15 نوفمبر، 2024 7:52 ص
Search
Close this search box.

كيسنجر: على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون “دولة” أم “ثورة”

كيسنجر: على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون “دولة” أم “ثورة”

يعد هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الأسبق من أبرز من رسم معالم الستراتيجيات الامريكية لعقود من الزمن ، إمتدت من سنوات الستينات والسبعينات وحتى مرحلة مابعد الثمانينات، وكانت جل أفكار هذا الخبير المتمرس في السياسة الدولية تركز على أهمية ” التوازن الدولي” في حفظ إستقرار العالم ، وكانت نظرياته التي وضعها تركز على هذا المبدأ بإستمرار ، من خلال كتابه الموسوم ” توازن القوى” الذي رسم معالم هذا ” التوازن ” بين القوتين الأعظم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، ولم يكن التوازن يشمل إيران أنذاك ، كونه معنيا بالدول الكبرى الخمس التي كانت تتحكم في مصير العالم .
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي توقعه سلفه زبغينو بريجنسكي الذي عد نظريات كيسنجر بانها ” أوهام ” حتى انه أعد كتابه الموسوم ” اوهام في توزان القوى ” منذ ان تقد مهامه مستشار الامن القومي الامريكي في عهد الرئيس ريغان ليؤكد ان الولايات المتحدة ينبغي ان تبقى هي الرائدة والمسيطرة على العالم ولن تسمح للاتحاد السوفيتي ان يقف بوجه طموح امريكا نحو هيمنتها على مقدرات العالم، وبقي يؤكد على أهمية نظريته ” الحفر أسفل الجدار ” لتقويض دعائم الاتحاد السوفيتي ، الى ان حصل الذي حصل وانهار الاتحاد السوفيني عام 1979 بعد توريطه من قبل امريكا بالدخول في بحرب مع افغانستان.
ثم عاد هنري كيسنجر ليطرح وجهات نظره مرة اخرى بعد حربي الخليج الاولى والثانية وبعد احتلال امريكا لعراق ليحذر من انفراط عهود الاستقرار ، وبخاصة بعد ان شعر الامريكان ان دخولهم الحرب مع العراق قد كلفت الولايات المتحدة تضحيات جسيمة واموالا هائلة اوصلت الولايات المتحدة الى مكانة لاتحسد عليها، من حيث بروز قوى اقليمية راحت تخلق المتاعب للولايات المتحدة وتستفيد من تجارب امريكا المريرة في العراق لتظهر ان بمقدورها ان تعرقل مصالح الولايات المتحدة وتعرضها للمخاطر، وكانت ايران احدى تلك الدول التي حاولت ان تلعب بذيلها مع الولايات المتحدة مستفيدة من ازمة تحكمها في الواقع العراقي بعد احتلال امريكا للعراق وما قدمته طهران من خدمات لواشنطن لتسهيل ” تقاسم المصالح ” في هذا البلد، لكن لعبة ” التفاهم الامريكي الايراني” بشأن العراق لم تدم طويلا وراحت الخلافات وبؤر التوتر تعيد الى الواجهة ازمات ايران مع واشنطن الى الواجهة من جديد.
يرى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في مقالة رئيسية نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» في 16 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، أن الصفقة النووية 5+1 مع إيران تسببت في انهيار التوازن الجيوسياسي في المنطقة وأنهت «الدور الأميركي في الشرق الأوسط في تحقيق الاستقرار الذي انبثق عن الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973».
ويرى كيسنجر كذلك “أن الاستقرار يتحقق من خلال التوازن التقليدي بين الدول. فالاجتماع الذي عقد مؤخراً في فيينا والذي جمع على طاولة المفاوضات وزراء خارجية السعودية وإيران، وكذلك مصر وتركيا ودولاً أخرى، يشير إلى أن شكلاً من أشكال الاستقرار الإقليمي الجديد قد يكون ممكناً من خلال المفاوضات والدبلوماسية. ولكن وكما يشير كيسنجر نفسه، يجب على إيران أن تقرر إذا كانت تريد أن تكون “دولة” أو “ثورة”. وما إذا كانت ترغب في حماية وتعزيز مصالحها كدولة من خلال الالتزام بقوانين العلاقات الدولية، أو إذا كانت تريد حماية تلك المصالح من خلال دعم مجموعات مسلحة تحارب عنها بالوكالة.
