في عالم الجرائم الثقافية المنظمة ، التي لا يني نطاقها يتسع واحترافها ينتشر في بلاد العرب والمسلمين ، نادرا”ما تثار حفيظتنا حيال ما يرتكب من أعمال السطو الثقافي والسرقات الأدبية ، من لدن بعض المتطفلين على حقل الثقافة والمندسين إلى مضمار الفكر . مثلما لا نعير أهمية إزاء ما يقوم به البعض الآخر ممن يجيد مهنة الارتزاق المخجل والتكسب المعيب ، على حساب قيم الثقافة ومعايير الأخلاق . ذلك لأن دوافع هؤلاء وأولئك باتت معروفة وأهدافهم أضحت مكشوفة ، بحيث إن مشاعر الشفقة تغمرنا أحيانا”على حالتهم البائسة أكثر مما نستنكر أفعالهم المشينة وندين تصرفاتهم البذيئة . ولكن أن يتجاسر أستاذ جامعي (كذا) وحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون (كذا) من أحدى الجامعات المصرية ، بممارسة هذا الضرب من السطو الثقافي الفاضح والانتحال الفكري المكشوف ، وبطريقة فيها الشيء الكثير من التعالم الكاذب والتبجح الفارغ ، فتلك مسألة تحتاج إلى وقفة تأمل وتتطلب إعادة التفكير بالكثير من مسلماتنا المبتسرة وتواضعاتنا المفبركة . ففي الوقت الذي لم تبخل فيه السيرة الذاتية لهذا (الدكتور) المزعوم وصحيفة أعماله المترهلة ، من ذكر كل شاردة وواردة – حتى التافه منها – ابتداء”من تاريخ ميلاده وانتهاء”بنيله شهادة الدكتوراه في القانون ، وصيرورته خبيرا”في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ، مرورا”بالعديد من الأنشطة الثقافية والفعاليات الرياضية والتجارب الاجتماعية والممارسات الاقتصادية والمواقع الحزبية ، هذا بالإضافة إلى رئاسته وعضويته في العديد من النقابات والجمعيات والمؤسسات ، حتى لتخال نفسك أمام شخصية أسطورية نادرا”ما يجود به الزمان أو تكرم به أمة . نقول في الوقت الذي تطالعنا تلك السيرة الطافحة باللغو والحشو ، فقد تبين إن صاحبها ليس كما يظن المخدوعين بعبقريته الفذة ، وإنما هو من أرباب السوابق في مجال السطو الثقافي على أعمال الآخرين والاستحواذ على جهودهم الفكرية . إذ من خلال تصفحنا لموقع (غوغل) الالكتروني صادف أن وقعت على مقالة للكاتب العراقي ( رائد سلام) ، كشف من خلالها إن (دكتورنا) الفاضل قام بنشر مقالة له تحت عنوان مثير (التأثيرات الدينية والطائفية على الخطاب الثقافي) ، تبين أنها ليست من بنات أفكاره ونسج يراعه ، بقدر ما هي مجرد سرقات وقحة لنصوص كتبت بأقلام أربعة كتاب عراقيين ، لم يكن يدور بخلدهم إن ما يكتبونه بعرق جبينهم سيكون سلعة رخيصة يتاجر بها لصوص الثقافة من أمثال الدكتور عادل عامر هذا . ولعل من المتعارف عليه في مثل هذا المجال اللصوصي إن السّراق يعمدون – لإخفاء جرائمهم – إما إلى تقديم وتأخير بعض المقاطع والجمل ، وإما لتغيير بعض الكلمات والصياغات وإحلال أخرى محلها تعطي نفس المعنى وتثير ذات الإيحاء ، وإما إهمال الإشارة إلى المصادر والمراجع بالنسبة للمقاطع الطويلة ، في حين لا تضيره الإشارة إلى المصادر والمضان بالنسبة للجمل القصيرة ، بحيث يظهر السارق وكأنه الكاتب الفعلي للمقال أو البحث أو الدراسة . بيد إن لصاحبنا في هذا الشأن فلسفة خاصة تتمثل بعدم تحرجه من سرقة مقاطع كاملة ، دون إجراء أي تغيير أو تحوير لا في الكلمات ولا في الصياغات ، وإنما يقوم بأخذ مقطع واحد من عدة مقالات مختلفة ، ساعدت خبرته وتضلعه في هذا المجال