عبارة بمنتهى الحكمة والبلاغة ، قالها الأمام علي (ع) منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ، أختصر بها كل مفردات القواميس السياسية ببراعة وإختصار فائقين ، عبارة تبين لنا كيف أن شخصية الحاكم مهما كان ، صورة لشعبه ، المغلوب والحُر على حد سواء ، المغلوب لأنه رضى بالضيم حتى يصدّق قائده أنه الزعيم الأوحد وفلتة الزمان ، فيقوم بتدجينه ، ويقتل عنده روح المعارضة التي تحد من استئثاره بالسلطة (فالأنسان إذا مَلَكَ ، استأثر) ، هكذا يولدُ الطغاة.
والحُر لأنه هو الذي يملي على حاكمه أصول الحكم بواسطة البرلمان والمعارضة فتقوم بصقل شخصيته وتحد من استئثاره بالسلطة ، هكذا يتكون الحاكم العادل .
وفي عصر الأنتخابات الذي نستخف به كونه لا يزال مراهقا في نظرنا رغم مرور عقد من الزمان ، و نستخف به في لاوعينا ، ويأسنا المزمن الذي نرفض التخلي عنه ، ليكون دافعنا للأقتراع انطلاقا من تبرئة الذمة أمام المرجعيات ، أو نعزف عن المشاركة بسبب أعتناقنا مبادئ الأنهزامية بأرادتنا ، فنتوجّه الى صناديق الأقتراع وكأننا منوّمون مغناطيسيا ، لننتخب عين الجهات التي سامتنا سوء العذاب وأغرقتنا بالفشل والفساد وكأننا مصابون بقصور شديد في تصوّر حجم الجرائم الكبرى التي ارتكبت بحقنا ، فتمر لنقيّدُها ضد مجهول ، لكوننا موغلون بعبادة الفرد ، ومجرد تغيير الوجوه يصيبنا بالذعر ، ونعود لننتظر جرائم جديدة بعد أكمال فرز الأصوات !.
والأدهى من ذلك ، نحن مَن يلتمس عذرا أقبح من الذنب لهذه الجهات ، من قبيل أن سنوات حكمها أكسبتها خبرة في إدارة دفة البلاد ، مهما أمتدّت تلك السنوات ، ومهما كانت عجافا ومليئة بالفساد والأخفاقات والدماء ، وأن إعادة انتخابها ستفتح لنا عصرا جديدا بحكومة متمرسة ! ، ونبقى ندور في حلقة مفرغة ، نحن مَنْ رسمها ، يتوقف فيها الزمن ، بل يعود الى الوراء!.
وفي اعتقادي أن عملية الانتخاب في هذه الحالة لا تختلف عن مهزلة انتخاب (نعم نعم للقائد الضرورة) ، ففي الحالتين ، نحن مَنْ يصنع الطغاة ، ونبرر كسلنا على أنه أمل نتعلق بحباله ، رغم علمنا ، انها حبال مشانق .