يؤكد مركز الروابط في تقرير اعده حول هذا الموضوع الحيوي المهم انه يبدو أن هذا الجدال يجري داخل إيران اليوم بين الرئيس روحاني الذي يرى لإيران مستقبلاً مشرقاً إذا تحولت إلى لاعب دولي مسؤول موثوق، وبين المرشد الأعلى و«الحرس الثوري» اللذين يريان أن حماية مصالح إيران لا تتحقق إلا في إطار أجندات طائفية وسياسات المواجهة .
ويضيف أحد المهتمين بدرات هذا المركز انه من المهم أن نلاحظ أيضاً أن الاتفاق النووي قد أوقف إيران عن بناء سلاح نووي، وهذا إنجاز مهم لمصلحة أمن واستقرار المنطقة. فالعقوبات الدولية التي فرضت على إيران جعلت الاقتصاد يسقط إلى الحضيض بالفعل وأجبرت إيران على الاختيار بين إنقاذ الاقتصاد من الانهيار أو البرنامج النووي. وأرغمت عملياً على اختيار الأول. ولا ينطبق هذا الاختيار على الـ 10-15 سنة القادمة فحسب كما يجادل البعض. إن القادة الإيرانيين يدركون تماماً أن الموقف الروسي والصيني الممانع لحيازة إيران أي سلاح نووي هو في شراسة الموقف الأميركي والاوروبي – سواء اليوم أو في أي وقت في المستقبل. إنهم يعرفون أيضاً أن السياسة الروسية تجاه إيران تاريخياً تستند إلى دعامتين هما: إبقاء إيران ضعيفة، وإبقاؤها بعيدة عن أي تحالف غربي. ويدركون أن أي محاولة من جانب إيران لاستئناف العمل نحو امتلاك سلاح نووي في المستقبل، سيواجه بنفس التحالف في المصالح والمواقف بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.
وتتوصل الدراسة الى ان الاتفاق النووي أظهر أيضاً أن السياسة والدبلوماسية يمكن أن تكونا أداتين قويتين، بل أكثر قوة في كثير من الأحيان وأكثر فاعلية من الاستخدام الأعمى للقوة العسكرية. ويبدو أيضاً أن الدبلوماسية الجادة والتفاوض بين الخصوم الألداء – الذين يصفون بعضهم البعض بـ «عضو في محور الشر» أو «الشيطان الأكبر» – هما أمر ممكن.
وفي هذا السياق، تخلص الدراسة الى القول “إن اجتماع فيينا يشير إلى سبل ممكنة لإحراز تقدم باتجاه بناء الاستقرار. إن إطلاق عمليات السلام قد يكون في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من شن الحروب بين الدول أو الحروب بالوكالة، ولكن النتائج يمكن أن تكون أكثر إيجابية. ليس هناك شك في أنه ما لم تبدأ كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران على الأقل في تحويل بعض سياسات المواجهة إلى التفاوض، فإن المنطقة لن تشهد استقراراً”.ومن وجهة نظر تلك الدراسة الى انه ليس المطلوب إبرام اتفاق سايكس – بيكو جديد حيث تتفق القوى الإقليمية على مناطق النفوذ والسيطرة، ولكن على العكس من ذلك يلزم إيجاد عملية يتوافق من خلالها اللاعبون الإقليميون الأساسيون على تقليص التدخلات بالوكالة والالتزام معاً بحصر قواتهم داخل حدودهم، والعمل نحو بناء نظام إقليمي يكفل مصالحهم في الأمن والازدهار، ليس من خلال الصراع ومناطق النفوذ ولكن من خلال إنشاء نظام اقليمي تتمتع فيه كل دول المنطقة بالسيادة الفعلية كما تحترم سيادة وأمن الآخرين.
ويرى الخبير بول سالم في صحيفة الحياة اللندنية إن الاتفاق النووي نفسه لم يحدث تغييراً جوهرياً في النظام الإقليمي. فإيران كانت قد توسعت في نفوذها لسنوات قبل ذلك، وكانت الحروب بالوكالة قد دمرت بالفعل عدة دول عربية. ولكن الاتفاق النووي مع ذلك وفر فرصة استغلها الرئيس الروسي بوتين بذكاء. فبينما كان الاتفاق يجري، كان هناك خوف إقليمي من أن هذه الصفقة سوف يليها تعاون إيراني أميركي وتواطؤ بينهما على مسائل أخرى في الشرق الأوسط. في واقع الأمر، كانت روسيا هي التي اغتنمت فرصة الاتفاق النووي وأقدمت على إعلان شراكتها مع طهران.
