25 نوفمبر، 2024 10:55 ص
Search
Close this search box.

كيف أُعدِمَ اللواء الركن “قوات خاصة” عصمت صابر؟؟؟‎

كيف أُعدِمَ اللواء الركن “قوات خاصة” عصمت صابر؟؟؟‎

تمهيد
أسعدني هذا الموقع الأغر بنشر مقالتي السابقة عن قيادة “المقدم الركن قوات خاصة عصمت صابر عمر” للواء عراقي خاص شارك في الحرب الأهلية اللبنانية مرتين، الأولى عام (1976) والثانية خلال (1978).
أما اليوم فسأتطرق إلى أسباب إعدامه ((أو بالأحرى قتله من دون محاكمة)) في (رمضان/نيسان1991) وسط ظروف ظلـّت وستظل غامضة، وذلك إعتماداً على ما سطـّرته من أحداث ووقائع في يومياتي عن فراقي لإبن “قلعة كركوك” وصديق عمري “عصمت”.
حرب الخليج الثانية (1991-1990)
لم تنقض سوى بضعة أسابيع على الغزو الغادر بحق الجارة “دولة الكويت” فجر (الخميس/2آب/آغسطس/1990) وإصرار الراحل “صدام حسين” على جعلها المحافظة العراقية (19)، ما جلب الشؤم -وسيجلب- على العراق واللعنة على عموم المنطقة لغاية يومنا هذا، فقد صدر مرسوم جمهوري بإناطة منصب “رئيس أركان قيادة قوات الخليج” (بمستوى فيلق) إلى “اللواء الركن (قوات خاصة) عصمت صابر عمر” تحت إمرة القائد “الفريق الركن (قوات خاصة) كامل ساجت عمر” رغم فرق القدم العسكري بواقع (7) سنوات وكون “كامل” أحد تلامذة “عصمت” في دورة المظليين وآمره ثم قائده في غابر الأيام… تلك القيادة التي كُلـِّفَت بمهمة التمركز في العاصمة “الكويت” ذاتها.
لم يتمتع “عصمت” بإجازة دورية سوى مرة واحدة لـ(3) أيام في غضون (5) أشهر حتى إندلعت “حرب تحرير الكويت” فجر (الخميس17/ك1/يناير1991) بعمليات قصف جوي ماحقة لم يشهد التأريخ مثلها طالت أوزارها (43) يوماً وليلة متتالية قبل أن تقتحم القوات البرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية في بعض أعماق الأرض العراقية بتعرض واسع قطع جميع طرق التنقل قبل إنتشارها في معظم جنوب-شرقي العراق مصحوباً بهجمات الجيوش العربية على التشكيلات العراقية المنتشرة قبالة الحدود مع المملكة السعودية، وقتما تقرر إخلاء “الكويت” من القوات العراقية المتمركزة في ربوعها منذ (7) أشهر وفقاً لـ((أوامر عوجاء)) -ما زالت
الظنون تشوب صاحبها وأساليب إيصالها للقادة العراقيين بطرق بدائية فضلاً عن ملابسات التنصّل عنها!!!؟؟؟- وفي ظلّ موقف إستراتيجي وعملياتي وتعبوي جوي وبري وبحري عراقي مُقرف وفي غاية الرداءة والخطورة ومن دون أي إنذار للتهيؤ أو تخطيط مُسبَق أو توقيتات محددة، والمباشرة فوراً بالإنسحاب -الذي يعتبر من أصعب صفحات القتال وأدقها وأخطرها- ومن دون أية إستحضارات تمهّد لتحريك ما يربو على (500,000) جندي عراقي مُحبَط ومُتعَب ومُرهَق وجائع وعطشان مع أسلحتهم الخفيفة والثقيلة ومعداتهم وتجهيزاتهم وعجلاتهم، ولذلك فقد تشردوا في العراء بعد قبعهم طيلة (43) يوماً في جوف مواضع حصينة وملاجئ وأنفاق تحت مستوى الأرض صُرِفَت عليها المليارات ضمن قواطع العشرات من الفرق المدرعة والآلية والمشاة التي أُقحِمَت عنوة في أرض الكويت وتمترست تباعاً وسط صحاريها وإنتشرت بإنقضاء الأيام في براريها وضواحي مدنها العامرة وأحيائها السكنية.
ولذلك تـَحَوَّلَ الإنسحاب ((المزري-العشوائي-غير المدروس)) في غضون يومي (27-28شباط1991) إلى هروب مُنكر نحو منفذ “عبدلي- صفوان” الحدودي وهزيمة لاذعة وكارثة غير مسبوقة في تأريخ الجيش العراقي من هول تكدس (4) فيالق على الحدود إلى جانب ضغط بري هائل لجيوش التحالف وقطعهم خطوط الإنسحاب مسلّطين ضرباتهم الجوية لإبادة من فيها والسائرين عليها بإستثمار المئات من أفضل قاصفاتهم العملاقة وطائراتهم المصممة خصيصاً للهجمات الأرضية مضافاً إليها أرقى أنواع السمتيات/الهليكوبترات التي إنهالت بكامل حريتها -وفي ظل سيادة جوية مطلقة- على الألوف من منتسبي الجيش العراقي -وهم مُشرّدون في الصحراء وحائرون- بضربات ثقيلة وخفيفة بآلاف القنابل ذات الأوزان المرعبة والصواريخ المُسَيَّرة التي لم تـُبْقِ ولم تذر بعد أن بلغت واقع إنفلاقاتها ما يعادل العديد من القنابل النووية، ما جعل العشرات من وحدات الجيش العراقي بضباطها وجنودها الهائمين في صحارى “الكويت” العارية من كل ما يمكن أن يخفي وفي ظل فقدان القيادة والسيطرة عليها، لتـُضَحّي بما يزيد عن (103,000) شهيد وأضعاف هذا العدد المذهل من الجرحى والمصابين والأسرى وآلاف لاحقة من المفقودين الذين لم يُعرف مصائرهم لغاية كتابتنا هذه السطور، وذلك إلى جانب الآلاف من الدبابات والمدرعات والمدافع والعجلات المتنوعة ومئات الآلاف من أسلحة المشاة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة إثر تعرضها لآلاف الضربات الجوية الحليفة.
وفي هذا الشأن بالذات وبعد تلكم الهزيمة فقد تقابلتُ مع العديد من الضباط الذين عاشوا تلك الكارثة عموماً، وبالأخص من كانوا في “قيادة قوات الخليج” تحديداً تحت إمرة “اللواء الركن عصمت صابر”، وقد أشادوا جميعاً بشهامته وفروسيته
ومثاليته في إلتزامه بالأوامر وكيفية مغادرته مقر قيادته بعد إبلاغه بأمر الإنسحاب بأعصابه المتماسكة وهدوئه المعروف -رغم خطورة الموقف- وبعد أن تأكد بشخصه وأيقن تماماً من عدم بقاء أي ضابط أو جندي في ملاجئ القيادة، وأن لا أحد منهم قد ترك وراءه سلاحاً أو جهازاً وحتى ورقة واحدة.
