23 ديسمبر، 2024 8:50 ص

كيف أستيعدت قاعدة القيارة الجوية؟؟ وماذا بعد؟؟

كيف أستيعدت قاعدة القيارة الجوية؟؟ وماذا بعد؟؟

نبذة عن تأريخ القاعدة
ربما يكون البعض من متابعي الحرب السجال على (داعش) قد إستغربوا لسهولة إستعادة القوات العراقية لـ”قاعدة القيارة الجوية” في غضون ساعات من صباح (السبت 9تموز2016)، وقد إنشغل بالهم في الأسباب الكامنة وراءها… فهذه القاعدة الواقعة على مبعدة (15) كلم نحو الغرب من بلدة “القيارة” جنوبي محافظة “نينوى” بواقع (80) كلم عن مدينة “الموصل”، والتي تكامل إنشاؤها خلال النصف الأول من عقد الثمانينيات، وأُعتـُبِرَت من أضخم القواعد الجوية العراقية المتكاملة في كل المناحي بمواصفتها وسعتها ومدرجَيها الصالحَين لهبوط أضخم الطائرات وأسرعها ومآويها الـ(33) المحصّنات، وشبه خلوّها من النواقص والسلبيات لدى القوة الجوية العراقية المتعاظمة في حينه… وقد تمركزت فيها أفضل الطائرات المقاتلة-الإعتراضية ذات المديات المتوسطة والبعيدة، وأُطلِقت عليها تسمية “قاعدة صدام الجوية” قبل أن يٌجبَر “العراق” على تركها سائبة خلال النصف الثاني من عام (1991) إثر الحظر الجوي على شماليّ العراق وجنوبيّه، والذي فرضه “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد هزيمة القوات العراقية من “الكويت” أواخر (شباط/فبراير/1991)… وقد إستخدمها الأمريكيون بعد غزوهم “العراق” عام (2003) ولغاية تركهم وطننا أواخر (2011)، لتبقى متروكة لغاية ما إستحوذ عليها (داعش) خلال “نكبة العراق” (حزيران/يونيو/2014)، من دون أن يفيد منها طيلة سنتين لعدم حاجته إليها من جميع الوجوه.
لماذا تركها (داعش)؟؟
رغم التهويل الإعلامي العراقي والعالمي بإستعادة القوات العراقية سيطرتها على هذه القاعدة الجوية العملاقة بعد ضربات عنيفة أقدَمَت عليها الطائرات الأمريكية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يظلّ بشأن أسباب
إنسحاب (داعش) منها من دون مقاومة تـُذكَر.. وقد تكون واحداً أو يزيد مما يأتي:-
1. عدم حاجة (داعش) للقاعدة بشكل مطلق لعدم إمتلاكها أية طائرات.
2. كونها ذات مساحة واسعة للغاية يتطلب معها المئات من المسلّحين للدفاع عنها.
3. عدم صلاحية منشآتها إطلاقاً لقتال الشوارع والمناطق المبنية التي عادة ما تؤذي المهاجم كثيراً.
4. حتى لو وضعنا نصب ناظرينا توفـّر العشرات من الملاجئ المحصّنة المتناثرة وكلّ منها تؤوي طائرة أو إثنتان، فإنها تـُعَدّ أهدافاً منفردة يمكن ضربها بدقة وسهولة، وبالأخصّ بإستخدام القنابل الذكية (SMART BOMBS) أو المقذوفات المُسَيَّرة ((GUIDED MISSILES، على بهاظة أثمانها.
5. إقتصاد (داعش) لقواته القتالية إستحضاراً لخوض معركة وسط بلدة “القيارة” نفسها، أو في قادم البلدات الأقرب إلى مدينة “الموصل” الهدف الإستراتيجي الأهم.
دلالات سقوط القاعدة
لسقوط القاعدة بهذه السهولة واليُسر ومن دون مقاومة دلالات ذات أهمية بالغة، يمكن تلخيص إحتمالاتها بما يأتي:-
1. أن إنهياراً ربما أصاب معنويات مسلـّحي (داعش) فتركوا القتال.
2. أو أنهم تملّصوا لمـّا رأوا أمامهم قوة عراقية تفوق قدرات صراعهم من أجل القاعدة… وهذا تصرّف سويّ يتبعه (داعش) ضمن ما يسمّى بـ”حرب العصابات”.
3. تركوا حتى الملاجئ المحصّنة لـمّا ضُرِبَ عدد منها ودُمِّرَ بعنف.
