازنة او طريقة ادارة البلاد والعباد كما لم نشهد له تصريحات نارية من الاحداث السياسية وغيرها خلال تلك السنوات , ومنذ تكليفه رئيسا لمجلس الوزراء من قبل الدكتور فؤاد معصوم رئيس الجمهورية الحالي لم تظهر له تصريحات او لقاءات للكشف عن برنامجه الحكومي وطريقته في تشكيل مجلس الوزراء وتوزيع الحقائب الوزارية وعددها او اية امور اخرى , كما لم يفصح عن خططه في مواجهة الاخطار التي يتعرض لها العراق لانه سيتحول لمهمة القائد العام للقوات المسلحة بحكم الدستور, كما انه لم يصرح بعد بخصوص تنازله عن الجنسية البريطانية التي يحملها التي يتساءل البعض بخصوصها اليوم .

ورغم كل ذاك فقد انشغلت معظم وسائل الاعلام واحاديث ( الكيا ) والشارع العراقي وغير العراقي بشان ترشيحه , اذ حظي بتاييد كردي وسني واغلب الاطياف العراقية الجميلة ناهيك عن تاييد الاغلبية الشيعية في مجلس النواب الى جانب التاييد الاقليمي الذي شمل جميع دول الجوار والاهتمام المقرون بالتاييد الدولي , الذي استهلته الولايات المتحدة من خلال كيري واوباما وقادة دول الاتحاد الاوربي وقد شمل التاييد الاصدقاء والاعداء كافة ولم يعارضه سوى السيد نوري المالكي والمصطفين معه من كتلته وبعض تنظيمات حزب الدعوة التي شوهدت احتجاجاتها في ساحة الفردوس في بغداد , وهذه المظاهر ستنتهي بموجب الاتفاقات الحاصلة بخصوص الموضوع , واعربت روسيا عن انتقادها لموقف الامم المتحدة لتاييد ترشيح العبادي الا انها لم تعرض موقفها من موضوع الترشيح بعد .

وقبل ثلاثة ايام بدات التصريحات الاعلامية تخرج باسم العبادي لتعلن عن انطلاق التحركات والمشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة وهي تصريحات مقتضبة لحد الان , وبمقابل هذه التصريحات الفقيرة خرجت تصريحات عديدة من السيد نوري المالكي وبضمنها قيامه باللجوء الى المحكمة الاتحادية لمقاضاة رئيس الجمهرية والدعوة الى بطلان ترشيح حيدر العبادي لمخالفته الدستور والبقاء في منصبه الحالي ولحين صدور قرار المحكمة الاتحادية , وعلى حد قول الناطقين باسم المالكي فان الهدف من التصريحات والدعاوى القضائية ليس الحصول على المنصب وانما للحفاظ على العملية السياسية وايقاف الخروقات في الدستور, وقد تنازل المالكي عن هذه المطالبات استجابة لراي المرجعية الدينية في النجف الاشرف والراي العام داخليا وخارجيا والصفقة التي عقدها المالكي مع الائتلاف الوطني وقد افصح امس عن تاييده لترشيح الدكتور العبادي واعلن عن استعداده لتسليم السلطة بمبدا التداول السلمي للسلطات كما ابدى استعداده للتعاون مع الحكومة القادمة في كل المجالات.

ورغم التصريحات العديدة للسيد المالكي وشحة تصريحات الدكتور العبادي والمتحدثين باسمه الا ان اسم العبادي كان يتردد في كل مكان ويشغل حيزا كبيرا من اهتمامات العراقيين ودول المنطقة والعالم وكانه زعيم شعبي سيكون المنقذ للعراق بوضعه الحالي في مواجهة الارهاب وتعطل العديد من الخدمات وخروج محافظات ومناطق عديدة عن سيطرة الحكومة الاتحادية ووجود عشرات الالاف من النازحين والمهاجرين والاسرى ومجهولي المصير وتشنج العلاقة مع بعض المكونات ووجود شواغر وانسحابات في الحكومة وخلو البلد من موازنة مالية اتحادية رغم انقضاء النصف الاول من السنة المالية الحالية .

ومن حق كل عراقي ان يسال هل ان العبادي تحول الى زعيما شعبيا خلال ايام قليلة لكونه حيدر العبادي او نكاية بالمالكي ؟ رغم ان الاخير قد حصل على 725 الف صوت من بغداد فقط في الانتخابات الاخيرة التي لم تمضي عليها سوى اربعة اشهر فقط , ولانستطيع الاجابة عن هذا السؤال لانه يحتاج الى استبيان ومسوحات لكي تكون الاجابة دقيقة وعلمية بالفعل ولكن ما يعرفه الجميع ان الشعار الذي دخل فيه الجميع في الانتخابات هو التغيير , وبعد المصادقة على النتائج لم يتلمس العديد بوادر التغيير ولعل الخوف من عدم حصول التغيير هو الحافز الذي جعل البعض يعول على الدكتور حيدر العبادي في انقاذ البلد من الوضع الذي يمر به , اخذين بنظر الاعتبار الى ان هناك اراء عديدة تعتقد بعدم توفر البيئة المناسبة للتغيير بوجود المالكي في الولاية الثالثة .

وقد تعهد العبادي في الكلمة التي وجهها امس بانه سيسعى الى تحقيق ما يتطلع اليه الشعب , كما دعى المالكي للانضمام في احداث التغيير باعتباره شريكا في العملية السياسية ووجه دعوته للقوات الامنية والقوات المسلحة لممارسة مهماتهم في مواجهة الارهاب , وفي كلمته ايضا خاطب العشائر لتكون شريكة في الدفاع عن الوطن , ورغم ان كلمته لم تتضمن التفاصيل التي ينتظرها العراقيين الا انها بعثت بعلامات اطمئنان ايجابي من الممكن ان تترك نوعا من الارتياح , وكعراقيين نتمنى للدكتور العبادي كل التوفيق في تحقيق كل ما يلبي احتيجات العراق والعراقيين لاسيما وانه قد جاء في مرحلة مهمة وحرجة من الوضع الذي يمر به البلد , ومن خلال استثماره للدعم الذي حظي به محليا واقليميا ودوليا فمن الممكن ان يترك بصمات بمستوى تمنيات الخيرين .

ومن المؤكد ان الدكتور العبادي لم يجيئ لتغيير اسما باسم وانما للسعي في تصحيح العملية السياسية برمتها وهذا هو الغرض من اختياره والاجماع عليه , فما افصح به امام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس كتلته اثناء تكليفه بتشكيل الحكومة او في كلمته امس وخلال اتصالاته مع قادة الكتل ورؤساء الدول , قد وضع نفسه امام التزام في احداث التغيير الذي ينشده الشعب , ولكي يستطيع الايفاء بهذا الالتزام واية التزامات مشروعة اخرى فان المطلوب ان يتعاون معه الجميع بوضع حدود معقولة للمطاليب وعدم زرع الالغام والعقبات , فالفرصة الحالية جديرة بالاستثمار لانقاذ ما يمكن انقاذه ما دامت هناك ارادة للتغيير , ومن ضمن الاولويات التي يدركها الجميع هو اخراج البلد من محنته ومعالجة المشكلات من خلال النظر الى جذورها واسبابها وليس تداعياتها فحسب .