ما بعــد الكــويـــت (آذار/مارت/1991)
عند إخماد عدد من تشكيلات الحرس الجمهوري ووحدات من الحرس الخاص في غضون (18) يوماً لتلك العمليات المسلحة العارمة -وقد سميت لاحقاً بـ”الإنتفاضة الشعبانية”- إثر إندلاعها وسط مدينة “البصرة” منذ صبيحة (الجمعة/1مارت/آذار/1991) لتعمّ كالنار وسط الهشيم جميع المحافظات العشر في النصف الجنوبي من الوطن ومناطق “الفرات الأوسط”، كانت قيادات الجيش العراقي في أرض الوطن تعيد تنظيم العديد من وحداتها سراعاً وتلملم البعض من تشكيلاتها المنكوبة في “الكويت”، قبل تحريك “قيادة قوات الخليج” ذاتها -وسط قيادات فيالق أخرى- لبسط سيطرة الدولة على جميع المناطق الشرقية والشمالية من الوطن بعد أن إقتحمتها جماعات مسلحة متنوعة وإنتشرت وسط مدنها وتمترست على طرقها الرئيسة وبراريها وجبالها، حيث تحددت مهمتها الأولى -حسب معلوماتي غير المؤكدة- في قاطع الفيلق/2 (الوسطي) وسط بقاع الشرق والشمال الشرقي من محافظة “ديالى”، وقد إتمها خلال أسبوع واحد فقط قبل أن تـُؤمَر بالتوجّه إلى محافظة “نينوى” ضمن قاطع الفيلق/5 لتطهير بقاع أقاصي شمالي الوطن إنطلاقاً من بلدة “فايدة” لتبسط السيطرة على مدن “دهوك، زاخو، سرسنك، والعمادية” وجميع نواحيها حتى إنهزم المسلحون من ربوعها في غضون أقل من (3) أسابيع فحسب ووصولاً إلى تخوم حدود العراق المتسعة والملأى بالجبال العملاقة الشاهقة والوديان السحيقة ذات الطرق شبه المعدومة مع “تركيا”.
الوفـــــــــاء المعــدوم
لكن “صدام حسين” لم يكن وفياً مع “اللواء الركن عصمت” بالذات ولا مع العديد من كبار قادة (القوات الخاصة) الأبطال أمثال “اللواء الركن بارق عبدالله الحاج حنطة، والعميد الركن كمال ناصر” وآخرون، رغم يقينه بماضيهم المجيد وخدمتهم المتميزة ووفائهم للوطن وقواته المسلحة وكذلك لشخصه، فحالما أنهوا عمليات التطهير الشجاعة تلك فقد إستدعاهم إلى القصر الجمهوري أواسط شهر (رمضان/نيسان1991) لينفذ بحقهم حكم الإعدام في أواخر أيام ذلك الشهر الفضيل، والذي كان في واقعه ((حكم قتل)) جراء تعذيب جسدي مريـع ومن دون تحقيق
رسمي ولا محاكمة عسكرية أو مدنية أو أمر قضائي، راسماَ نهاية مؤسفة لحياتهم بهذه الدنيا الدنيئة وبرصاصة يتيمة في مقدمة الرأس، ربما كانت من تلك المسماة بـ(طلقة الرحمة).
يومه الأخير مع العائـلــة (18رمضان/4نيسان1991)
والآن فلنسترجع بعضاً من ساعات وداعه الأخير لأهله والأيام التسعة العصيبات المتلاحقات قبل تسلمنا جثمانه، لأستذكر عبارات أنقلها عن لسان قرينته ورفيقة عمره السيدة “لمعان/أم عمر”:-
((قبيل موعد أذان الفجر ليوم الخميس 18رمضان/4نيسان1991 فوجئتُ بوصول “أبي عمر” لمسكننا في حي “الدورة” ببغداد، ووجدته مستبشراً كون “صدام حسين” قد إستدعاه وبصحبته العشرات من الضباط لتكريمهم، ولربما سيتناولون طعام الإفطار سوية على مائدته في القصر الجمهوري مساء اليوم نفسه… وبعد تناوله قدحاً من الشاي على عجل لقرب موعد الإمساك، فقد أدى صلاة الفجر قبل أن يخلد في نوم عميق حتى أذان العصر من عظم الإرهاق الذي كان يستشعره، وبعد أن إرتدى قيافته العسكرية مُحَمّلاً صدره جميع أنواط الشجاعة والأوسمة اللائقة لمثل هذه المناسبات، فقد غادرنا بسيارته العسكرية بصحبة “نائب الضابط أبو عادل” على أمل عودته إلينا ليلاً لقضاء سهرة مع الأولاد بعد غياب عنهم طال أشهراً عديدة كانت مصحوبة بعناء وإنشغال بال منذ غزو العراق لدولة الكويت… ولكنه لم يعد ليلاً وحتى صباح اليوم التالي، فإنتظرت يوماً آخر معتقدة أنه ربما إلتحق مباشرة بمقر قيادته بطائرة هليكوبتر، وذلك قبل أن أسمع تقولات غير مريحة بالمرة، وعندها إضطررت إلى إستدعاء عدد من الأقرباء ومهاتفة البعض من الأصدقاء المقربين!!!؟؟؟)).
الخبــر الـمُصعــــق
أما انا فلم أكن على علم بمجيء “عصمت” قبل يومين حتى هاتفتني الأخت “أم عمر” بعد ظهر (السبت-6/نيسان/1991) مرتبكة وقلقة… هرعت عصراً إلى وزارة الدفاع للقاء صديق عزيز كان الضابط الخافر لدى مديرية الحركات العسكرية في ذلك اليوم، ولما إستفسرت عن “اللواء الركن عصمت صابر”، إستشعرت به وقد إرتبك بعض الشيء ناصحاً إياي بعدم متابعة هذا الموضوع والنأي عن أي سؤال أو إستفسار حوله، فغادرت مبنى الوزارة بقلق شديد وإرتباك وإمتعاض وقد ملكتني حيرة في كيفية التصرف حيال الأخت “أم عمر” وأسلوب التخطيط لإخبارها بما سمعت، فما وجدت أمامي إلاّ الكذب زاعماً بوجود (تحقيق بسيط) معه لدى
الإستخبارات العسكرية العامة قد يطول لبضعة أيام، ومع ذلك فقد إرتبكت وإصفر وجهها واضعة يديها على صدرها قبل أن تنهال عليّ بوابل من الأسئلة المحرجة لم أمتلك أجوبة مقنعة لإقناعها.
وفي الأيام المقلقة تلك أصابنا إحباط شديد لدى تسرب خبر سيء للغاية وقتما علمنا أن “السائق أبو عادل” قد أسرَّ للبعض ما مفاده:-
((عصر ذلك اليوم الرمضاني كنا صائمين ونحن في طريقنا إلى مبنى “إستعلامات المجلس الوطني”، وقد أمرني السيد “اللواء عصمت” أن أتناول طعام الإفطار وأعود إليه بالساعة التاسعة ليلاً… ولكن، حالما إجتاز سيادته باب المبنى حتى شاهدتُ عدداً من الأشخاص المرتدين بدلات زيتونية وقد تكالبوا عليه نازعين عن كتفيه الرتب وعن صدره الأوسمة والأنواط، وكذلك تعاملوا مع ضباط قادة آخرين حضروا بذات التوقيت… لقد صُعِقتُ بذلك وتسَمِّرت في جوف السيارة العسكرية بمرآب العجلات مع العديد من السائقين العسكريين حتى حلَّ صباح اليوم التالي، حين أطلّ علينا أحدهم وبين يدية مكبرة صوت ليأمرنا بترك المرآب قائلاً:-
“أيها الرفاق عودوا إلى منازلكم، وسوف نتكفـّل نحن بإيصال قادتكم إلى أهليهم”.