4. أن ((تفاهمات مالية ومعنوية)) حصلت وراء الكواليس مقابل ترك (داعش) للقاعدة… وهذا متوقع ومتـّبع في الحروب الداخلية.
5. أن القادة المخططين لمعركة تحرير الموصل باتوا أصحاب خبرة، وجازفوا -للمرة الأولى منذ معارك 2014- بإتباع أسلوب
“التخطـّي” فباغتوا (داعش) في “القيارة” وقتما تركوا وراءهم بلدة “الشرقاط” -(40) كلم جنوبيّ القيارة- من دون تحريرها، وقد تسقط كذلك من دون مقاومة تـُذكَر.
6. وإذا ما آمَنَ البعض بـ”نظرية المؤامرة” -التي لا أميل إليها من حيث الأساس- فإنهم يصرّون أن (داعش) ما هو إلاّ صنيعة البعض من أصحاب القرارات العالمية والمناطقية، وأن قادته ليسوا سوى ((دُمىً)) تحرّكها أنامل الكبار، فيأمرون مرؤوسيهم بما تتطابق مع ما يتسلـّمونها من توجيهات رؤسائهم ومموليهم… ولذلك أُخلِيَت “قاعدة القيارة” بذات السرعة التي أُستـُحوِذَت عليها عام (2014).
المفاجأة والإستحضارات
لا نشك في أن المفاجأة قد حصلت، ولربما حتى لـ”البنتاغون”، ولذلك أسرع وزير الدفاع الأمريكي “آشتون كارتر” -بعد (48) ساعة فقط من ذلك الحدث- ليلتقي كبار المسؤولين في “بغداد”، وكانت أولى تصريحاته أن “واشنطن”:-
1. ستساعد العراقيين في تأسيس “قاعدة لوجستية” لتموين معركة التقدم نحو مدينة “الموصل” ومحاصرتها من الجنوب.
2. ستوفر رابع قاعدة جوية لعمل الطائرات الأمريكية في عموم العراق بعد “الحبانية” البغدادي، والتاجي”.
3. ستضيف (560) عسكري أمريكي تعزيزاً للسابقين، ليبلغ تعدادهم أكثر من (4,000) ما بين مدرِّب ومستشار.
4. ستدرس مشاركة قوات برية أمريكية في ميدان معركة الموصل إذا تطلـّب الأمر.
ماذا بعد القاعدة؟
إستعادة القاعدة لوحدها لا تعني -في الغالب- إنتهاء معركة “القيارة”، ولا تعني كذلك -في قناعتي- إقتراب معركة إقتحام مدينة “الموصل” للأسباب الآتية:-
1. ينبغي تطهير بلدتـَي “القيارة والشرقاط” وتحقيق الأمن فيهما.
2. تحقيق السيطرة على جميع الجسور الرابطة بين جانبَي “نهر دجلة” والإحتفاظ بها مهما كان الثمن.
3. تطهير “مجموعات مخازن عتاد/ذخائر القيارة”، وهي الأضخم وسط قريناتها والأوسع في عموم العراق، لإحتوائها -ربما- على (100) مخزن محصّن تحت سطح الأرض -على ما أتذكّر- وأيّ منها لا يتأثر مطلقاً حتى إن سقطت عليها -بشكل مباشر- أثقل قنابل المدفعية وقنابر الهاونات وصواريخ الراجمات… وتبلغ خطورتها -على وجه الخصوص- إن كانت الأعتدة والمتفجرات ما زالت مخزونة فيها.
4. السيطرة الكاملة على جانبَي الطريق الدولي “بيجي-الشرقاط-القيارة” كي تسير عليها الأرتال العسكرية والشاحنات بأمان.
5. الإسراع في جعل أجزاء واسعة من هذه القاعدة المُهمَلة بمثابة “قاعدة لوجستية” -أي “منطقة إدامة ومواصلات متقدمة” حسب المصطلحات العسكرية العراقية- لتوفير المستلزمات الهائلة لمحاصرة ثاني أكبر مدينة في عموم الوطن.
