ان الاحتفال بعظماء الامة وعلى رأسهم رسول الله (ص) يجب ان يكون احتفالا ً واعيا ً، ومن الوعي ان يركز في الاحتفال على المقومات التي جعلت منه عظيما ً لتكون نبراسا ً يحتذى به من قبل ابناء الامة، فعظمة النبي محمد (ص) تكمن في مقومين اساسيين، الاول: المقوم الذاتي بما امتلكه رسول الله (ص) من الصفات الذاتية وخصائص الكمال والمقامات العليا التي جعلته اكمل الخلق واشرفهم، كيف لا وقد ربته يد الرعاية الالهية وهذا ما ذكره النبي (ص) بقوله ((ادبني ربي فاحسن تأديبي)).
اما المقوم الثاني: فهو عظمة الرسالة الاسلامية التي بُعث (ص) لتبليغها الى العالم اجمع، هذه الرسالة التي توفرت فيها كل عناصر الكمال من الاستيعاب ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) والشمولية ((وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)) والخلود ((حتى يردا علي الحوض)) ومن صيانتها من الانحراف والعبث ((انا انزلنا الذكر وانا له لحافظون)) بحيث تكون الرسالة الخاتمة التي لها القدرة على قيادة حياة البشر نحو خيرهم وصلاحهم وكمالهم الى ابد الدهر.
ومن اساليب الاحتفال الواعي هو ان نجعل من مناسبات رسول الله (ص) محطة للمحاسبة عن مدى التواصل والتفاعل معه كأسوة حسنة ((لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة)) من خلال تقييم ما وصلناه من البناء الذاتي وفق تلك الكمالات والصفات التي تميز بها الرسول (ص) ، وعلينا كذلك ونحن نعيش ذكرى رحيله الى بارئه ان نحاسب انفسنا كافراد وكأمة عن مدى تواصلنا وتفاعلنا مع رسالته؟ هل نحن نحمل اليوم اهداف رسالته؟ هل ننطلق في عملنا من المبادئ التي اسس لها؟ وهل نجسد في حياتنا القيم الاخلاقية التي جسدها في حياته؟
واذا اردنا ان نجيب بدقة على الاسئلة المطروحة فان الجواب سيكون مؤلم ومقرح للقلوب، فعلى مستوى اهداف الرسالة الاسلامية، فالواضح ان الكثيرين من ابناء الامة الاسلامية لا يحملون الاسلام هما ً ولا يسعون الى نشره وايصاله الى بقاع العالم بل لا نجدهم يسعون الى ترسيخه في داخل المجتمع المسلم، فالاسلام انما اوجده الله كشريعة ليحكم العالم وليسود الكون كما قال تعالى ((ليظهره على الدين كله)) ورسول الله (ص) واهل بيته (ع) والصحابى المنتجبون بذلوا ما بوسعهم في سبيل ذلك، لكن المشوار لم ينتهِ وانما يقع الدور على عاتق الاجيال من بعدهم لمواصلة المسيرة نحو سيادة الشريعة الاسلامية في حياة البشرية.
والعجيب ان الغرب صرح بصراعه ضد الاسلام وقال بانه يخوض صراعا ً حضاريا ً مع الاسلام في حين ان المسلمين لا يهزهم ذلك التصريح بل لايعي بعضهم اهميته وظلوا متفرجين وغارقين في نومهم العميق بل ان بعضهم اصبح اداة للغرب في هذا الصراع كأولئك التكفيريين والقتلة ممن انحرف عن طريق الاسلام القويم الذين اوصلوا صورة مشوهة عن الاسلام وهم يفعلون ما يجعل الاخرين يشمئزون من الاسلام، والغرب هو من اوجد تلك الجهات لضرب الاسلام من الداخل بعد ان وفروا كل الامكانات لدعمهم ولم يكن لهؤلاء تحقيق ذلك لولا وجود من يبيع ضميره والجهلة من المسلمين؟
واما على مستوى المبادئ فاغلب المسلمين لا يستندون الى مبادئ الاسلام الحقة في تصرفاتهم وتعاملاتهم بل يستندون الى مبادئ اخرى لا تمت للاسلام بصلة، فاذا لم تكن المبادئ الاسلامية هي القاعدة التي ننطلق منها في عملنا كمسلمين فهذا يعني عدم وصولنا الى ما اراده الانبياء (ص) والائمة (ع) من الاهداف، وواحدة من اهم تلك المبادئ والمنطلقات هي الوحدة بين المسلمين، الا اننا اليوم نجد حالة التفرقة والتقاطع والتشنج هي السائدة بين المسلمين بل بين ابناء الطائفة الواحدة، فكيف يمكن لأمة ممزقة ان تنهض بواقعها وتحقق اهداف رسولها.