ولكن ورغم ما أصابني من إحباط، فقد قررت عدم إخبار الأخت “أم عمر” أو أحد أفراد العائلة بالذي رأيته، وإكتفيت بالقول بأن السيد اللواء سيعود لاحقاً)).
الوداع الأخير
لم يطل إنتظارنا سوى بضعة أيام حتى أخبرونا -وسط حضور عدد محدود من الأقرباء والأصدقاء المترقبين- بأن النعش الطاهر سيصل إلى مسكنه عصر اليوم التاسع من وداعه لعائلته والذي توافق مع يوم (الجمعة-26رمضان/12نيسان1991) بعد أن ظلّ جسده راقداً لدى “دائرة الطب العدلي (المدني) في “الباب المعظم”… وقتما إستلمه إبن عمته الأستاذ “إبراهيم آرسلان” بصحبة عدد ضئيل من أقرب
أوفيائه كانوا يتوسطون حشداً -أمسوا أشباه بشر- من العراقيين اليائسين والبائسين والمكلومين والثكالى والأرامل والأيتام ينتظرون أدوارهم بالتسلسل ليتسلّموا جثامين شهدائهم الذين ظلوا بمثابة (مفقودين) في خضم مآسٍ وأوزار بحق هذا الشعب المنكوب لم ولا ولن تنتهي… كل ذلك قبل أن ينقله إلى (المغسل) المتاح هناك فيأتي به إلينا.
في منزله رقد “عصمت” هامداً في ((ليلة القدر المباركة)) بين أهله وأولاده وهم يلقون نحوه نظرات الوداع الأخيرة ويحتضنون نعشه ويتلون سوراً من القرآن المجيد قبالته حتى الفجر، حتى حملناه على أكتافنا في الصباح التالي إلى مقبرة “الشيخ عمر” لنواريه الثرى إلى جنب ولده الحبيب “عمر” الذي طالما إشتاق له وحنَّ إليه منذ (7) سنوات، وعلى مقربة من مرقد شقيقته “كولتان”… وسيترقب ثلاثتهم لتلحق بهم صاحبة الروح الطيبة والأم والجدة الثكلى “الحاجة حسيبة/أم سامي” التي ودّعت في أواخر سنيّ حياتها (ثلاثاً) من فلذات كبدها قبل أن يوافيها الأجل من بعدهم… ولكن جثمانها الطاهر سوف لا يرقد بالقرب منهم، فقد أوصت هذه المرأة الوفية أن تـنضم إلى قرينها “صابر عمر أفندي/أبو سامي” كي لا يظل وحيداً وسط مقبرة العائلة بمدينة “كركوك”.
وفي هذا الشأن فقد ذكر صديقنا العزيز وإبن عمته الوفي ورفيق عمره الحميم “إبراهيم خورشيد آرسلان” أن “عصمت” كان بقيافته العسكرية مُجمّداً قبل أن يتحدث القائمون على غسل جثمانه مشاهدتهم لآثار كوي على العديد من أجزاء جسده مصحوبة بإطلاقة واحدة إستهدفت جمجمته.
أقمنا مجلس الفاتحة على روحه الطيبة لثلاثة أيام بحضور العشرات فقط من أقربائه وأصدقائه -وليس الجميع- بحديقة منزله في “حي الدورة” ومن دون أن يمنعنا أحد من ذلك كما جرت عادة الأجهزة الأمنية في العديد من حالات الإعدامات والقتل المماثلة… إلاّ أن نصيحة البعض التي إنصاع لها الأهل كمنت في الإكتفاء بتلاوة القرآن الكريم من دون إستخدام لمكبرات الصوت.
لماذا قتل “عصمت”؟؟؟!!!
لا بد من القول بأن ((قتل)) هذا الضابط البطل المغوار والمحنك الهصور وبتلك الطريقة البشعة والمبرهنة على إنعدام ذرة من الوفاء لديهم حتى أزاء المخلصين لهم وعلى الرغم من إعتزاز “صدام حسين” لشخصه وتسميته بـ”عصمت الصبور” بدلاً عن “عصمت صابر” ومواصلة تقديره كثيراً ومنحه أنواطاً متعددة ومكافـآت في العديد من المناسبات سيبقى مشوباً بالكثير من الظنون والضبابية، وربما أكون على
يقين أن لا أحد بإقتداره حتى في قادم الأعوام على كشف حيثياته رغم ما تناقلته الألسن والأهواء من تقولات وإشاعات وأحاديث تمحورت حول الإحتمالات الآتية:-
1. إبداء “عصمت” رأيه صراحة أمام عدد من القادة وكبار ضباط أركانه المرؤوسين حيال غزو “دولة الكويت” ومدى إساءته لسمعة العراق وطناً وجيشاً وشعباً.
2. إنتقاده لاحقاً لأمر الإنسحاب الشفاهي والفوري الذي أصدره “صدام حسين” يوم (26/شباط/1991) من دون أدنى تقدير لعواقبه وعظم ما أوقعه في صفوف التشكيلات من تضحيات باهظة بالأرواح والأسلحة والمعدات، وإيصال البعض من المنافقين تلك الأحاديث إلى “صدام حسين” الذي من أساليبه أن لا يؤذي أحداً إن كان بحاجة لخدماته وإلى حين يحين الحين ليجهز عليه… ((وهذا أكثر الإحتمالات من حيث الواقع)).
3. منح “عصمت” – بعد تجمع منتسبي “قيادة قوات الخليج” بمعسكر القوات الخاصة في “الكوت”- إجازة لليلة واحدة لعدد كبير من القادة المرؤوسين وكبار ضباط الركن على أمل عودتهم في اليوم التالي ليتمتع الآخرون بإجازة مشابهة، ما جعل أحدهم يوصل تقريراً عاجلاً إلى القيادة العامة للقوات المسلحة أو للمكتب العسكري لحزب البعث بأن “عصمت” وضباط ركنه الأقدمون يعقدون إجتماعات مشبوهة ببغداد للإقدام على عمل مريب… ((وهذا إحتمال وارد كذلك من حيث الواقع))
4. إقدام “صدام حسين” على إيجاد ((كباش فداء)) لتغطية هزيمته في “حرب الكويت”، ناهيك عن محاولة إظهار شخصه بكونه ما زال ماسكاً بشآبيب الحكم وإدارة الدولة، وأن (سيّافيه) ما لبثوا أقوياء وبإقتدارهم عدم الإكتفاء بضرب أعناق أناس بسطاء بل رقاب ضباط ذوي رتب عالية ومناصب رفيعة، وبذلك يبعث أكثر من رسالة قوية إلى آخرين قد يجول بخاطرهم التخطيط لـمُنكر في طالحه…. ((وهذا كذلك إحتمال وارد جداً في أسلوب حكم “صدام حسين” وشخصيته الشمولية)).
