23 ديسمبر، 2024 3:38 ص

كيسنجر : الحرب العالمية الثالثة قادمة.. وإيران ستكون (ضربة البداية)!!

كيسنجر : الحرب العالمية الثالثة قادمة.. وإيران ستكون (ضربة البداية)!!

كنت في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من أشد المعجبين بنظريات وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر ، منذ إن كان مستشارا للأمن القومي الأمريكي وتمعنت كثيرا في كل طروحاته وتوقفت عندها لفترة لايستهان بها ، وأطلعت على الكثير من أفكاره وطروحاته من خلال كتب أعدها او مقابلات صحفية مطولة وتصريحات سياسية في وسائل الاعلام الأمريكية، كجزء من اهتمامي الشخصي المفضل بالسياسة الامريكية ، وراسمي سيناريوهاتها ، وكنت متابعا شغوفا بتلك الخطط والتوجهات، في وقت كان كيسنجر يعد في زمانه (مهندس السياسة الأمريكية) وهو (ثعلب) لايمكن تجاهل نظرياته وطرق وأساليب تضليله وكيف يستدرج الخصوم للتحاور معهم ، وهو واضع خطط أمريكا الستراتيجية وراسم خطوط انطلاقتها ، في إطار فلسفي سياسي ، كان في وقته يمثل (خط العقلنة الواقعي) إن صح التعبير ، يوم كان الاتحاد السوفيتي أنذاك القطب المناويء للسياسة الامريكية ، والذي يشكل (القطبية الثنائية) التي لاينازعهما أحد عليها من بقية الدول الكبرى، وكان الصراع بين الامريكان والروس للسيطرة على مقدرات دول المنطقة والقارة الأوربية على حد سواء في أوجه، والتسابق بين العملاقين الأمريكي والسوفيتي، يأخذ مسارات متعددة ، تصل حد الاصطدام على مناطق النفوذ ذات الطبيعة الستراتيجية، وكان العراق ودول الخليج وايران هي أكثر الدول محط اهتمام الجبارين!!
ما دعاني الى كتابة سطور هذا المقال الحيوي الذي كتبه كيسنجر بعد عودته الى الاضواء مرة اخرى هذه الأيام، ليعيد رسم ملامح السياسة الامريكية في عهد رئيسها الحالي ترامب الذي يرى فيه أفضل تعبير عن ملامح الشخصية الامريكية المغامرة الطموحة القادرة على اعادة رسم مستقبل العالم والهيمنة على مقدراته.. ومفاد تلك السياسة “أن أمريكا وإسرائيل قد جهزتا ( نعشاً ) لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش”.
كان جل اهتمام هنري كيسنجر في السبعينات وحتى الثمانينات ،منذ ان كان مستشارا للأمن القومي الامريكي ، ومن ثم وزيرا للخارجية يعتمد نظرية (توازن القوى) بين العملاقين الأمريكي السوفيتي، وقد أكد أهمية ان تتبع الولايات المتحدة نظرية (توازن القوى) كسبيل أمثل لتفادي الصراع والاصطدام أنذاك، أي أن كيسنجر لم ينصح الولايات المتحدة ان (تغامر) كثيرا في صراعها مع الاتحاد السوفيتي الذي كان هو الآخر يمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل وأسلحة نووية، ويعد قوة جبارة لايستهان بها ، تضع الولايات المتحدة أمام حقيقة ان محاولاتها للهيمنة على مقدرات العالم بمفردها ستبوء بالفشل، إن لم تضع اعتبارا لمصالح الروس الطامحين ايضا على تقاسم مناطق النفوذ في القارة الأوربية وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد!!
لكن مجيء خلفه ( زبغينيو بريجنسكي) مستشارا للأمن القومي الامريكي ، ومن ثم تم تعيينه وزيرا للخارجية تطورا مذهلا أعاد فيه تصحيح مسارات سياسة كيسنجر ، ، فقد قلب بريجنسكي تلك النظريات القائمة على (التوازن) بين العملاقين رأسا على عقب ، ليعد التوازن الذي طرحه كيسنجر (وهما) حتى أعد الرجل كتابه المعروف (أوهام في توازن القوى) ليعيد الهيبة للولايات المتحدة في ان (التفوق التنكتروني الامريكي) وبرنامج أسلحتها (حرب النجوم) يمكن ان يسمح للولايات المتحدة (الاستفراد) بقيادة العالم والتحكم بمقدراته، من خلال كتاب اعده بعنوان ( أمريكا بين عصرين) ، مشيرا فيه الى انه لن يكون بمقدور الروس ايقاف طموح الامريكان هذا للـ (الهيمنة) على مقدرات العالم، والتأكيد أن قدرات التسليح والموارد الاقتصادية والمالية المتعاظمة للولايات المتحدة ( التكنترونية ) وأسلحة الدمار الشامل تبقيها في تفوق دائم، ولهذا عد بريجنسكي مبدأ (التوازن) الذي