ويذكر لنا التاريخ ان رسول الله (ص) اول ما عمد له في مجتمع المدينة انه اخى بين المهاجرين والانصار لانه يعرف بانه مقبل على صراعات خارجية كبيرة ولا يمكن ان يفلح فيها ما لم يكن بيته الداخلي متماسك وصلب ومجتمعه متألف ومتأخي وموحد.
ومبدأ اخر من المبادئ الاسلامية المهمة هو تغليب مصلحة الاسلام على المصالح الشخصية والفئوية وهو ما لا يوجد اليوم لدى اغلب المسلمين، فهاهم حكام المجتمعات الاسلامية لا تحكمهم المبدأية الاسلامية بل تحكمهم مصالحهم الشخصية فقط لذلك تجدهم يصافحون اسرائيل عدو الاسلام الاول ويتعاونون معها ويسهمون في تثبيت كيانهم الغاصب ما دامت تحفظ مصالحهم، ورأينا في العراق الجديد كيف ان العديد من العناوين والشخصيات الاسلامية وهي تضحي باهداف الاسلام من اجل تحقيق مصالح حزبية ضيقة، والكارثة انهم لم ينجحوا ولم يتسلقوا المقاعد العليا الا بالعناوين الاسلامية التي يؤطرون بها لافتات احزابهم في حين نجد الاسلام غريبا ً في دولة يحكمها (الاسلاميون) بحيث تنتشر بارات الخمور والملاهي الليلية في قلب عاصمة حكمهم دون ان يكلفوا انفسهم لاستصدار قرارات تمنعها او تحد منها، ونجد المعاملات الربوية تملأ السوق وعمل المصارف دون سعيهم لتقنينها ضمن قوانين تتبنى احكام الشريعة الاسلامية بل نجد جزء منهم يعارضون اقرار قانون للاحوال الشخصية يضمن اجراء عقود ومعاملات المواطنين في اطار الشريعة المقدسة التي يؤمنون بها من اجل حسابات سياسية ضيقة.
واما على مستوى القيم الاخلاقية، فنجد الابتعاد الكبير من قبل المسلمين عن اخلاق الاسلام التي جسدها رسول الله (ص) باكمل صورة بل نجد المجتمع يسير نحو التفسخ الاجتماعي والتحلل الاخلاقي لاسيما بعد انفتاح العراق على العالم الخارجي عقب الاحتلال الامريكي له، وبعض ابناءه يتلقف من افكار واخلاق الغرب عبر قنوات متعددة كالستلايت والانترنت واجهزة الاتصال حتى تبدلت قيمنا الاصيلة كالاحسان والتواصل الاجتماعي والعفو عن الاساءة وحب الخير واحترام الناس ومساعدة الضعفاء والفقراء والسعي لقضاء الحوائج وانصاف الناس واجتناب الظلم والتحلي بالصدق والامانة والورع والتقوى والابتعاد عن التسقيط والبذيء من الكلام وعفة البطن والفرج واجتناب المال الحرام وغيرها من القيم الاخلاقية واتصفنا بعكسها من الصفات الرديئة.
اما الالتزام الديني فهو قليل، بل نادر، وان وجد هناك تدين فهولا يعدو كونه مظهرا ً وشعارا ً دون نفاذه الى جوهر الانسان وعمق ضميره، بل اصبح التظاهر بالتدين خير وسيلة ل كسب الدنيا والتحايل على الاخرين وتحقيق الغايات الدنيئة.
هذا الكلام لا يشمل الجميع بكل تأكيد، الا انه ينطبق على الكثير منهم ، فالدور محفوظ للقلة الصالحة في كل جيل التي لم تقصر في تطبيق الرسالة وتفعيلها وبذل الغالي والنفيس من اجل نشرها، وهذا ما يدعو الثلة الواعية الرسالية ممن وعوا الاسلام روحا ً ومضمونا ً وحملوه هما ً ان تشمر عن سواعدها من اجل ترميم البيت الداخلي لمجتمعنا من اجل الارتقاء به ليكون نموذج حقيقي للمجتمع الاسلامي الصالح الذي يجسد الاسلام في سلوكه وتعاملاته ومن ثم الانطلاق الى الاخرين وايصال صوت الاسلام المحمدي الاصيل لهم من خلال الفكر الناصع والسلوك الاخلاقي القويم كما ورد في الحديث ((كونوا لنا دعاة صامتين بغير السنتكم)) وحينها سنجد الاستجابة منهم فقد ورد عن اهل بيت النبي (ص) ((ان الناس اذا عرفوا محاسن كلامنا اتبعونا)) ومن الله التوفيق.
* استاذ في الجامعة المستنصرية