5. عزم “عصمت” على المباشرة لحبك خطة لقلب نظام الحكم بالإتفاق مع عدد من ضباط القوات الخاصة، ولربما وشى البعض منهم بـ(تقارير سرية وفورية) إلى المكتب العسكري لحزب البعث أو إلى “صدام حسين” شخصياً، وقد يكون بعض الدليل على ذلك أن العديد من أولئك قد أُستـُدعوا مع “عصمت” إلى القصر الجمهوري وقـُتِلوا معه بالأسلوب ذاته وفي ذات الأيام…((ولكن هذا زعم خطير للغاية ولا يدري أحد مدى حقيقة)).
6. إقحام “اللواء الركن عصمت” نفسه في مناقشة ساخنة أمام ناظري “صدام حسين” عن تسلـّمه أمر الإنسحاب من “حسين كامل” شخصياً، وإصرار الأخير على تكذيب “عصمت” وتبيان عدم صحة هذا الإدعاء أمام رئيسه، ما جعل “حسين كامل” يوعز إلى جلاوزته لقتل “عصمت” من دون علم عمّه، وقد يكون الدليل على ذلك أن الرئيس قرر بعد سنة من الحادث عدّ “عصمت” شهيداً… ((وقد تكون هذه القصة أكذوبة لا أساس لها من الصحة)).
7. زعم البعض بأصدار “عصمت” أوامر الإنسحاب من “الكويت” إلى قادة الفرق والتشكيلات المرتبطة بقيادته قبل أن يبلغه أحد بذاك… ((وهذا ما يفنـّده شجاعة “عصمت” وشخصيته ومدى إلتزامه بالأوامر العسكرية ومواقفه المشهودة في سابقات المواقف الحالكة والظروف الصعبة)).
وأنا أقول أنه ما دام لم يكن هناك ((شخص موثوق به)) قد حضر التحقيق المزعوم وعملية الإعدام أو القتل، ولا من سواه كان شاهداً على مجريات الأمور في أروقة القصر الجمهوري المغلقة ومحيطه الحصين في تلك الأيام المشوبة بهزيمة العراق المنكرة من “الكويت” والإضطرابات التي عمت (14) محافظة عراقية من مجموع (18) يضمها الوطن، وقد تسببت في هشاشة الدولة وتدنـّي هيبتها المعهودة وهزالة أدوات سطوتها ورفع الملايين من العراقيين للسلاح أزاءها وخوضهم محاولات جدية وخطيرة لإسقاط نظام الحكم وتعرّض كرسي “صدام حسين” لإهتزاز عنيف وخطير للمرة الأولى منذ ما يقارب ربع قرن، وذلك إلى جانب شروط مذلة ومهينة بدأ التحالف المضاد فرضها بحق العراق المهزوم مما إضطر “صدام حسين” الإنصياع لها -على غير عادته- إبتغاء الحفاظ على كرسيه، فلذلك فإن سر مقتل “عصمت” قد دُفِنَ معه ولا يؤمل أن ينكشف في قادم الأيام إلاّ بأعجوبة.
عود إلى الماضي البعيد
كان “اللواء الركن المظلي/قوات خاصة عصمت صابر عمر” من أصدقاء العمر الأحباء على قلبي ونفسي وعقلي، والذين آلمني فراقهم لغاية كتابتي لهذه السطور من عظم إعتزازي بشخوصهم وصداقتهم وتعلقي بوفائهم وأخلاقهم الراقية وحسن سيرتهم، إذْ لا يمر يوم من دون أن أستذكرهم وأتلو سورتي الفاتحة والإخلاص على أرواحهم كل ليلة… وهو أحد النوادر من الضباط التركمان في الجيش العراقي والذي إنخرط في صنف “المظليين” وتدرج في رتبه ومناصبه حتى تسنـَّمَ منصب آمر/قائد لواء قوات خاصة قبل أن يمسي “مديراً/قائداً للقوات الخاصة” في الجيش العراقي ويغدو قائداً لفرقة المشاة/4 فرئيساً لأركان قيادة قوات بمستوى
فيلق…. لذا رأيتُ وجوباً أن أسطر بضع صفحات أخرى بمعونة أصدقاء أعزاء(*) بحق هذا ((الرجل-الرجل-الرجل)) الذي أعدّه أشبه بأسطورة تركمانية-عراقية في سيرته الذاتية والعسكرية والرياضية والعائلية وفي شجاعته وبطولاته ورجولته وأخلاقه ومواقفه الفروسية التي لا تضاهى.
نشــأتــه
لم يكن منزل أبيه -الأستاذ “صابر عمر أفندي” مدير إحدى المدارس الإبتدائية- في “محلة آغالق” وسط قلعة “كركوك” يبعد عن بيت جدي “توفيق بك بن يحيى بك” في “محلة ميدان” سوى بضع مئات من الأمتار، ذلك البيت الذي ولد فيه عام (1941) وترعرع ونشأ في أروقته… لم يزد عمره عني إلاّ (4) أعوام وقد سبقني بمرحلتين أثناء الدراسة في “متوسطة المصلى”، وكان شقيقه الوحيد الأستاذ “سامي صابر” زميلاً لوالدي وأعمامي ومعلماً مرموقاً يربّي الأجيال في صفوف “مدرسة القلعة الإبتدائية الأولى”… ولكن قربي النسبي منه في مرحلة الفتوة لم يبدأ سوى عند ترشّحي لاعباً مبتدئاً ضمن فريق الكرة الطائرة وكرة السلة اللتين كان يجيدهما، وقد حاول تدريبي عليهما أيام السنة الدراسية (1956-1957) ولكن من دون جدوى، وقتما ودعناه منتقلاً إلى “ثانوية كركوك-الفرع التجاري” عام (1957).
إنخراطه في المهنة العسكرية
وحالما إستحصل “بكالوريا” الخامس الثانوي في صيف عام (1959) فقد إنخرط في الكلية العسكرية بدورتها (38)، وأمسى من أحد طلابها البارزين في أكثر من منحىً وعضواً في منتخبها للكرة الطائرة حتى مُنِحَ رتبة “عريف تلميذ” عند بلوغه المرحلة الثالثة (الصف المتقدم) بتلك المؤسسة العريقة ليتخرج برتبة “ملازم” في (14تموز1962) ويغدو ضابطاً في الصنف المدرع/الدبابات لعام كامل شارك خلاله ميدانياً -بأوامر عسكرية وليس ضمن تنظيم سياسي- في “إنقلاب14رمضان/8شباط1963” الذي أطاح بحكم “الزعيم عبدالكريم قاسم”.
لكن طموحه وشجاعته وهوايته في الإقدام على المخاطر جعلته يودع الدبابات ليتطوع في صنف المظليين عام (1963) ويحرز مرتبة الناجح الأول بدورته الأساسية ويغدو ضابطاً معلماً في مدرسة المظليين، ليضحى -حسب معلوماتي- ثالث ضابط مظلي تركماني في تأريخ هذا الصنف البطولي بعد كل من “العقيد الركن المظلي عبدالكريم مصطفى نصرت، والمقدم المظلي عدنان محمد نوري”، وقبل أن يُبعث للإشتراك بدورة (الصاعقة/رينجرز RANGERS) إلى جانب الإسقاط/القفز
الحر (FREE FALL) وقذف الحاويات والأسلحة الثقيلة وعجلات القتال والذخائر من طائرات النقل بالمظلات العملاقة لمدة (6) أشهر في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1965)، إذْ كان “الملازم عصمت” ضمن الناجحين الأوائل على مستوى جميع الضباط الأجانب المشاركين فيها.