طرحه كيسنجر (وهما) ، واستخدم مع الاتحاد السوفيتي مبدأ (الحفر أسفل الجدار) من اجل الايقاع بهيكل الدب الروسي ، أنذاك في الثمانينات وزعزعة كيانه القوي هو الآخر ، وكانت دول اوربا الشرقية الاشتراكية الموالية للروس أحدى المحطات التي تم تطبيق نظريات بريجنسكي عليها ، وكان للولايات المتحدة بعدها بسنوات ما أرادت، إذ انهارت تلك المنظومة الواحدة بعد الأخرى ، وراحت تستقل عن الجسد الروسي ، بدعم من الولايات المتحدة ، وأقامت فيها انطمة موالية لها، تحت دعاوى عصر الحرية والانفتاح ومحاربة الدكتاتوريات، وتسببت تلك السياسة بصداع كبير عانى منه جسد الدولة الروسية وأصابها في عقر دارها، داعيا بإستمرار الى ان تكون الولايات المتحدة هي من لها الغلبة في الصراع والتفوق، ولا ينازعها أحد على قيادة العالم!!
وبعد (غيبة) طويلة عن مسرح الاحداث لفترة عقود، ظهر كيسنجر من جديد ، ليضع ملامح أخرى لتصورات جديدة للسياسة الامريكية ، وهو رجل خطير في كل الأحوال، ولا يمكن (تجاهل) طروحاته كونه يهوديا ومناصرا لاسرائيل على الدوام، حتى وان ظن البعض ان الرجل قد أصابه ( الخرف) هذه الايام كما يشاع ، إذ ان شخصية مثل كيسنجر لايمكن ان تصل الى مرحلة (الخرف) في ظل رغبة منه لكي يظهر مجددا الى الاعلام ويتحدث عن قوة بلاده وقدرتها على رعب الآخرين من تلك القوة وفي قدرتها على فرض نفسها كقوة كبرى وحيدة، ليس بمقدور اية قوى كبرى ان تنازعها على تلك المكانة، ولهذا راح كيسنجر يطرح جملة خطوط لتوجهات السياسة الامريكية ، كان استهداف إيران هو الهدف الأكبر في المخطط المرتقب ، ويمكن ان نؤشر خطوط سياسة كيسنجر وتوجهاتها الحيوية والخطيرة كالآتي:
* يقول كيسنجر في حوار أجرته معه جريدة “ديلي سكيب” الأمريكية، “إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط” .
* يشير كيسنجر الى انه تم إبلاغ الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الإستراتيجية للولايات المتحدة ، خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران”.
* ويتوقع كيسنجر انه عندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون (الانفجار الكبير) والحرب الكبرى قد قامت، ولن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأمريكا..وسيكون على إسرائيل خلالها القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط”.
* وهو يعيد مبدأ ( الردع) مجددا ومفاده أن “طبول الحرب تدق بالفعل في الشرق الأوسط، والأصم فقط هو من لا يسمعها”، مبرزا أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي، من وجهة نظره، فسوف تسيطر إسرائيل على نصف منطقة الشرق الأوسط.
* وهو يقول : أن الشباب الأمريكي و الأوروبي قد تلقوا تدريبات جيدة خلال القتال في السنوات العشر الماضية، و عندما ستصدر لهم الأوامر بالخروج إلى الشوارع لمحاربة تلك (الذقون المجنونة) ويحولونهم إلى رماد.
* والأخطر ما في توجهاته والأكثر اهتماما من قبلنا قوله ” أن أمريكا وإسرائيل قد جهزتا ( نعشاً ) لروسيا وإيران، وستكون إيران هي (المسمار الأخير) في هذا (النعش)، بعدما منحتهم أمريكا فرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة. بعدها ستسقطان للأبد، لتتمكن أمريكا من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان سوى لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة”.
هذه ملامح الخطوط العامة لمهندسي السياسة الامريكية،وكيف يضعون لها الستراتيجيات،وددنا وضعها بين ايديكم، لترون، ماهية تفكير العقل الأمريكي وكيف يفعل ويحدث نظرياته الكونية،وهو يستعين الان مجددا بكبار مستشاريه للأمن القومي الامريكي ممن كان لهم باع طويل في رسم معالم سياساته العظمى ليبقى لهم الريادة في قيادة بلدهم للعالم، ، ورفضهم أن يكون بمقدور أية قوة دولية، الوقوف بوجه طموحات الولايات المتحدة للهيمنة والتحكم بقيادة العالم، وستكون لأمد غير قصير من لها الغلبة في إخضاع العالم لهيمنتها شئنا أم أبينا.