ليس جديدا القول بأن المشكلة العراقية الاكبر بعد عام 2003 هي النزاع الطائفي السلمي والمسلح (وان كان بشكل غير مباشر) . لكن ما هي النقطة التي بدأ منها هذا النزاع وكيف كان نموها وهل عشر سنوات كافية لخلق نزاع عقائدي مدمر كالذي يمر به العراق؟ مجموعة تساؤلات احالتني الى تاريخ ليس بالبعيد شكلت في مخيلتي التربة الخصبة التي خرجت منها الفرقة بين مكونين شعب واحد كنبتة حمراء.
بعد اعلان الجمهورية في العراق بدأ التباعد في وجهات النظر يزداد بشكل ملحوظ بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف قادة انقلاب او ثورة 14 تموز عام 1958 بسبب التوجهات الفكرية المتعارضة بين الاثنين, في الحين الذي كان فيه قاسم ذا توجه يساري, كان عارف رجلا قوميا متأئرا بشكل كبير بجمال عبد الناصر وقد استلم السلطة بعد عبد الكريم ليمر العراق بحكومات قومية استمرت قرابة نصف قرن قبل سقوط نظام صدام عام 2003. لكن ماذا يعني هذا؟ القومية ذات اصل لغوي يعود للقوم وهي الانتماء لجماعة سكانية جمعتها عقيدة او لغة او تاريخ وهي مقومات صالحة لتصنع من شيعة العراق وسنته قوميات بعد ان تشربت عقلية الفرد العراقية بمفهوم الانتماء القومي المتعصب الغالب على الانتماء الوطني بالفترة الماضية. بدأت هذه الفكرة تتعمق بعد ان طرقت جهة مجهولة على وتر “مظلومية اهل البيت” لدى الشيعة بتفجير الامامين العسكريين بسامراء وطرقت جهات سياسية اخرى وتر “توارث الحكم” لدى السنةفأصبح الشعب فريقين الاول يريد الحفاض على سلطة تحمي مقدساته والثاني يريد استعادة سلطة امتلكها طوال نصف قرن مضى. اعتاد الشعب بعد عام 2007 القول على ان “ماكو فرق” بين السنة والشيعة وهما اخوة واولاد عم متصاهرين ومتداخلين منذ قرون مضت وما يحدث الان لا دخل لهم بها, لكن لماذا يستمر الخلاف ؟ الصراع الطائفي في العراق لم يكن مشابها لاي صراع عقائدي او فكري انتج حربا اهلية في اي مكان بالعالم, الصراع في العراق كان نتيجة حب الاختلاف, الرغبة الملحة بالانتماء المتطرف اذ ان التحرر من الانتماءات الثانوية والتمسك بالانتماء الوطني يفقد المواطن مبدأ (اهلي وعشيرتي) وهي النقطة التي لعبت عليها الحكومات المتعاقبة لا سيما حكومتي المالكي التي يبدون انها ستنتج ثالثة بتجييش الشارع الى مناصر لحاكم مذهبي لا وطني كما فعلت المعارضة تماما في الانبار عندما رسخت فكرة استرداد حقوق السنة الضائعة التي تلاشت في ظل الحكومات الشيعية.