23 ديسمبر، 2024 7:35 ص

كيف أسس الجيش العراقي كلية أركانها في الثلاثينيات؟؟؟

كيف أسس الجيش العراقي كلية أركانها في الثلاثينيات؟؟؟

أول الـغـيــث
لا بدّ من الإستذكار أن العراق بولاياته الأربع بعد أن رضخ تحت الحكم العثماني طيلة أربعة قرون وقبل أن تنبثق دولته الفتية في أوائل العشرينيات من القرن المنصرم، فقد كان لزاماً على كبار الضباط العراقيين من أولئك القادة الذين شرعوا بالتخطيط للمباشرة بتأسيس دوائر الجيش العراقي بدءاً من المربع الأول وخاضوا المصاعب لإعلاء أولى لبناته وإنشاء دوائره ومكاتبه منذ تقرر تشكيل وزارة الدفاع لدولة العراق يوم الخميس الموافق (6/1/1921)، وتهيأوا لتأليف أفواج مشاته وكتائب خيالته وبطريات مدفعيته وصنوفه الأخرى وخدماته، أن يشرعوا بادئ ذي بدء بتهيئة مجموعة من الضباط العراقيين الذين تسابقوا لدرج أسمائهم في (سجل وزارة الدفاع العراقية)، والذين كانوا في معظمهم قد خدموا ضباطاً برتب ومناصب متنوعة وخاضوا حروباً ومعارك وسط تشكيلات الجيوش العثمانية وفي بقاع شتى قبل الحرب العظمى الأولى وأثناءها، حتى وضعت أوزارها وإنهارت الدولة العثمانية وتفككت أوصالها في أواخر عام (1918)، وذلك بإعادة تدريب أولئك الضباط مجدداً على أسس التعليم وفقاً للأساليب المتبعة لدى المؤسسات العسكرية البريطانية… ولتحقيق ذلك، وفي يوم (9/5/1921) تحديداً، صدر الأمر بإنشاء أول مؤسسة تدريبية تفتح في الثكنة الشمالية ببغداد في محلة “الكرنتينة”(1) تحت تسمية “المدرسة العسكرية” لغرض إجراء التدريب الأساس لزهاء (250) ضابط عراقي برتب مختلفة وإعادة معلوماتهم وتهيئتهم لتسنّم مناصب متنوعة في قادم الأيام(2).ومع توالي إنبثاق أفواج المشاة وسرايا الخيالة وبطريات المدفعية فقد غدت الحاجة قائمة لضباط في مقتبل العمر يخدمون في وحدات جيش فتيّ يبتغي بناء ذاته وتطوير قدراته ومضاعفة وحداته بإستمرار وضرورة إمداده بعدد مخطط له وبمعدلات سنوية من ضباط شبان مثقفين وذوي لياقة بدنية عالية وفكر ثاقب متنورين بعلوم ومعلومات عسكرية حديثة ومدارك ثقافية ومعارف مختلفة، ولذلك كان لزاماً على قادة الدولة والجيش إتخاذ قرار بتأسيس “المدرسة العسكرية الملكية” لتستقبل تلاميذ دورتها الأولى يوم (12/5/1924) ليخوضوا تدريباً عملياً لقيادة حضائر وفصائل ويتلقـّوا دروساً نظرية علمية وأدبية وتأريخية وباللغتين العربية والإنكليزية ومعلومات عامة في صفوفها لثلاث سنوات تقويمية قبل أن يتخرجوا ويُمنحوا رتبة “ملازم ثان” بمرسوم ملكي(3) ويوزّعوا على وحدات الجيش وصنوفه وخدماته بأمر وزاري(4)… تلك المدرسة التي بقيت على تسميتها الأصل قبل أن تحمل إسم “الكلية العسكرية الملكية” حتى يوم (6/5/1939)(5). التفكير لإنشاء مؤسسة أركان عراقية
          كان عدد من كبار ضباط الجيش العراقي الفتي من أولئك الذين إنتقـتهم رئاسة الأركان العامة للجيوش العثمانية بشخوصهم وإلتحقوا للدراسة في صفوف “مدرسة أركان الحرب السلطانية” المرتبطة مباشرة برئاسة الأركان آنفة الذكر ولثلاث سنوات تقويمية قبل أن يتخرجوا فيها برتبة “نقيب أركان حرب”، وكان من بينهم “الفريق جعفر العسكري” أول وزير دفاع في الدولة العراقية و”العقيد نوري السعيد” أول رئيس أركان للجيش العراقي في باكورة المباشرة بتأسيسه(6)، لذلك فإنهم بشكل عام كانوا يقدرون أهمية أن يمتلك الجيش العراقي مؤسسة تعليمية عسكرية عليا يتلقى فيها نخبة منتقاة من الضباط العراقيين علوماً نظرية عسكرية وتأريخية وجغرافية وقانونية وسياسية ذات مستويات عليا ويخوضون تطبيقات عملية فيتخرجون ليعملوا في أول الأمر بمناصب ركن صغيرة في تشكيلات الجيش القتالية ودوائره العليا، وقبل أن يتم تعيينهم بعد سنوات من الخدمة العملية ليتسنـّموا مناصب لقيادة أفواج وكتائب ثم ألوية، وربما قادة فرق حين تتشكل في المستقبل المنظور(7).
