22 ديسمبر، 2024 7:03 م

كيفية تحديد الحاجة إلى القوى العاملة

كيفية تحديد الحاجة إلى القوى العاملة

القسم الثاني
لما كان الموظف في مركز تنظيمي ، فإن تكييف علاقته بالسلطة الإدارية ، تقتضي خضوعه لضوابط العمل المقيدة بالقواعد القانونية المطبقة في الدائرة التي ينتسب إليها ، والتي تحدد المركز القانوني له ، ضمانا لإستمرار وديمومة العمل المتجدد ، من حيث إنجاز الواجبات ونيل المستحقات ، بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف المنظومة ومصالح العاملين في آن واحد ، وإن إختلفت الوسائل والغايات لكل منهما ، لأن الهدف من التعيين ، هو إيجاد مجموعة موظفين ، تتولى تسيير مرافق الدولة وتنفيذ أهدافها العامة ، ضمن إطار منظومة العمل المقررة . ونظرا للمتغيرات التي طرأت على معظم القواعد التشريعية والإجراءات الإدارية ، وبالإستناد إلى كل عوامل الدفع نحو التغيير والتجديد ، ولأن معظم التعقيدات الإدارية والإنحرافات الوظيفية ، يعود إلى عدم دقة صياغة النصوص القانونية المنظمة لشؤون الخدمة المدنية ، وشموليتها المؤسسة على تعدد الإجتهادات في تفسير النصوص المختلفة ، إضافة إلى عدم كفاءة أغلب العاملين ، وضعف إستيعابهم لمتطلبات تفاصيل أعمالهم الكلية ، بل إن معظمهم لا يعرف الغاية من الوظيفة العامة ، ولا يفهم كونها خدمة لأبناء الشعب والأمة ، وأن المساواة بين المواطنين تستدعي خضوع الجميع لقواعد عامة ، تتضمن الشروط اللازمة للتمتع بالحقوق الممنوحة لهم ، بموجب القوانين والأنظمة والتعليمات ، بدلا من جريان الأمور على غير قواعد العدل والإنصاف ، وتركها على ما هي عليه من الإنفلات وعدم الإنضباط ، وما يترتب عليهما من تفضيل البعض على البعض الآخر دون وجود مبرر لهذه ( المفاضلة ) ، القائمة على أسس التفرقة الطائفية أو المذهبية أو العرقية المقيتة ، المشجعة لمرضى القلوب والنفوس بداء نقص الوجاهة الإجتماعية والقصور الفكري ، على إتباع كل وسائل وسبل وأساليب الفساد الإداري والمالي ، المتمثلة في الوساطة والرشوة والتشبث بالمحسوبية والمنسوبية ، وقوى التأثير السلبي للعلاقات الحزبية والشخصية الأنانية ، المغذية لعوامل وعناصر ومقومات روح الفساد العام وإنعاشه وإنتعاشه ، بقيام المحاصصة الإدارية لدوائر الدولة ، بغية الحصول على بعض المكاسب والإمتيازات ، على حساب إستحقاقات الأفضل والأجدر كفاءة وخبرة مهنية ، على الرغم من الإجماع الشكلي على رفضها مبدئيا وتحريمها شرعا وإدانتها أخلاقيا وإنسانيا .

ولغرض تعميق غرس المفاهيم الوطنيـة الأصيلة ، بالإضافة إلى المحافظة على المفاهيم الإدارية الرصينة ، لا بد من الإستمرار في إقامة الدورات التدريبية ، على وفق برامج يراعى فيها التدرج في إكتساب المهارات ، ومواكبة التطورات العلمية الحديثة ، مع التوسع في الإفادة من وسائل التدريب اللازمة ، على أن يكون ذلك متعلقا بواجبات الوظيفة ، مع محاسبة متخذي إستخداماتها على سبيل المكافأة أو المحاباة ، أو حصرها بمجموعة من الموظفين لأسباب خارجة عن دائرة الصالح العام . كما يتطلب تنفيذ القوانين وتطبيقاتها ، إصدار تعليمات لتفصيل أحكامها ، وبيان شروط إنطباقها وتنظيم إجراءاتها ، لأن الصيغ المعتمدة في الوقت الحاضر ، والتي تتخذ شكل التعاميم السريعة والمختصرة ، لا تحقق المطلوب ولا تأت بالنتائج المتوخاة ، كما إن وضع الأسس العامة للإجراءات ، يستوجب إلتزام جميع المعنيين بها ، وفي مقدمتهم واضعي تلك التعليمات ، خلافا لما يجري عليه العمل الآن ، من أن واضع التعليمات والأسس ، يستطيع أن يستثني ما يشاء من الحالات والأشخاص من أحكامها ، بدعوى التأويل وتحمل النص للإجتهاد وإن كان على خطأ .

إن أساس التعقيد في الإجراءات ، يعود إلى ضعف كفاءة رؤوساء الدوائر ومدراء الأقسام ، كما إن معظمهم لا يملكون من الخبرة العملية ما يمكنهم من إدارة أعمال دوائرهم بالشكل المطلوب ، لعدم إلمامهم بالقدر الكافي من المعلومات المتعلقة بأعمال وظائفهم وأعمال تابعيهم الإدارية أو المالية أو القانونية أو الفنية ، الأمر الذي إنعكس سلبا على نتائج المعاملات وإستحقاقات أصحابها ، حيث الزيادة المفرطة في عدد العاملين ، وإتخاذ القرارات غير الصحيحة ، التي لا ينشأ عنها غير حرمان الكثيرين من حقوقهم أو إعطاء الإمتيازات لغير مستحقيها ، مما يتوجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، بصيغ ووسائل الإستحقاقات العملية المتحققة بتقديم الأفضل ، وليس بفعل الشعارات التي طالما سمعنا ترديدها ، لتغطية عجز وفشل الأداء ، بدثار الإدعاءات المعرفية الفارغة والكاذبة ، التي لا يمكن إجراء أي إصلاح اداري وتنظيمي لأجهزة الدولة ، إلا إذا تحقق إشغال المراكز والوظائف المهمة بالأشخاص الأكفاء ، مع وجود تسلسل في الكفاءات بين المراكز الإدارية المتدرجة ، لأن تكرار القول في ذلك ، قد أصبح مملا وغير مرحب به ، ولا يجسد إلا عدم جدية النوايا في معالجة أصول وفروع الخلل ، وإتساع دائرة نطاقها وتشعباتها ، وكثرة العوامل المشجعة على تبوء غير المؤهلين مهنيا لمراكز السلطة وإتخاذ القرار ، والتي ستبقى عوامل هدم شامل ودائم لا يمكن معالجتها وللأسف الشديد ، ما دام نقص الوجاهة وحب التسلط متمكن من نفوس الكثيرين .