على إيجاد وحدة موضوع بينها ، بحيث يصعب على القارئ اكتشاف ألاعيبه وإماطة اللثام عن تجاوزاته . وهكذا فلولا القراءة الذكية والفاحصة التي تجشم عنائها زميلنا (رائد سلام) لاستطاع هذا الدعي النجاة بفعلته النكراء تلك ، حيث لم يكتفي زميلنا بالإشارة العابرة إلى هذه الحالة – وهو ما قد يظنه البعض باعتباره تجني وتحامل على الرجل – ولكنه أفاض في ذكر المصادر التي تعرضت للسرقة ، حتى انه طالب لإثبات بالرجوع إلى المفردات والفقرات التي تم السطو عليها . وهو ما لم أتردد في التأكد منه صحته شخصيا”، عبر قراءتي لمقال الدكتور المفبرك ومن ثم اكتشافي طريقة سطوه وحجم سرقته . ولكي لا أبدو كمن يرجم بالغيب بحيث أتهم – ممن يريد البرهان ويبحث عن الدليل – بالتجني والتحامل ، لمجرد ربما حصول نوع من (التناص) بين الموضوعين كما يقول أصحاب اللسانيات ، فاني أضع بين أيديكم أصل المقطع المأخوذ عن مقالي المعنون ( إعاقة التحول الديمقراطي : من المجتمع المدني إلى الطائفية السياسية ) المنشور على موقع كتابات بتاريخ 17/12/2013 ، ومن ثم قيامكم بإجراء المقارنة والمضاهاة مع نظيره المنتحل من قبل الدكتور(عادل) ، والذي ورد ضمن مقاله المعنون ( التأثيرات الدينية والطائفية على الخطاب الثقافي ) المنشور في عدة مواقع الكترونية ؛ أولها موقع (تللسقف) بتاريخ 26/3/2014 ، وثانيهما على صحيفة المثقف بتاريخ 28/3/2014 ، وثالثهما موقع (ديوان العرب) بتاريخ 28/3/2014 ، ورابعها موقع (الحوار المتمدن) بتاريخ 23/4/2014 ، ولكم أن تحكموا بين الأصل والانتحال ، بين النص والتناص . وهكذا فقد جاء في القسم الثاني من بحثي المشار إليه وتحت عنوان (تغليب الانتماء الطائفي وتغييب الولاء الوطني ) ما نصه (( والواقع إن التجربة التاريخية لمجتمعات العالم الإسلامي بشكل عام ونظيرها العالم العربي على وجه الخصوص … إلى … وبالنهاية يحول ذلك دون بلوغها كجماعة مستوى الوجدان أو الوعي القومي )) . هذا في حين تضمن مقال الدكتور (عادل) ذات المقطع بالكامل دون تغيير أو تحوير ، لا بل انه – وللأمانة العلمية !! – لم يهمل حتى الفوارز والنقاط ، فضلا”عن الإحالات التي أشار إليها النص الأصلي . بحيث ابتدأ بالقول (( والواقع إن التجربة التاريخية لمجتمعات العالم الإسلامي بشكل عام ونظيرها العالم العربي على وجه الخصوص … إلى … وبالنهاية يحول ذلك دون بلوغها كجماعة كمستوى الوجدان أو الوعي القومي )) . ولكون المقطع طويل نسبيا”فقد أحجمنا عن ذكره بالكامل ، خشية التكرار والإطالة التي تبعث الملل والنفور لدى القارئ ، تاركين لمن ينشد المزيد للاطلاع على مقدار السرقة وطبيعتها ، الرجوع إلى تلك المقالات لإجراء المقارنة والمضاهاة بنفسه ، ومن ثم الوقوف على صحة ودقة ما ذهبنا إليه . أما ما يتعلق ببقية السرقات التي صنفها زميلنا (رائد سلام) ، فان أصحابها المشار إليهم ، أحق من سواهم بكشف حجم ما تم السطو عليه من نصوصهم ، وبالتالي الردّ على (الدكتور) السارق بالشكل والكيفية التي يرونها مناسبة . هذا وفي الوقت الذي نعبر فيه عن شكرنا وامتنانا لموقف الزميل (رائد) على كشفه وفضحه لهذه الأفعال الرخيصة ، فإننا لا نملك إلاّ أن نقول لكل من يحترم نفسه ويعتز بثقافته : ارجموا هذا الدعي والعنوه ، عسى أن يكون درسا”لغيره وعبرة لأمثاله !!! .
[email protected]