6. ضرورة السيطرة الدقيقة على البقاع الشاسعة المحيطة بالقاعدة من جميع الجهات لتصبح -بكل تفاصيلها- خارج مديات الهاونات وصواريخ “كاتيوشا”، وتغدو مقرات لقيادات فرق، والإفادة من مبانيها ومنشآتها المتعددة وتجهيزها بالطاقة الكهربائية وتأهيلها على شكل معسكرات مُريحة لتحشيد العشرات من الوحدات المقاتلة والساندة والمعاونة والإدارية وإسكانها وتدريبها، وفتح نقاط لتموين الأعتدة/الذخائر والأغذية والمياه والوقود، وإعداد مطابخ ميدانية وإنشاء مستشفىً ميداني واحد على الأقل، وتأمين متطلبات الإخلاء الطبي وتصليح الأسلحة وعجلات القتال المصابة، وإراحة المقاتلين لدى إعادة تنظيم التشكيلات المتنوعة.
7. ويضاف لكل ذلك ضرورة إعادة أمور القاعدة لتمسي أهلاً لعمل طائرات الهجوم الأرضي ذات المديات القصيرة والسمتيات/الهليكوبترات في أجواء “الموصل” ونواحيها.
8. عدم الإكتفاء بالتقدم على هذا المحور لوحده نحو “حمام العليل-الموصل” والثاني بإتجاه الشمال في قاطع “مخمور” شرقي نهر دجلة… بل يتطلب فتح العديد من المحاور الإضافية من الشرق والجنوب الشرقي، أمثال “أربيل- كلك”، و”مخمور-الكوير”، و”جبل بعشيقة-ضواحي الموصل”، ولربما نزولاً نحو شمالي “الموصل” إنطلاقاً من بقاع “محافظة دهوك”، لتكون “معركة الحصار” من (3) إتجاهات على أقلّ تقدير، ويُترك رابعها الغربي الآتي من “تلعفر-بادوش” للظروف الميدانية، أو يُبقى مجالاً مفتوحاً لهروب مسلحي (داعش) إذا إنهاروا.
9. عدم السماح بالتباطؤ الملحوظ في التقدم نحو “الموصل”، وقد لاحظناه في قاطع “مخمور” الذي إنطلقت المعركة في بقاعه منذ (36/3/2016)، ولم تحقق القوات المتحشدة -على كثرتها العددية- خلال (100) يوم سوى السيطرة على عدد من القرى المتناثرة والمهجورة في معظمها، وضرورة إستثمار أي نجاح يحصل في أي محور.
10. وتبقى معضلة النازحين من “الموصل” -ومئات البلدات والقرى المحيطة ذات الكثافة السكانية العالية- من أعظم التحديات والمصاعب والمصائب التي ستواجه القائمين على هذه الحرب… وإذا كان عدد النازحين من معارك المدن الكبيرة السابقات بعشرات أو حتى مئات الآلاف وقد أصابتهم البهذلة والمهانة وسط المخيمات الهزيلة التي لم تحقق الدولة سواها لأجلهم… فكم يتطلـّب إيواء (مليون) من البشر عند المباشرة بتحرير “محافظة نينوى”.
11. وكل ذلك يُضاف إليها المتطلبات الآتية:-
آ. تحشيد العديد من فرق الجيش والقوات المسلحة بأسرع ما يمكن وفقاً لخطط رصينة لإنتشارها وسط تلك البقاع.
ب. الإتفاق على تحديد يوم (ي) للمباشرة بالتقدم المنسّق لجميع الأرتال وعلى المحاور كافة بتوقيتات متزامنة تحت لهيب صيف العراق الذي سيظلّ يحرق الأجساد ويُغلي الأدمغة خلال الشهرين القادمَين.
ت. توحيد القيادات المتنوعة تحت قيادة ميدانية رئيسة واحدة تـُناط بإمرة قائد واحد، كي تحدّد المسؤولية ويُحاسب المقصّر ويكافأ الجيد
ث. إتخاذ قرار حاسم حول مشاركة فصائل “الحشد الشعبي” الذي تتعاكس حولها الآراء.
ج. التنسيق النهائي مع حكومة “إقليم كردستان” حول مشاركة قوات “البيشمركة” الكردية في هذه الحرب، وما المحاور التي ستتقدم عليها؟؟ وشروط الجانب الكردي في هذه المشاركة؟؟
ح. التوصل إلى قرار سياسي حول دور “القوة التركية” المنتشرة في قاطع “بعشيقة”، إذْ ما زالت “آنقرة” تصرّ على المشاركة في هذه الحرب.