          كان “نوري السعيد” الذي تخرج برتبة “ملازم” في “المدرسة الحربية-إستانبول” عام (1906)، وقـُبِلَ في “مدرسة الأركان” العثمانية عام (1911) وخدم بصفة ضابط ركن في أحد فيالق الجيش العثماني، وإنضم إلى “الثورة العربية” التي إنطلقت من “الحجاز” عام (1916) وعُيِّنَ رئيساً لأركان جيشها ومُنِحَ رتبة “لواء ركن” هناك، وأمسى من أحد أقرب المقربين إلى “الأمير فيصل بن الحسين” والذي كان له دور مشهود في تتويجه ملكاً على العراق عام (1921)(8)، وربما لذلك –وخصوصاً بعد أن عُيِّنَ رئيساً لأركان للجيش العراقي في (12 شباط1921)(9) راضياً بتخفيض رتبته العالية تلك إلى “عقيد ركن” إستناداً إلى قانون إحتساب خدمة الضباط، وحتى بعد أن تسنّم حقيبة وزارة الدفاع عام (1923)(*)- فقد كان من أكثر القادة المندفعين للمطالبة من “بريطانيا” بضرورة تأسيس كلية أركان عراقية، إذْ لم يَرضَ بمجرد قبول سلطة الإنتداب البريطاني بإيفاد ضابط واحد أو إثنين سنوياً إلى “مدرسة الضباط الأقدمين البريطانية” بولاية “بلغوم” الهندية(10)، وبالأخص بعد أن تضخمت ملاكات الجيش بإضطراد وباتت منذ عام (1925) موزعة في بقاع عديدة من الوطن بدءاً من “السليمانية، كركوك، الموصل، شرقاط، تلعفر، زاخو” في الشمال ونزولاً إلى “بغداد، الحلة، والناصرية” في الوسط والجنوب وعلى شكل قيادات مناطق تحتوي وحدات قتالية وساندة ومعاونة وخدمات ودوائر ومستودعات ومستشفيات، بحيث أن الحاجة إلى العديد من ضباط ركن في مقتبل أعمارهم يتسلّمون مناصب متنوعة لدى الدوائر العليا في رئاسة أركان الجيش ويعاونون قادة المناطق الجغرافية ومواقعها العسكرية في وضع الخطط وإدارة المقرات وزيارة القطعات المتمركزة هنا وهناك وبواقع (ستة) أفواج مشاة وعدد من بطريات المدفعية وكتائب الخيالة والرَمّاحة وسواها، فضلاً عن وحدات أخرى كانت في طريقها إلى التشكيل وبرامج لتأليف قيادات ألوية تنضوي تلك الوحدات تحت إمرتها، أمست ضرورة مُلحّة لا ينبغي تأجيلها(11).                                     