شهرته في القفـــز بالمظـلات
وحال عودته إلى الوطن أضحى عضواً بارزاً ضمن الفريق العسكري العراقي للإسقاط/القفز الحر (FREE FALL) الذي أسسه “الرائد المظلي محي الدين سيد عبدالله الطيار”، وهو أول فريق من نوعه في تأريخ مظليّي الجيش العراقي، ليكون -مع نخبة منتقاة من الضباط وضباط الصف الذين إمتازوا بالشجاعة والمجازفة والفكر الجوال- أحد أبرز ممثلي القوات المسلحة العراقية في معظم سباقات القفز/الإسقاط الحر للمنتخبات العسكرية والرياضية لدى معظم دول العالم حتى أواسط السبعينيات وقتما كان “الرائد المظلي عصمت” قد أحرز أرقاماً قياسية عالمية إثر تحقيقه -ربما- بضعة آلاف من القفزات الحرة سواءً بإستخدام السمتيات/الهليكوبترات أو طائرات النقل الخفيفة والمتوسطة والكبيرة، وقد ظلّ في هذا المسلك الصعب -الذي هواه إلى جانب إحترافه له- حتى إضطر لفراقه لدى قبوله ضابطاً تلميذاً في كلية الأركان والقيادة عام (1974) بدورتها (41) ليُمنَحَ شهادة “ماجستير بالعلوم العسكرية” يوم تخرجه برتبة “رائد ركن قوات خاصة” عام (1975)، مواصلاً تدرجه في مناصب الركن وقيادة وحدات القوات الخاصة وتشكيلاتها.
رئيس قسم القوات الخاصة في الكلية العسكرية
من الأعمال التي يُفتـَخَر بها أن “النقيب عصمت”، قبل قبوله في كلية الأركان والقيادة مباشرة، أنه كان بمنصب “آمر قسم القوات الخاصة” في الكلية العسكرية التي تولّت في النصف الأول من السبعينيات إشراك طلابها -حين يبلغون عامهم الدراسي الثالث- بدورات كل حسب الصنف الذي يرغبه ويروم الإنتساب إليه قبل تخرجه في الكلية برتبة “ملازم”… ويشهد الجميع بأن “عصمت” هو الذي بادر لتأسيس (قاعدة مادية/بنية تحتية) وساحات يُضرب بها المثل لإقحام الطلاب في مجالات التدريب العنيف والتعلـّم الأرضي على ركوب طائرات النقل والسمتيات تمهيداً للقفز بالمظلات، بحيث أضحى آمر الكلية “العميد الركن داود محمد الجنابي” يتباهى بذلك أمام كبار الزائرين من القادة العراقيين والعرب والأجانب ويشيد بـ”عصمت” ويفتخر بهذا الـمُنجز.طـيــب صفــاته وسمو أخلاقه
في جميع مراحل عمره عُرف “عصمت” ببشاشة وجهه وإبتسامته المحبوبة على محياه وشخصيته الأخاذة وعلاقاته الواسعة مع الجميع، ناهيك عن شجاعته التي لا تضاهى ودماغه الذي لم يكن يتوقف عن التخطيط والتفكير لأغراض التطوير، وذلك إلى جانب مزاحه وسلاسة حديثه ومقالبه حيال أصدقائه وأقربائه ومعارفه وخصوصاً في مرحلة الكلية العسكرية ووقتما بات ضابطاً في مقتبل العمر، وبالأخص حين يجلس مع البعض من أصدقائه الحميمين الحاملين لخصلته، وفي مقدمتهم “شهاب أحمد محمد علي وإحسان محمد رشاد” اللذين إذا إستهدفا -برفقة “عصمت”- شخصاً ما فإنهم لا يتخلـّون عنه إلاّ بعدما يجعلوه غارقاً في البكاء.
لم تتوطد صداقة الأخوّة والرفقة بيننا -وكلانا برتبة “ملازم”- إلاّ بُعَيدَ عودته من دورته بالولايات المتحدة أواخر عام (1965) وقتما أضحى عضواً بارزاً وسط فريق القفز الحر بمدرسة المظليين، في حين كنتُ ضابطاً بالحرس الجمهوري، حتى ظن معظم المعارف والزملاء كوننا أخوين أو أولاد عمّ لكوننا في معظم الأيام والمناسبات مترافقـَين، إضافة إلى طول قامتينا والبعض من أوجه الشبه الخَلقي بيننا في تلك المرحلة وما بعدها، ولكن مع فارق الإبتسامة والبشاشة اللتان إمتاز “عصمت” بهما.
في عموم خدمته العسكرية التي طالت (32) عاماً، أُشتـُهِرَ “عصمت” برعايته الأبوية والأخوية لمرؤوسيه ضباطاً وجنوداً وإلتزامه بهم في الدفاع الشجاع عن حقوقهم وتسيير أمورهم اليومية وحل مشكلاتهم وإراحتهم والتعاطف مع ترقياتهم ومكافآتهم وفقاً للقوانين والتعليمات المرعية، إضافة إلى طيب عشرته معهم وعدم التفريق بين هذا وذاك، والإبتعاد قدر الإمكان عن معاقبتهم إلاّ عند الضرورة القصوى، وقد تلمّستُ ذلك في العديد من المواقف التي جمعتني وإياه في السلم والحرب… وقد عُرِفَ عنه كذلك إندفاعه أمام جنوده وتواجده بين ظهرانيهم في أقصى الأمام وإتخاذه لقرارات حاسمة وسط أصعب المواقف وفي جميع الحروب والعمليات والمعارك التي خاضها، وما أكثرها في حياته، مع حرصه الشديد على أرواحهم وعدم قذفهم تحت رحمة النيران المعادية من دون تمهيد في أية عملية هجومية أو دفاعية بإستثمار أقصى ما متاح تحت إمرته وإسناده من نيران أسلحة ثقيلة ومدافع وطائرات وسمتيات متنوعة، وذلك فضلاً عن زياراته التي لم تنقطع للمصابين منهم أثناء التدريب والتمارين ولجرحى المعارك والقتالات خلال تمتعه بأية إجازة دورية أو عند تبوئه مناصب عليا في “بغداد”، بل كان حريصاً دائماً على حضور مجالس الفاتحة المقامة على أرواح الشهداء من الوحدات والتشكيلات التي
قادها ومتابعة شؤون عوائلهم إضافة لرعايته للمعوقين وأهليهم، وحتى لـما بات مديراً/ قائداً للقوات الخاصة فإنه لم يكن يستقر بمكتبه في “معسكر الرشيد” ببغداد يوماً أو يومين بالأسبوع ليقضي الأيام الخمسة الأخريات بين ألوية القوات الخاصة الثلاثة أينما تتواجد وحداتها وتنتشر في جبهات جنوبي الوطن وشماليه… لذلك، ولأسباب ومواقف أخرى عديدة، فقد إحترمه جميع القادة الذين عمل “عصمت” تحت إمرتهم مثلما أَجَـلّه مرؤوسوه وإحترموه عن قناعة وأطاعوه وأحاطوا به وإرتاحوا لحسن تعامله وإستقباله لهم ببشاشته المعهودة سواء في مكتبه أو مسكنه، ليس من أجل مصلحة، بل تقرّباً إلى ذاته ومواصلة صداقته وتمتّعاً برؤياه والإستمتاع لحديثه المليء بالإرشاد والحكم والنصح والمواعظ… وقد ظل يردد موعظة الأجداد التي آمن بها وطبقها حتى نهاية حياته:-