خ. ما الأدوار التي سيؤديها المستشارون الأمريكيون والغربيون المرافقون للقوات العراقية والبيشمركة وفصائل الحشد الوطني/الموصلي وسواها من القوات المسلحة؟؟… وما المهمات التي ستـُكلـّف بها القوات البرية الأمريكية القتالية في هذه الحرب؟؟
ح. ما الواجبات التي سيؤديها (15,000) مقاتل من “الحشد الوطني/الموصلـّي” الذين تدرّبوا -حسب المعلومات المتاحة- على أيدي القوات التركية؟؟
د. أساليب الحدّ من إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين والممتلكات والمباني بعدم السماح للقصف العشوائي أو غير الدقيق بإستخدام القنابر غير الذكية والصواريخ الحرة التي تقذفها الطائرات والسمتيات، والإبتعاد عن القصف المدفعي والهاوناتي والراجماتي، بل يجب الإعتماد على مجاميع غيورة من القناصين ورماة الرشاشات الدقيقة والـ(R.P.G).
ذ. تخصيص مئات الملايين من الدولارات من موازنة الدولة العراقية لتغطية مصاريف كل تلكم الإستحضارات التمهيدية قبل المباشرة بالتقدم نحو “الموصل”، ومبالغ أضخم بكثير لتحقيق معارك إقتحام ثاني كبريات مدن العراق بواقع (20×25) كلم، وهي أوسع من مدينة “الرمادي” بـ(5) أضعاف على الأقل، يسكنها حوالي (2,000,000) من البشر، معظمهم مغلوبون على أمورهم على
أيدي (داعش) بعد أن إنهزم -أمام ناظرَيهم- قادة برتب “فريق أول وفريق” و(ثلاث) فرق من الجيش العراقي تاركين دباباتهم ومدرعاتهم ومدافعهم وعجلات قتالهم المصفحات ورابعة من الشرطة الإتحادية المدربة جيداً، وقد تركوهم على حالهم يتضوّرون محتارين بين هذه السنادين وتحت تلك المطارق.. وفوق كل ذلك يلومهم البعض ويتهمهم آخرون بالرضوخ لتنظيم (داعش) وعدم مقاومته ولو بالسلاح الأبيض!!!
ر. إعداد خطط نفسية تكسب بها الحكومة العراقية قلوب أهالي “الموصل” وكل مواطني “محافظة نينوى” ليصطفوا إلى جانب الدولة، بالترغيب بعيداً عن أساليب الترهيب التي أُتـّبِعت فيما مضى.
ز. تخصيص موقع ملائم لـ”خلية الإعلام الحربي” في “قاعدة القيارة” تعقد مؤتمراً صحافياً واحداً مساء كل يوم لشرح مجريات المواقف خلال الـ(24) ساعة المنصرمات، ولا يُسمَع لغير الناطقين المخوّلين بإسمها التحدّث عن المعارك الجارية لأي سبب كان، ومحاسبة الذي يطلق تصريحات وآراء وتكهّنات ورؤى لأغراض شخصية أو سياسية أو لأهداف أخرى.
س. عدم السماح لزعماء الكتل السياسية والوزراء ونواب البرلمان والأجانب كافة بالحضور لدى قيادات العمليات والفرق لأغراض فئوية ومصالحية معروفة، وذلك للحيلولة دون إشغال القادة والآمرين في جبهات القتال بأمور خارجة عن واجباتهم.
آخـــر الـكـــــلام
على ما أوردته، ناهيكم عن نقاط قد تكون أكثر حساسية لم أودّ الخوض فيها، ورغم الفرحة التي عمّت أوساط الحكومة والقيادات العراقية بإستعادة “قاعدة القيارة الجوية” بتلك السهولة غير المتوقعة والتصريحات المتفائلة للغاية، فإني أتلمّس إستحضارات هائلة ينبغي إعدادها لمجرد المباشرة بمحاصرة مدينة “الموصل” ربما في الخريف القادم وقبل البدء بإقتحامها لاحقاً… فأؤكد أن هذه الحرب -وأصرّ على تسميتها ((حرباً)) وليست مجرد معركة- ليست يسيرة وسهلة، إنما ستستغرق أشهراً عديدة
وتكلـّف ضحايا بالمئات -وحتى بالآلاف- ما بين شهداء وجرحى من بين العسكريين والمدنيين، تـُضاف إليهم بضعة مليارات من الدولارات لتغطية مصاريف القتال، وعشرات المليارات الأخرى -المشكوك كثيراً في توفـير حكومتنا لها- لتعويض المتضررين من هذه الحرب قبل المباشرة بإعمار مدينة “الموصل” ومراكز أقضية “نينوى” ونواحيها.