          وبعد أن تبوأ “العقيد الركن طه الهاشمي” منصب رئيس أركان الجيش (3/11/1923) وقتما أضحى “نوري السعيد” وزيراً للدفاع أصالة والذي سيواصل عمله رئيساً لأركان الجيش بالوكالة لفترات متعددة وطويلة(12) فقد بقيت المكاتبات بين الجانبين العراقي والبريطاني لتأسيس “مدرسة أركان عراقية” سجالاً لـ(خمس) سنوات، على الرغم من إدعاء الطرف البريطاني الممتلك لمِقوَد تحريك الأمور في أوساط الدولة العراقية الناشئة وعلى ألسنة مسؤوليه بأنهم جادّون في سبيل تقوية الجيش العراقي وجعله من أقوى جيوش المنطقة كافة… فالبريطانيون ظلّوا يماطلون في هذا الشأن تحت ذرائع متنوعة كانت في مقدمتها التكاليف المالية غير المتوفرة في خزينة الدولة العراقية والإختلافات الشاسعة بين ملاكات وحدات الجيش العراقي الفتي بالمقارنة مع ما لدى جيوش “بريطانيا العظمى” المدعمة بالمدافع الضخمة والطائرات القاصفة الثقيلة والبارجات والمدمرات البحرية العملاقة التي تنتشر في معظم أرجاء العالم في حينه، ورؤية الجانب البريطاني بضرورة إكتفاء الجانب العراقي بما تبديه “بريطانيا” من تسهيلات في تخصيص بضعة مقاعد لضباط عراقيين يدرسون في مدارس عسكرية متقدمة تابعة لبريطانيا بغية الإطلاع على ما لديهم من العلوم العسكرية الحديثة، وذلك فضلاً عن قبول معايشة عدد مضاف وسط تشكيلات عسكرية بريطانية قتالية لسنة تقويمية واحدة يمارسون في غضونها أعمال الركن وقيادة القطعات وإدارتها ميدانياً(13). 
مدرسة الأركان العراقية
          يبدو من سير الأحداث والمكاتبات أن صبر الجانب العراقي قد نفد حين قرر تذليل المعوقات والمصاعب وباشر بإتخاذ قراره أواسط عام (1927) والقاضي بالتهيؤ لتأسيس “مدرسة الأركان” على غرار شكل مصغّر يشابه “كلية الأركان البريطانية” في “كامبرلي” شريطة أن تفتتح يوم (1/1/1928)، فصدر الأمر إلى الضباط المدرجة أسماؤهم في أدناه، والذين كانوا من البارزين في تتبع العلوم العسكرية والإستراتيجية ومتقنين لأكثر من لغة أجنبية نطقاً وكتابةً، فضلاً عن كونهم أصحاب رأي وقلم تشهد لهم كتاباتهم المنشورة، وذلك بتكليفهم للإستحضار لخوض هذا المسار العلمي الصعب وتهيئة بناية المدرسة وقاعات الدروس في ثكنة “الكرادة الشرقية” بالقرب من “المدرسة العسكرية الملكية”(14)، والمباشرة بإدارتها وتهيئة مستلزماتها وإعداد مناهجها على غرار ما هو متبع بشكل عام لدى “كلية الأركان البريطانية”، وهم:-
·       المقدم الركن صبيح بن نجيب العزي- آمراً للمدرسة ومعلماً أقدم فيها.
·       المقدم الركن محمد أمين بن أحمد العمري- معلماً أول.
·       الرئيس أول (الرائد) سليمان بن فتاح- معلماً ثانياً.
·       الميجر (الرائد) لفانو وهو -إنكليزي الجنسية- بمنصب “ناظر المدرسة”(15).
دورات الأقدمين الثلاث
بعد جهد جهيد وعمل دؤوب طال جميع الأشهر الستة للنصف الثاني من عام (1927) تم إفتتاح “مدرسة الأركان” رسمياً ومن دون تأخير وبالموعد المحدد له تماماً، وذلك في صبيحة يوم الأحد الموافق (1/1/1927)(16)، فتسنّم أصحاب تلك المناصب مسؤولياتهم بشكل رسمي بمثابة هيأة تعليمية وإدارية ليجاهدوا تهيؤاً لتنفيذ التوجيهات الصادرة من لدن رئيس أركان الجيش “الفريق الركن طه الهاشمي” للمباشرة بفتح دورة شبه تجريبية لعدد من ضباط الجيش الأقدمين كي تمارس الهيأة إلقاء المحاضرات عليهم وإشراكهم بتطبيقات ميدانية، في وقت يحاول المعلمون خلاله الحصول على محاضرات حديثة بإقتنائها من كليات الأركان البريطانية وأخريات أجنبية عن طريق “ناظر المدرسة” وبمعاونة الضباط البريطانيين العاملين بصفة مستشارين لدى المقرات العليا للجيش العراقي(17).                                   وبعد شهرين من الإستحضارات إستطاعت المدرسة إستقبال “دورة الضباط الأقدمين الأولى” طالت (3) أشهر إستغرقت للفترة ما بين (1/3-27/5/1927) بواقع (14) ضابطاً برتبة “عقيد، مقدم، رئيس أول/رائد”، كان معظمهم يشغلون مناصب قيادية متقدمة في الجيش بصفة آمري أفواج وكتائب(18)، وفي أدناه رتبهم -حسب تسلسل قدمهم العسكري- وأسماؤهم ومناصبهم(19):-
1. العقيد محي الدين واصف بن محمد- آمر مستودعات المشاة.