ويضيف ..كان هذا إلى حد ما راجعاً إلى خوف موسكو بالفعل من حدوث تعاون بين إيران والولايات المتحدة بعد الاتفاق، واستبعاد موسكو. ولكن هذا أيضاً عكس انتباه روسيا إلى خطورة الوضع المتدهور لنظام الأسد في سورية، بالإضافة إلى الطموح في إعادة بناء وجود روسيا السابق في الشرق الأوسط. واليوم، فإن لدى روسيا علاقات قوية مع إيران ووجوداً عسكرياً كبيراً في سورية، فضلاً عن العلاقات المتنامية مع بغداد والعلاقات الوثيقة مع الرئيس السيسي في مصر. في خلال فترة قصيرة من الزمن، أعاد بوتين بناء وجود موسكو على نطاق مواز أو أوسع مما كان عليه في زمن الاتحاد السوفياتي. لكن روسيا، مع أنها لاعب دولي كبير، إلا أنها لم تعد قوة عظمى عالمية. هذه المكانة لا تزال محفوظة للولايات المتحدة، والصين مستقبلاً.
ان من المهم من وجهة نظر الباحث بول سالم في مقاله بصحيفة الحياة الللندنية أن نلاحظ أيضاً أن الاتفاق النووي قد أوقف إيران عن بناء سلاح نووي، وهذا إنجاز مهم لمصلحة أمن واستقرار المنطقة. فالعقوبات الدولية التي فرضت على إيران جعلت الاقتصاد يسقط إلى الحضيض بالفعل وأجبرت إيران على الاختيار بين إنقاذ الاقتصاد من الانهيار أو البرنامج النووي. وأرغمت عملياً على اختيار الأول. ولا ينطبق هذا الاختيار على الـ 10-15 سنة القادمة فحسب كما يجادل البعض. إن القادة الإيرانيين يدركون تماماً أن الموقف الروسي والصيني الممانع لحيازة إيران أي سلاح نووي هو في شراسة الموقف الأميركي والاوروبي – سواء اليوم أو في أي وقت في المستقبل. إنهم يعرفون أيضاً أن السياسة الروسية تجاه إيران تاريخياً تستند إلى دعامتين هما: إبقاء إيران ضعيفة، وإبقاؤها بعيدة عن أي تحالف غربي. ويدركون أن أي محاولة من جانب إيران لاستئناف العمل نحو امتلاك سلاح نووي في المستقبل، سيواجه بنفس التحالف في المصالح والمواقف بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.
ويرى بعض خبراء السياسة الدولية  إن اجتماع فيينا يشير إلى سبل ممكنة لإحراز تقدم باتجاه بناء الاستقرار. إن إطلاق عمليات السلام قد يكون في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من شن الحروب بين الدول أو الحروب بالوكالة، ولكن النتائج يمكن أن تكون أكثر إيجابية. ليس هناك شك في أنه ما لم تبدأ كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران على الأقل في تحويل بعض سياسات المواجهة إلى التفاوض، فإن المنطقة لن تشهد استقراراً.
وتخلص الدراسة الى القول .. ليس المطلوب إبرام اتفاق سايكس – بيكو جديد حيث تتفق القوى الإقليمية على مناطق النفوذ والسيطرة، ولكن على العكس من ذلك يلزم إيجاد عملية يتوافق من خلالها اللاعبون الإقليميون الأساسيون على تقليص التدخلات بالوكالة والالتزام معاً بحصر قواتهم داخل حدودهم، والعمل نحو بناء نظام إقليمي يكفل مصالحهم في الأمن والازدهار، ليس من خلال الصراع ومناطق النفوذ ولكن من خلال إنشاء نظام اقليمي تتمتع فيه كل دول المنطقة بالسيادة الفعلية كما تحترم سيادة وأمن الآخرين.
أما الان فقد خلت الساحة الفكرية الامريكية من أي منظر أمريكي يرسم معالم الستراتيجيات الاميركية، حتى ان العالم بدأ يرقب انهيار الولايات المتحدة وانكفائها عن لعب دور الدولة العظمى بلا منازع لتجد نفسها في مواجهة أزمات دولية تعصف بها، وتحاول قدر امكانها ان تكون في مركز الدفاع، أكثر من اتباعها سياسة الهجوم وسياسة الغطرسة ، كما كانت تتبعه في كل حروبها مع الدول التي تدخلها في اولوياتها على انها من ” محور الشر” كما كانت تطلق على الانظمة التي تناصب السياسة الامريكية العداء او تقف بوجه طموحها للسيطرة على مقدرات العالم، وهو ما يسهل على دول العالم ان تضع مصالحها في المقام الاول لكي يكون بمقدورها ان تستعيد بعض ادوارها الحيوية، وبامكان العراق إن أحسن ساسته التحرك الفاعل الاستفادة من الظرف الدولي الحالي للسير في تحقيق انفراجة تعيد له بعض هيبته التي فقدها من اكثر من عقد من الزمان.

أحدث المقالات

أحدث المقالات