((لا يُذكَر الإنسان في حياته وبعد مماته سوى بعذوبة لسانه))
تعمّقي في مكامنه
تشير أحاديث وحكم عديدة توارثناها إلى كون ((السَفـَر)) على وجه الخصوص كاشفاً لمكامن الإنسان ودقائق كوامنه، فإضافة إلى معايشتي مع “عصمت” صديقاً وأخاً حبيباً وإختلاطي الحميم معه منذ أواسط الستينيات والتي توثقت بعلاقات عائلية منذ الستينيات، فإننا لم نتمتع بسفرات مشتركة إستغرقت أكثر من نهار واحد خلال (3) عقود من طيب العشرة، حتى شاء حسن القدر خلال عام (1986) أن يرأس – بصفته مديراً/قائداً للقوات الخاصة العراقية- وفدين لضباط من صنفه كنت في كليهما ممثلاً لوزارة الدفاع، أولهما لأسبوع واحد في أوائل ذلك العام لزيارة مؤسسات ووحدات الجيش المصري المشتملة لثلاث قيادات منفصلة ((القوات الخاصة، المظليين وقوات الصاعقة))، وثانيهما لأسبوعين في صيف العام نفسه لحضور مناورات ضخمة بإستخدام الأعتدة/الذخائر الحقيقية وبإسناد مدفعي وصاروخي وجوي ثقيل للغاية بمئات القاصفات الثقيلة وطائرات الهجوم الأرضي لم أصادف مثيلاً لها حتى في الحروب والمعارك الكبرى الحقيقية التي خضتها طيلة خدمتي العسكرية، وقد أُقحمت في تنفيذ متونها وتفاصيل عملياتها المتلاحقة (8) فرق سوفييتية خاصة بجميع تشكيلاتها ووحداتها المحمولة بطائرات النقل العملاقة والسمتيات/الهليكوبترات الضخمة وسواها، وإشتملت ميادينها معظم بقاع “جمهورية جورجيا السوفييتية” أزاء عدو مفترض يخترق حدود تلك الدولة العظمى من إتجاهات “أفغانستان، إيران، تركيا” في وقت واحد… ففي غضون تلك الأسابيع الثلاثة على وجه الخصوص، مضافاً إليها إنقضاء الأعوام وتقدّم العمر وصقل الحياة، فقد تَلَمَّسْتُ في شخص “عصمت صابر عمر” -كما تلمّس فيه كل من جالسه
عن قرب- إنساناً محبوباً، مجتهداً، ذكيّـاً، متفوّقاً، محترماً، ودوداً، حَسَنَ الهندام، مذوّاقاً في إختيار مرتدياتهِ، سلس الكلام، ممتع الحديث، مُجيد الإنصات، حاضر البديهة أثناء المزاح ولـمّا يجدّ الجدّ، حَسَنَ المعشر، دَمِثَ الأخلاق، كريم النفس إلى حد السخاء، معتدل الآراء، واصل الأرحام، صائب القرارات، هادئ الأعصاب في أحلك المواقف وأعظمها ضراوة بشكل يُحسَد عليه، حازماً في الشدائد وحاسماً متى ما تطلّب الأمر ذلك، متواصياً بالحقّ والصبر، لم تأخذه في قول الحقّ لومة لائم، كارهاً للغيبة على أشكالها حتى لو كان صاحبها مسيئاً… وقد وجدته فاضلاً متواضعاً، مدركاً للأمور، مقدّراّ للمواقف، مؤمناً بأن لكل مقام مقال، زاهداً بأمور الدنيا، نظيف اليد، عزيز النفس، مرفوع الرأس، حريصاً يشوبه بعض القلق على أولاده وأفراد أسرته وأقربائه، مترفِّعاً عن المادّيات، لم يصبه علو رتبه ورفعة مناصبه والمكافآت المعنوية والمادية المغدقة عليه بأي غرور بل أبقته في منتهى التواضع مثلما كان ديدنه في مقتبل عمره، فقد كان “عصمت” بشخصيته الأخاذة وأخلاقه السامية أرفع منها وأعظم.
لياقته البدنية
إمتاز “عصمت” بلياقة بدنية عالية، إذْ ظلّ محافظاً على وزنه بتناوله طعاماً متواضعاً ومتوازناً إبتغاء الحفاظ على رشاقة بنيته، وذلك على العكس من زملائه الذين ما أن علت رتبهم ومناصبهم بعض الشيء حتى غدوا أصحاب كروش، ولكن قانوناً صارماً صدر عام (1979) قضى على إخراج كل ضابط من الجيش يزيد وزنه عن حدود معينة ضمن جداول خاصة بإحالته على التقاعد وفقاً للفقرة (د) المعيبة والمسماة بـ(عدم الكفاءة)… وقد أعانته على ذلك إحترافه للقفز الحر ناهيك عن حيويته وممارسته للرياضة الصباحية والمسائية طيلة حياته وكأنه ما زال تلميذاً في الكلية العسكرية، ومواصلته عليها حتى خلال تمتعه بإجازاته الدورية، ومواظبته على ذلك وبمعدلات يومية حتى بعد تسنمه مناصب الركن والقيادات العليا ولغاية ترقيته إلى رتبة “لواء ركن” عام (1987) وما تلاه.
وقد تصادفتُ معه في أكثر من مناسبة فتلمستُ مدى حيويته وصبره على العمل الحثيث من دون كلل أو ملل… وعلى سبيل المثال فقد كان آمراً للواء القوات الخاصة/32 بمعسكر “الكوت” وقتما إستضافني مع اللواء المشاة/419 الذي كنت أقوده لليلة واحدة من (حزيران1981) في طريقي إلى الجبهة الجنوبية، فبعد أن سهرنا معاً حتى الفجر قبل أن أودعه متحركاً إلى قاطع “البصرة”، فقد أعلمني في ساعة الوداع أنه سيتوجه لتنفيذ مهمة إستطلاع واسعة في قواطع الفرق المرتبطة بالفيلق/2 (الجبهة الوسطى) تدوم يومين كاملين… وحين كان لوائي منتشراً في قاطع
“الأحواز” وسط قاطع الفرقة الآلية/5، فقد زارنا مع ضباط ركنه وآمري أفواج لوائه لثلاثة أيام متتالية بمهمة إستطلاع مشابهة برفقة “العقيد المظلي عبدالإله الفتيان” آمر لواء مغاوير الفيلق/3، لم أجد “عصمت” خلالها نائماً أو حتى راقداً، فقد كان همّه إنجاز الواجب والإطلاع بدقة وبالتفصيل على قاطع كل فوج ولواء متمترس في جبهة الحرب ليكون بالصورة الكافية إذا ما طُلِبَ منه التدخل لأي طارئ.