2.    =     صالح زكي بن أحمد- آمر الفوج الخامس.
3.    =    خورشيد فريد بن رشيد- آمر الفوج الأول.
4.    =    أحمد كمال بن محمد- آمر كتيبة الرمّاحة الثانية.
5. المقدم  محمد برقي بن شوقي- معاون آمر الفوج الثاني.
6.    =     إسماعيل بن إبراهيم نامق- آمر كتيبة خيالة الهاشمي.
7.    =     عبدالوهاب بن معروف- معاون آمر الفوج الثالث.
8.    =     مهدي بن صالح الرحال- آمر بطرية المدفعية الجبلية الثانية.
9.    =     بهجت بن عبدالله- معاون آمر الفوج السادس.
10.  =     أمين زكي بن سليمان- معاون آمر الفوج الرابع.
11. الرئيس أول(الرائد) محمد سليم بن عثمان- مقدم لواء المنطقة الجنوبية.
12.    =      =      =     شاكر بن علي- آمر الحرس الملكي.
13.     =       =      =     محمد أمين بن عبدالرزاق- مقدم لواء المنطقة الشرقية.
14. الرئيس (النقيب)    عزيز مصطفى يامُلْـكِي- ضابط في كتيبة خيالة الهاشمي.
             تلك كانت باكورة أعمال “مدرسة الأركان” العراقية التي لمست رئاسة أركان الجيش العراقي الفائدة الكبيرة التي جناها المشتركون فيها من علوم وفنون عسكرية وعملية ومعلومات عامة، وتلقوا محاضرات وشاركوا بتمرينات وتطبيقات عملية، وقاموا بزيارات إلى دواوين وزارات الدولة ومؤسساتها ودوائرها العليا، حين تقرر فتح دورة الأقدمين الثانية بدءاً من (1/9/1928) لثلاثة أشهر كذلك، ليلتحق إليها (15) ضابطاً بالمواصفات ذاتها، وذلك قبل أن تفتح مدرسة الأركان دورة الأقدمين الثالثة وللمدة نفسها وإعتباراً من (15/1/1929) وبواقع (16) ضابطاً يمثلون ما تبقـّى من مجموع ضباط الجيش العراقي من أصحاب الرتب والمناصب المتقدمة والذين لم تسنح لهم الفرصة للإشتراك بالدورتين السابقتين(20).
دورة الأركان الأولى
          وفضلاً عن فتح تلكم الدورات الثلاث، التي إنتهت ثالثتها يوم (29 آيار 1929)، وتهيئة متطلبات الدراسة والأمور الإدارية لأولئك العشرات من الضباط التلاميذ، ناهيك عن إدارة الحياة اليومية للمدرسة بكل تفاصيلها، فقد كانت الهيأة التعليمية ذاتها، وبعد أن أضيف إلى ملاكها “المقدم الركن بهجت بن صالح” بمنصب “معلم ثالث” عام (1929)(21)، تتهيأ وفقاً لخطة رصينة موضوعة سلفاً للمباشرة بفتح أول دورة أركان تجريبية وسط أروقة المدرسة ذاتها ولمدة (ثمانية) أشهر إبتداءً من شهر (أيلول 1929)، وذلك بعد أن رشح لها (15) ضابطاً رأى “المقر العام للجيش” في شخوصهم توسّم الكفاءة والقابلية المطلوبتين(22)، ولكن بعد أن إجتازوا إمتحان قبول خاص(23).
          في صبيحة يوم السبت الموافق (21/9/1929) إستقبلت “مدرسة الأركان الملكية العراقية” أول دورة ضباط أركان أساسية في تأريخ الجيش العراقي، بواقع (15) ضابطاً تلميذاً، تراوحت رتبهم بين “مقدم” نزولاً إلى “ملازم أول”، إذْ ندرج أسماءهم في أدناه -وحسب تسلسل قدمهم العسكري-، والذين تخرجوا بحضور رئيس أركان الجيش “الفريق الركن طه سلمان الهاشمي” صبيحة يوم الإثنين الذي وافق (26/5/1930) بالنتائج الآتية(24):-
الضباط السبعة –حسب تسلسل قدمهم العسكري- والذين إجتازوا الدراسة وشغلوا مناصب ركن
1.المقدم إبراهيم بن حمدي الراوي.
