بدأ المخطط الجديد لتفتيت واضعاف الدول العربية عند قيام الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003 . فعمدت بالقضاء على الدولة العراقية وليس على نظام الحكم فقط ، عندما عملت على تفتيت الشعب العراقي من خلال تشكيل مجلس الحكم من سياسيين شيعة ، وسنة عرب وسنة كرد .
في تشكيلة هجينة !
وفي مصر تم اخراجها عمليا من محيطها العربي من خلال تسليم الحكم الى جماعة الاخوان المسلمين بعد الثورة المصرية على نظام حسني مبارك . وقد عملت هذه الجماعة مابوسعها لابعاد الشعب المصري عن عقيدته القومية بتبني فكرة الحاكم المسلم بدل الحاكم العربي وقد روجوا لهذه العقيدة طوال فترة حكمهم بهدف القضاء على اي شعور قومي عربي في مصر . الا ان الجيش المصري ادرك هذه اللعبة قبل فوات الاوان وازاح الاخوان عن سدة الحكم .
واستكمالا لمخطط تفتيت المجتمعات العربية جاء الدور على سوريا التي كانت مشعلا للقومية العربية على مدى عقود من الزمان ونشأت فيها اغلب الحركات العربية اضافة الى ريادتها في تحقيق حلم الوحدة مع جمهورية مصر العربية وكذلك مع العراق . . فتم استغلال التململ الشعبي ومن ثم المظاهرات المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي لنظام الحكم فيها . حيث تم قمعها بوحشية بادئ ذي بدء ثم جرى شيطنتها لاضفاء صفة الارهاب عليها . فتحولت في جوانب عديدة منها الى منظمات ارهابية حقيقية ، نتيجة التدخلات العربية والاقليمية ، فدخلت سوريا في حرب شعواء شاركت فيها امريكا وروسيا وايران ثم تركيا ودول عربية وكلها تدعي مكافحة الارهاب .
فاصبحت بابا” للتدخلات الاجنبية في المنطقة ، لا سيما التدخل الايراني بشكل سافر في كل من العراق وسوريا ولبنان بحجة الدفاع عن المراقد المقدسة اولا ثم بذريعة القضاء على الارهاب ثانيا .
ومثل ذلك جرى في اليمن . كما تم تهديد البحرين والعربية السعودية والامارات العربية المتحدة ، في محاولة لاشعال الفتن فيها .
وقد أدى ظهور “الإسلام السياسي” إلى إحياء الفتاوى والخطابات الطائفية والراديكالية ، وأعطى مكانا مهيمنا للاساطير الدينية في تفسير الأزمات وايجاد الحلول الفانتازية .
ثم جاءت سياسة فك الارتباط من الشرق الأوسط التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى جانب الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، لتكتمل الصورة، بمنح طهران المزيد من الموارد والنفوذ ، وترك العرب في حالة من الفوضى .
لقد تسلل الإيرانيون إلى الدول العربية تحت لافتة المقاومة تارة وحماية المقدسات تارة اخرى ، فتم انشاء ميليشيات ولائية عابرة للحدود الوطنية ، مما أعطى طهران نفوذا متصاعدا” على مسرح الشرق الأوسط .
لقد تم استغلال سعي ايران لتصدير الثورة وطموحاتها التوسعية لاحتواء المواطن العربي بشعارات دينية ومذهبية .
واذا استطاعت اسرائيل ضم الاراضي العربية اليها ، فان ايران سعت الى ضم الانسان العربي اليها طائفيا وعاطفيا . .
فعملت لتحقيق هدفها هذا وعلى مدى سنوات الى تهجير العراقيين والسوريين المناوئين لها واجراء التغييرات الديموغرافية في اغلب المدن العراقية والسورية بما يضمن تحقيق مصالحها وفرض سيطرتها التامة .
ان الموضوع لايتعلق بصراع مذهبي كما يصوره البعض ، فان الشيعة العرب قد ضاقوا ذرعا بممارسات ايران في العراق وتزاحمها مع العراقيين على لقمة الخبز او استغلال الوضع الاقتصادي لتحقيق مصالح انانية على حساب مصلحة الشعب العراقي .
وما انتفاضة تشرين اول / اكتوبر عام 2019 الا شاهدا” على ذلك .
وفي الخليج العربي اوقفت الصواريخ إيرانية الصنع نسبة كبيرة من إنتاج النفط السعودي في سبتمبر/أيلول عام 2019، وكانت مؤشراً خطرا على سيادة واقتصاد المملكة العربية السعودية .
وقد اصبحت الصدمة مضاعفة عندما لم تتحرك الولايات المتحدة للدفاع عن الرياض .
وكذلك عانت الإمارات العربية المتحدة كثيرا عندما تعرضت 4 سفن تجارية لهجوم في خليج عمان في مايو/أيار 2019 .
دون شجب او استهجان من دول العالم .
لقد تم استخدام نظام طهران كمخلب قط من خلال رغبتها في توسيع نفوذها وتحقيق حلم الامبراطورية الممتدة من العراق الى سوريا ولبنان وصولا الى البحر المتوسط .
فاصبحت إيران العدو البديل عن اسرائيل بسبب المخاوف من الخطر الفارسي المحدق ، مما دعى بعض الدول العربية لإقامة علاقات التطبيع مع اسرائيل ، لدفع الخطر الاقرب بالخطر الابعد .
وما يظهر من نزاع ايراني اسرائيلي في المنطقة لايعدو عن كونه صراع نفوذ بين الطرفين ، وليس صراع وجود . .
وان ادعاء ايران بانها راعية للمقاومة والممانعة ضد اسرائيل لانجد له اي مصداقية على ارض الواقع . فالميليشيات الموالية لايران في العراق قد قتلت وهجرت اغلب الفلسطينيين الموجودين بالعراق بحجة انهم موالين لنظام الحكم السابق . كما ان يوم القدس الذي اعلنته ايران على لسان خميني لم نجد له اي عمل في سبيل القدس عدا المسيرات والمظاهرات .
فما الذي فعلته ايران عندما نقل ترامب سفارته الى القدس ؟
وحزب الله منذ اعوام طوال لم يقم باي تحرش تجاه اسرائيل . ولكنه كان قوة ضاربة على الارض السورية ، وكان من نتيجة تدخله مع الفصائل العراقية الموالية لايران تدمير اغلب المدن السورية وتهجير اهلها . فعن اي مقاومة وممانعة يتحدثون .
والان هل استفاقت ايران من حلمها الذهبي في اعادة امبراطورية فارس في المنطقة وادركت انها كانت مجرد مخلب قط بيد الدوائر الغربية في تخريب الدول العربية ، ودفعها للتطبيع مع اسرائيل ؟
وهل مصالحتها مع السعودية قد جاءت نتيجة لذاك ؟
ام مازال هناك من يعتقد ان بامكان ملالي طهران تحقيق احلام العصافير !