مناصبـه الأعلى فالأرفع
بعد مواصلة “عصمت” مهمته العصيبة الأولى تلك في أرض “لبنان” طيلة (11) شهراً خلال (نيسان1976-شباط1977)، فقد كُّلـِّفَ ثانية بمهمة مشابهة خلال عام (1978) -لم أتعرف على تفاصيلها- ليعود من كليهما مرفوع الرأس بارز الصدر، فقد ترفع -وفقاً لإستحقاقه- إلى رتبة “عقيد ركن” وتبوأ منصب “آمر/قائد جحفل لواء القوات الخاصة/32” ليهيء أفواجه الثلاثة مع وحداته الساندة والمعاونة بجميع مناحيه وبكل ما أوتي من عزم وجدارة وغيرة على هذا الجيش وهمّة عالية لخدمة الوطن لخوض أية مهمة صعبة كان أهلاً لها، وذلك قبل أن تندلع الحرب الضروس حيال “إيران” يوم (22أيلول1980) وفي عاميها الأولين متدرجاً نحو رتب أعلى ومناصب أرفع حتى شغل منصب “ضابط ركن أول” في قيادة فرقة وآمر لواء المشاة/19، وتم ترشيحه ليخوض معترك الدراسة ولعام تقويمي كامل في مقاعد “كلية الحرب” بجامعة البكر للدراسات العسكرية العليا خلال سنوات القتال والمواجهة ومُنِحَ شهادتها (الدبلوم العالي في العلوم العسكرية) وقتما كُلـِّفَ بقيادة “قوة حماية منشأة عكاشات” في أقصى غربي العراق لإستخراج مادة “الفوسفات” والتي قيلت أن “إسرائيل” تخطط لضربها بطيرانها المقتدر أو تدميرها يإنزال جوي بقواتها الخاصة المعروفة بجرأة التخطيط وكفاءة التنفيذ، حتى جاءه أرقى المناصب في صنفه بعد نيله رتبة “عميد ركن” حين أمسى (مديراً/قائداً للقوات الخاصة) في الجيش العراقي وقبل أن تناط إليه قيادة فرقة المشاة/4… وقد أبلى بلاء مشهوداً في جميعها أثناء تلك الحرب وكذلك بعد أن وضعت أوزارها عام (1988)، ليضحى -لنظافة يديه وطهارة ذاته بشهادة الجميع- مديراً للعقود والمبايعات في وزارة الدفاع.
حسد يتيم تبادلناه
كان الشيء الوحيد الذي حَسَدتُ “عصمت” عليه أني لم أجد فرصة للإنخراط في الصنف المظلي لأغدو ضابطاً في صفوفه وأمسي من بعد ذلك عضواً في فريقه للقفز الحر بالمظلات الذي طالما حلمتُ به… إلاّ أنه أباح لي حسداً أعظم يوم إستحصالي شهادة الطيران الخصوصي (P.P.L) إثر إجتيازي لدورة مسائية في
وقتي الخاص طالت (5) أشهر في صفوف “نادي بن فرناس الجوي” عام (1979)… فرغم ممارسته للقفز الحر بالمظلات لـ(10) سنوات متتالية ضمن المنتخب العسكري العراقي ممتطياً جميع طرز الطائرات والسمتيات العراقية المخصصة لنقل المظليين مئات المرات وربما الآلاف لدى القوة الجوية وطيران الجيش العراقي والعشرات من شبيهاتها لدى دول الشرق والغرب والشمال والجنوب والذي يفترض معه أن يكون “عصمت” قد أُشبِعَ من ركوب الطائرات لحد التخمة… ولكنه ظلّ يتحسر كي يقود طائرة بمفرده غير مكتفٍ بمجاملة الطيارين لشخصه وجلوسه شبه الدائم إلى جنبهم على مقعد الطيار المساعد في مقصورة القيادة وحتى تبلغ الطائرة إرتفاعاً عالياً قبل المباشرة بعملية القفز وفقاً لتوقيتات مخطط لها.
“عصمت” المكلـوم بفلـذة كبـده
طوال قربي منه وإختلاطي معه والصداقة الحميمة التي جمعتنا لما زاد عن ربع قرن من الزمان، لم أستشعر بـ”عصمت” منهار الأعصاب وغير متوازن إلاّ يوم أضاع سوء القدر من بين يديه أحد أعز فلذات كبده المتمثل بإبنه البكر “عمر” في ربيع عمره البالغ (14) عاماً، وذلك إثر تعرضه لضربة في رأسه من سيارة عابرة عام (1984) بانت خفيفة وبسيطة وخالية من الخطورة في ساعاتها الأولى، وذلك في ذات اليوم الذي إستشعر فيه “عصمت” بزهو وفخر إثر صدور مرسوم جمهوري يحمل إمضاء “صدام حسين” يقضي بتعيينه “مديراً/قائداً للقوات الخاصة”، فقد رقد إلى جانب ولده “عمر” المغمى عليه محتضنه لثلاثة أيام بلياليها في مستشفى الجملة العصبية ببغداد قبل أن يوافيه الأجل المحتوم فيواريه الثرى بين يديه الحنونتين وقتما كنا ننظر إلى ذلك المشهد الأبوي المفجع وسط مقبرة “الشيخ عمر السهروردي” في قلب “بغداد” حيث خارت قواه وترنح ولم يعد قادراً على الوقوف بتوازنه المعهود تصحبه دموع غزيرة تدفقت من جوف عينيه فغمرت وجنتيه ورقبته، فقد كُلِمَ هذا الرجل الحريص على أولاده وبيته وجميع أهله بين عشية وضحاها…. ومع ذلك ورغم هول المصيبة فلم تنقضِ سوى أسابيع معدودات على هذه الفاجعة التي تلاها شيب مفاجئ بان على حاجبيه بسرعة مذهلة جلبت أنظارنا جميعاً، حتى عاد لواقعه مؤامناً بالقدر وراضخاً للأجل الذي لا يستقدم ساعة ولا يستأخر… ورغم الواقع المروع الذي قلب موازين بيته وأفراد عائلته ووالدته التي تقدم بها العمر كثيراً، وبكاء “أم عمر” المرير وغير المنقطع ليل نهار على ولدها البكر وإضطرار العائلة إلى الإنتقال من ذلك المسكن الذي يتراءى فيه “عمر” في غرفة نومه بل وكل جنبات البيت، فقد كان “عصمت” خير ظهير لها في تقاسم أوزار هذه المحنة بنصائح لا تنتهي، مذكرة إياها بسوء القدر المكتوب وأمانة العلي المقتدر التي إسترجعها ولا حول ولا قوة إلاّ للواحد الأحد، مصحوبة بآيات قرآنية وأحاديث تهدئ الروع وتخفف بعض الشيء من الآلام والأوجاع والأرق… ولكن في جلساتنا الخاصة معنا فإن دموعاً غزيرة كانت عيناه تصبانـها عند إسترجاع ذاكرته
لإحتضانه “عمر” في طفولته وصباه ومدرسته وكيف كبر وبات فتىً قبل أن يدفنه بيديه.