2.الرئيس أول(الرائد) حميد نصرت بن رشيد.3.   =        =        =       شاكر بن محمود الوادي.
4.   =        =        =       قاسم بن شكري.
5.الرئيس(النقيب) نورالدين بن محمود… الناجح الأول.
6.     =        =       إسماعيل صفوت بن سعيد.
7.     =        =        محمد بدرالدين بن إسماعيل.
أربعة ضباط ضمن الدورة الأولى لم يستحصلوا علامات عالية، وأوصت الهيأة التعليمية إستخدامهم بمناصب الركن عند الحاجة… ولكنهم بعد إثباتهم كفاءة مشهودة في حركات شمالي العراق عام (1932) فقد ثبتوا بصفة ضباط ركن1.الرئيس أول(الرائد) محمود بن حسين الشهواني.
2.الرئيس(النقيب) مظفرالدين بن إبراهيم.
3.     =          =        إبراهيم بن حمدي.
4.     =          =        محمد أمين بن عبدالحميد.
ضباط أربعة آخرون أخفقوا في إجتياز دورة الأركان الأولى فأعيدوا إلى وحداتهم
1.الرئيس أول(الرائد) سليم بن عبدالغفور.
2.الرئيس(النقيب) نعيم بن إلياس.
3.الملازم أول  إبراهيم بن خليل.
4.   =      =    حمدي بن حسين(25). إجراءات رصينة لمعالجة السلبيات
          لم تكن النتائج التي آلت إليها “دورة الأركان الأولى” مرضية وبمستوى الطموح الذي كانت رئاسة أركان الجيش العراقي وكبار قادة العراق يحلمون بها، بل إعتبروها مثبطة للعزائم بنجاح (7) ضباط فقط من مجموع (15) ضابطاً، فجلس رئيس أركان الجيش “الفريق الركن طه الهاشمي” مع الهيأة التعليمية تباعاً وبإجتماعات متتالية ليناقش السلبيات التي يجب تجاوزها من مشكلات مادية ومعنوية وإدارية وإجتماعية كانت بمثابة معوقات ملموسة جابهت الضباط التلاميذ للدورة التجريبية الأولى أثناء دراستهم التي إستغرقت (8) أشهر، ومحاولة إستدراك جملة إجراءات ينبغي إتخاذ قرارات صائبة بشأنها بغية إنجاح التجارب اللاحقة من دون قبول إحتمالات إخفاق وفشل غير مستساغة، فضلاً عن النظر نحو ضرورات تشجيع ضباط الجيش وترغيبهم للترشّح لدورات الأركان اللاحقة، ولذلك صدرت الأوامر الآتية تباعاً:-
·       لعدم كفاية (8) أشهر لتغطية متطلبات دورة الأركان، ينبغي التريث في البدء بدورة الأركان الثانية حتى مطلع عام (1931)، وإمهال الهيأة التعليمية فترة (7) أشهر للإستحضار الجيد لخوضها(26).
·       يحلّ الزعيم (العميد) البريطاني “روان رونسون” محل المقدم “لوفانو” ناظراً لمدرسة الأركان، ويبدل تسمية منصبه إلى “مفتش”.
·       ينقل الرئيس أول(الرائد) قاسم بن شكري إلى مدرسة الأركان بمنصب “معاون معلم”(27).
·       يوفد المفتش “روان رونسون” وبصحبته آمر المدرسة “العقيد صبيح نجيب” و”المقدم سليمان فتاح والرئيس أول/الرائد قاسم شكري” لمدة (3) أشهر إلى “إنكلترة” للوقوف عن كثب على تنظيم تشكيلات الجيش البريطاني، والمشاركة الميدانية في مناوراته العسكرية، والمعايشة في كلية أركانه للإطلاع على تفاصيل مناهجها ومحاضراتها وأساليب التدريس فيها وإدارة المناقشات اليومية وسط صفوفها وتطبيق تمارينها سواء في أروقة الكلية أو خارجها(28).
·       حال عودة الموفدين من “إنكلترة” عليهم إعداد مناهج جديدة للدورة الثانية والقيام بجولة مفصلة في المنطقتين الشمالية والشرقية من الوطن لوضع تمارين عملية تدوم شهرين كاملين تشتمل الدفاع تجاه خصوم العراق المحتملين(29).·       يكون أمد الدورات التالية في “مدرسة الأركان” سنتين تقويميتين بدلاً عن(8) أشهر، مثلما الحال لدى معظم دورات الأركان الأجنبية، على أن تبتدئ كل دورة في مطلع السنة التقويمية وبواقع(6) فصول(30).
·       ينقل الضابط المقبول في دورة الأركان التي تزيد مدتها على(9) أشهر من وحدته السابقة إلى الكلية بشكل دائم، ويحق بذلك نقل أسرته على نفقة الجيش(31).
·       يمنح كل ضابط طالب يشترك بدورة الأركان أرزاقاً يومية على حساب الجيش، يعادل في قياسها ما يستحقه تلميذ المدرسة العسكرية(32).
·       كل ضابط يتخرج في مدرسة الأركان ويبرهن بعده كفاءة تامة في الوظائف مدة سنتين، يجوز منحه قدماً ممتازاً يعادل مدة دراسته في المدرسة(33).
·       يعفى الضابط الناجح في دورة الأركان من إمتحان الترقية ولمرة واحدة فقط، ويعتبر نجاحه بالدورة نجاحاً في إمتحان الترقية لرتبته(34).
·       يمنح لقب “كفؤ أركان” للضابط الذي لم يَنَلْ درجة النجاح المقبولة والتي تؤهل إستخدامه في وظيفة ركن عند الحاجة(35).·       توضع إشارة (خريج مدرسة الأركان) ومختصره (خ.م.أ) قبالة إسم كل ضابط يتخرج بنجاح في هذه المدرسة… و(كفؤ أركان) ومختصره (ك.أ) مقابل إسم الضابط الذي توصي الهيأة التعليمية تصنيفه بهذا المستوى(36).
دورة الأركان الثانية
          بعد إستحضارات متقنة طالت حوالي (7) من عام (1930)، وفي صبيحة يوم الأحد الموافق (5/1/1931) إستقبلت مدرسة الأركان دورتها الثانية بواقع (16) ضابطاً رشّحتهم رئاسة أركان الجيش بالإسم إستناداً إلى التقارير السنوية المرفوعة بحقهم وإثباتهم لمقدراتهم في الدورات التي سبق لهم وأن خاضوها في مدارس الجيش، وكذلك إعتمدت على نتائج إمتحانات الترقية التي أدّوها خلال سنيّ خدمتهم، ليقضوا سنتين تقويميتين كاملتين في أروقة هذه المدرسة.
          سارت الأمور على ما يرام وتم تطبيق مناهج دورة الأركان بحذافيرها وتوقيتاتها خلال السنة الأولى من الدورة، وأُقتُرِنَت الدروس النظرية بتطبيقات عملية وجولات ميدانية في جميع أنحاء الوطن مصحوبة بتطبيق تمارين تعبوية بقطعات على البعض من الأفواج المرابطة في معسكرات “بغداد” وضواحيها…. ولكن السنة الثانية صادفت إغلاق المدرسة خلال شهر (نيسان 1932) بشكل مؤقت حين عزمت الدولة إستخدام الجيش لقمع الإضطرابات التي قامت في منطقة “بارزان”، حيث رأت رئاسة أركان الجيش تلك فرصة عملية لإلحاق الضباط التلاميذ إبتغاء الممارسة الميدانية وفي ظروف حركات عسكرية حقيقية بصفة ضباط ركن يخدمون وسط مقرات الأرتال والتشكيلات الزاحفة للإطباق على المناوئين الذين حملوا السلاح ضد الدولة، والتي طالت (3) أشهر قبل أن تضع تلك المعضلات أوزارها أواخر شهر (حزيران1932)، حين عاد الضباط التلاميذ إلى دوامهم الإعتيادي أوائل شهر آب من العام ذاته بعد أن تمتعوا بالعطلة الصيفية في مساكنهم وبين أفراد عوائلهم دامت شهراً واحداً(37).
          كان منهج الدورة في سنتها الثانية يشتمل جولة تفصيلية لتلاميذ الدورة في أهم بقاع الحدود الشمالية الجبلية الصعبة والمتاخمة لكل من “تركيا وإيران”، بدءاً من قريتي “فيشخابور- زاخو” في أقصى الشمال الغربي ووصولاً إلى بلدة “حاج عمران” في أقاصي الشمال الشرقي من الوطن، إستغرقت شهراً كاملاً، وقتما إرتأى الملك “فيصل الأول” أن يكون نجله وولي عهده “الأمير غازي الأول” بصحبة تلاميذ هذه الدورة الثانية في جولتهم، والتي إشتملت فتح طريق عام دولي جديد يربط العراق بإيران في منطقة “رايات” مضافاً إلى الطرق العديدة السابقة، حيث كان في إستقباله هيأة حكومية إيرانية والتي تقدّم رئيسها نحو “الأمير غازي” لقص الشريط إعلاناً لفتح ذلك الطريق ومباشرة موظفي المنفذ الحدوي على الطرفين بأعمالهم الرسمية(38).          كانت مدرسة الأركان في يوم السبت (31/12/1932) وبحضور رئيس أركان الجيش “الفريق الركن طه الهاشمي” متهيأة لتخريج (12) ضابطاً تلميذاً إقتدروا على إجتياز تفاصيل الدراسة في دورة الأركان الثانية بنجاح، وذلك من مجموع (16) ضابطاً قـُبِلوا فيها عند الإبتداء، وكان تسلسل نجاحهم -حسب المعدلات التي إستحصلوها- كما يأتي(39):-
الناجحون الأوائل الثمانية بدرجة (آ) حسب تسلسل علاماتهم، وقد مُنِحوا سنتي قدم ممتاز
1.     المقدم  بهاءالدين نوري.
2.     الرئيس أول(الرائد) صالح صائب محمد الجبوري.
3.         =       =        =       صلاح الدين علي الصباغ.
4.     الملازم أول  محمد نوري خيري.
5.     الرئيس أول(الرائد)  كامل شبيب.

6.     المقدم  سيد أحمد سيد محمود.
7.     الرئيس أول(الرائد)  علي غالب إسماعيل.
8.     الرئيس(النقيب)  حسين مكي خماس.
الناجحون الأربعة بدرجة (ب) وقد مُنِحوا سنة قدم ممتاز واحدة
1.     الرئيس أول(الرائد)  فهمي سعيد.
2.     الملازم أول  حمدي إبراهيم.
3.     الرئيس(النقيب)  عبدالحكيم أمين.
4.     الرئيس أول(الرائد)  محمود فياض العمري.
أربعة ضباط أخفقوا في إجتياز الدورة فأُعيدوا إلى وحداتهم
1.     الرئيس(النقيب) عبدالمجيد صالح.
2.     الملازم أول  شوكت أمين.
3.        =      =   رفعت شوكت.
4.        =      =   لازار برود روموس.
دورة الأركان الثالثة
              لإنشغال مدرسة الأركان بهيأتها التعليمية والإدارية بتسيير أمور دورة الأركان الثانية طيلة العامين (1931-1932) وتخريج منتسبيها، في وقت إرتأى المقر العام للجيش العراقي ضرورة إستشعار ما ستؤول إليه هذه التجربة المعمّقة والمـُكلِفة حتى يتلمّس قادة الجيش قطف ثمارها وتـُرفع بحق أولئك الخريجين تقارير سرية عن مستوى أدا من خلال أعمالهم بالمناصب الجديدة التي عُيِّنوا فيها بصفة ضباط ركن، ومدى الإفادة التي تجنيها القيادات والمواقع والدوائر التي أضحوا يعملون في أوساطها، ولذلك كان وجوباً الإنتظار بعض الوقت ريثما تتبين النتائج العملية للدورة الثانية، والتريث بعض الشيء في فتح دورة الأركان الثالثة وسط هذه المدرسة، لذا فقد تقرر الإكتفاء بفتح دورة أقدمين رابعة خلال عام (1933) تبلغ مدة الدراسة فيها (8) أشهر وليست كسابقاتها الثلاث التي لم تستغرق إحداها فترة زادت عن (3) أشهر، فيما تحاول إدارة المدرسة تلافي جميع السلبيات التي أُستـُشعِرت خلال الدورة الثانية وتهييء جميع مستلزمات دورة الأركان الثالثة بشكل أفضل للمباشرة بفتحها وقتما يتقرر موعد لذلك(40).