أفجع الكــلام وأبلغه
والآن لا بد لي في السطور الأخيرة من هذه المقالة -التي لا يمكن أن تـَفي بما أكمنه في جوفي من تفاصيل تغطي مجلداً وليس مجرد كتاب، وفي يقيني أنها لم تـُغَطِّ سوى جزء يسير من مسيرة الأسطورة “عصمت صابر عمر”، بما لم أقتدر نسيانه- أن أذكر يوم الإحتفاء بأربعينية إستشهاده مغدوراً به، حين إستأذنتُ من أهله لأنتقل إلى الطابق العلوي من منزله في “الدورة” وبصحبتي ولده الثاني “علي” حيث مكتبته المخصصة لإستقبال زائريه من أصدقاء وزملاء ومعارف وغرباء، لأعيد البعض من الذكريات العزيزة على نفسي وعقلي وقلبي المفجوع وألقي نظرات وداع فاحصة نحو العشرات من الصور الشخصية التي كان يعلقها على جدرانها ويعتز بها، فالبعض منها في الخط العلوي وقد جمع “عصمت” مع شخص “صدام حسين” بمفردهما، وأخريات أُلتـُقِطَت له إلى جانب العديد من كبار الشخصيات العراقية والعربية والأجنبية، تليها في الخطين الثاني والثالث صور تذكارية أبدع تحتضن مواقف نادرة في خضم مواقف عسكرية صعبة من حياته المتخمة بها، فيما تناثرت شهاداته الجامعية العالية في العلوم العسكرية (بكالوريوس الكلية العسكرية، ماجستير كلية الأركان والقيادة، دبلوم عالي كلية الحرب) وأخريات نادرات إستحصلها خلال خدمته العسكرية التي تجاوزت (32) سنة متلاحقة كانت حُبلى بأحداث صنعها “عصمت” بذاته وقرارات صعبة إتخذها بشخصه في ظروف حالكة ومواقف عصيبة… أما سطوح مناضد المكتبة فقد إمتلأت بكؤوس ذهبية وفضية وبرونزية تشير إلى مدى بروزه في سباقات القفز الحر بالمظلات، ليس على مستوى العراق ودول العرب والإسلام بل في مصاف العالم كله… أوانئذ، وبعد أن أجهشت ببكاء مرير، لم يعد قدماي قادرين على حمل جسدي وقوفاً، فإلتجأت إلى ذلك الكرسي الذي طالما إحتضنني طوال أوقاتي بصحبته، فتناولت المصحف الكريم لأتلو “سورة ياسين” التي كان يعشقها ويحفظها عن ظهر قلب، وبعد أدائي لصلاة العشاء توجهت وقوفاً نحو القبلة الشريفة وبدموع غزيرة ظلت تنهمر طيلة ساعة من ذلك اليوم وبشكل غير مسبوق في كل سنيّ حياتي، لأختمها بسورتي “الفاتحة والإخلاص” مع وافر الدعاء من الأعماق على روحه المعطاء في فردوس جنات الرحيم المقتدر وعليّيه.
لكني بعد كل ذلك لم أتمالك نفسي فـ((بصقتُ سبع مرات)) نحو هذه الدنيا ((الدنيئة-السافلة-الساقطة-الفانية)) المشوبة بإنعدام الوفاء وضراوة الإنسان وإنحطاطه ودناءته وسقوطه الأخلاقي وسفالته ووحشيته ومدى غدره حيال أخيه
حفاظاً على ماله وجاهه وكرسي حكمه الزائل مهما طال عهده، وعدم إتعاضه بالموت ودروس الماضي والحاضر… أوانئذ لم يرد على بالي سوى أبيات شعر رصينة من حِكَم “الإمام الشافعي” (رض) وقد أطلقها بحزن عميق قبل (13) قرناً:-
نعـيـب زمانـنـا والعـيـب فـينـا ومـا بزمانـنـا عـيبـاً سـوانـا
ونهجو ذا الزمــان بغيـر حــق ولو فطن الزمان لنا هجانـا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ونأكـل بعضنا بعضـاً عيـانـا
شكر للأعزاء وتقدير
وفي ختم الختام أجد وجوباً على نفسي سرد أسماء البعض من أصدقاء “عصمت صابر” الحميمين، والذين قد أكون على يقين تام من معرفتهم لتفاصيل أوسع وحقائق أعمق بكثير ممّـا فرشته أمام ناظريهم، داعياً -ممّن أمدّ الرحمن الرحيم في أعمارهم- أن يخوضوا في إستذكارها وتسطيرها وفاءً لصديقهم المغدور به… وهم كل من السادة:-
1. الأستاذ إبراهيم خورشيد آرسلان.
2. الأستاذ أرشد جبار آغا هرمزلو.
3. اللواء الركن شهاب أحمد محمد علي.
4. اللواء الركن إحسان محمد رشاد.
5. العميد الركن ثابت عبدالغفور.
6. الفريق الركن (مؤخراً) سعدالله زين العابدين.
7. العميد الطيار محمد أحمد محمد علي.
8. الفريق المظلي-الطيار محمد عبدالله الشهواني.
9. الفريق الركن يالجين عمر عادل… رحمة الله عليه.
10. السيد عبدالغني مصطفى السامرائي… رحمة الله عليه.
(*) لا بد من توجيه وافر الشكر وعميق الإمتنان لكل من دعمني في إستكمال هذه المقالة، والذين أغنوا معلوماتي التي كانت بحاجة إلى مصداقية وصقلوا وإضافوا تواريخ محددة عن أخينا “عصمت صابر” وصححوا لي عدداً من الأخطاء، وراجع البعض منهم مسودتها… وهم أصدقاؤه المميزون:-
1. اللواء المظلي “محي الدين سيد عبدالله الطيار” – هو الضابط الأقدم لأول دفعة ضباط من الجيش العراقي عام (1954) والذين تخرجوا بعد إجتيازهم دورتهم المظلية الأولى في “بريطانيا”، وكان برتبة “رئيس أول/رائد” وآمراً/قائداً لمدرسة المظليين وقتما إنتمى “الملازم عصمت صابر” لهذا الصنف عام (1963)، وهو المؤسس الأول لفريق الإسقاط/القفز الحر الذي أصبح “عصمت” عضواً بارزاً فيه.
2. الأستاذ “إبراهيم خورشيد آرسلان” الموظف المخضرم لدى المجمع العلمي العراقي- إبن عمته وصديق عمره الوفي لغاية يوم مصرعه.
3. اللواء الركن شهاب أحمد محمد علي البياتي- جاره في “قلعة كركوك” وصديق عمره منذ الطفولة وجميع مراحل الدراسة والكلية العسكرية وما بعدها وحتى مقتله.
4. العميد الركن ثابت عبدالغفور بلاوالي – إبن دورته في الثانوية والكلية العسكرية وصديق عمره حتى يوم وداعه.
5. العميد الطيار محمد أحمد محمد علي البياتي- جاره في “قلعة كركوك”، وصديق عمره حتى وافاه الأجل المحتوم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات