قراءة في ( صنعة السرد ) لسلمان كاصد
ان تحليل و معاينة جملة السياقات و الانساق السردية التي في حاضنة المتن الأولي من منظور و مقومات أدوات المكتوب الدلالي في بنية و فضاء النص السردي يحتاج من الباحث فيه الى خاصيات تأويلية خاصة ولاسيما في مجال حقل أسلوب ( فن الرواية ) . إذ الباحث و الناقد في مجال تعريف و تقويم و تفكيك خطاب السرد الروائي بكافة أشكاله و مكرساته البنائية ، لابد له من كشف آليات النص التكوينية و الأسلوبية و يتجاوز عن ذاتية حكاية المسرود و صنعته الحرفية كما و يتجاوز أيضا عن وظيفية حديثه التفصيلي في كيفية حركات الشخوص و ما قالوه مع بعضهم البعض ، و كأن العملية النقدية بهذا المقام لدى رؤية الناقد قد تحولت الى قراءة سردية واصفة ، و ليس الى بوصلة تقويمية معيارية من شأنها أولا و أخيرا إبراز معارف و أرضية مرجعية الناقد و النقد و القراءة المنهجية بكافة أبعادها المدروسة . من خلال قراءتنا لمقالات كتاب الدكتور الناقد سلمان كاصد و الموسوم ب ( صنعة السرد ) حيث لاحظنا ثمة قرائية و مطالعة شبه كمالية في نماذج من النصوص الروائية العربية ، يكاد فيها المنظور النقدي أن يتحول الى آلية مبرمجة من حكاية ( الحكواتي / الناقد ) و ليس حقيقة الناقد الموكل بإظهار و تشخيص المعنى الحقيقي الكامن وراء عملية القراءة النقدية التقويمية . فعلى سبيل المثال وجدنا الكاصد في بعض قراءاته للروايات المدروسة في فضاء مباحثه المنهجية ، يتجه نحو التمسك بأداة و صوت و خلفية الواصف و الشارح و السارد و الناقد ، لما قد جرى في أحداث فضاء حكاية النص السطحية و عبر شفافية أخذت تكشف عن مكرسات أحداث كلام الشخوص و وصف علاقاتهم الحرفية في حيز من وصف عملية الإضاءة المعرفية في موضوعة المحكي الروائي .. ففي قراءة الكاصد لرواية ( نساء البساتين ) للروائي الحبيب السالمي ، شاهدنا إهتمام الناقد ينصب حول ثيمة و فكرة ( الرمز و إختزال الحكاية ) حيث يقول في مقدمة دراسة مقاله مثل هذا التمهيد المقدماتي ( تاكد موضوعة الرمز
في الرواية تشغل بال النقاد في كل العصور التي مرت بها حركة النقد و مع مختلف المدارس التي حاولت أن تقدم فيه رؤاها و تصورها لهذه الموضوعة الغامضة التي أطلق عليها
ب ( التمثيل الإشاري ) .. أما غموض الرمز فيأتي من أمكانية المطابقة أو عدمها .. و أقصد بذلك أن المطابقة تعنى
بالتشابه في تأويل المتلقي مع أجتراح الكاتب حيث نجد في بعض الأحيان أن التأويل يصادف غرضه و يصبح صحيحا
فيطابق ما جاء به الكاتب و نجد في أحيان كثيرة ما يفارق
هذه المطابقة إذ يصبح التأويل في واد و الغرض في واد
آخر) أن مقدمة الباحث الكاصد تحيلنا نحو أساسيات قيم
التأويل في المعالجة الإجرائية النقدية و علاقتها بمعنى التشعب الرمزي في علامات المبثوث السردي من زمن
وظائفية التشكيل الروائي في النص و كيفية بذله لشروطه
عبر امكانية المطابقة كوظيفة داخل أفق التشابه في تأويل
مسارية التلقي و مقصدية خطاب الكاتب الذاتية و الموضوعية. و إزاء هذه المقدمة تواجهنا ثمة مباحث
فروعية كمبحث ( بنى متعددة ) و مبحث ( صراعات
الشخوص ) و مبحث ( أحداث السرد ) و مبحث
( صورة الصراع ) و من خلال مجموع تلك المباحث ،
لاحظنا عضوية مسارات إجرائية الباحث مستوفية
في مفاهيمها المعرفية لكافة منافذ الإحالات المقصدية
في مؤشرات دلالات رؤية النص المنقود . أما الحال
في فصل ( حكاية زمن الموت ) قراءة في رواية
ربيع جابر ( دروز بلغراد ) فأول ما نقرأ في عتبة هذا
الفصل عنونة فرعية بعنوان ( صارت الرواية صنعة )
حيث يقول فيها الكاصد مثل هذا الكلام ( نعم .. هي صنعة
أغلبها يرتبط في أنظمة الشكل و التلاعب في كيفية سرد
الأحداث .. حيث نجد روائيين يقدمون ثيماتهم بأعتباطية
و آخرين يحسبون أنهم يقدمون وجبة فيها كل نوع من أنواع
الأجناس الأدبية الشعر مختلطا بالحكاية و النثر الشعري
ممزوجا بحدث لا يمكن أن تلم به بسهولة .. و نجد نوعا ثالثا
من الروائيين من تراه يحسب للجملة حسابا و للتركيب أهمية و للصياغة حرفة ) من هذه المقدمة راح يكشف لنا الناقد و الباحث الأستاذ سلمان الكاصد عن هيئة من فئات كتاب الرواية ممن يقدمون مجمل آلياتهم الثيمية عبر مركز فاعلية
النص الروائي من على أساس تراكيب ( إعتباطية ) و منهم
من أخذ يمزج كل أنواع التصانيف الأجناسية في مجال أسلوبية ملفوظ نص مهجن و خليط . كما هناك و بالمقابل روائيين ذات محسوبية خاصة لقوانين و أصول تركيبة
الموضوعة السردية القابعة بين جدل صوت الذات المتكلمة
و بين مؤشرات واقعها الكيفي الخارجي و الباطني . لذلك نجد الناقد الكاصد يشدد في قوله التوكيدي ( نعم .. هي صنعة يمسك فيها الروائي عيني القارىء نحو سطور ما كتب كما
يمسك الصائغ معصم الراغب في الجمال و المتعة ) و بالمقابل من هذا التوكيد من الكاصد على أن الرواية صنعة
نراه يذهب في جملة فقرة أخرى الى تعريف و تقديم رواية
( دروز بلغراد / حكاية حنا يعقوب ) و عند التمعن بما جاءت
به مباحث و مفاصل قراءة الكاصد لهذه الرواية ، لحظنا بأن الناقد كان جل تركيزه منصبا على مشهد ( تأريخية الحدث )
كحقيقة مخيالية مرجعية تقودنا في الوقت نفسه نحو مؤول
قول الناقد بشأن تمظهراتها ( و يصدق حدس القارىء عندما
يقرأ العنوان الداخلي الأول في الرواية حيث نجد الجبل الأسود 1872 و بذلك يحيلني ربيع جابر الى تأريخية الحدث .. هنا أذا يصدق حدس القارىء الذي أستطاع تأويل غلاف
الرواية بأتجاه التأريخية .. و لكن هذه الإحالة المفاجئة الى عام 1872 تنهي كل شك في أن الرواية قد تمت الى مفصل تأريخي بعيد يربط بين الدوز بوصفهم فئة أجتماعية أستوطنت جبلا في لبنان و بين بلغراد المدينة التي تقع في المغرب الأوربي و ما بينهما لابد من صلة يكشفها تأريخ الأحداث ) و ربما هذه الألتفاتة الباحثة من الكاصد هي بدورها ما جعل فروع مباحث الدراسة تتسم بطابع من الأهتمام بوصف أحداث الرواية على نحو من الأهمية و الأشارة الى الجانب التأريخي و جاذبية الأهتمام بتصنيف
ضمير المتكلم في الرواية . و هذا الفرع المبحثي من شأنه
جعل الناقد الكاصد يسعى نحو إفهام القارىء لخطوات الرؤية
السردية في رواية ربيع جابر .
( تعليق القراءة )
في سياق تقديمي و تعريفي و قراءتي لمقالات و مباحث
كتاب ( صنعة السرد ) للدكتور سلمان كاصد حاولت تقديم
مستوى من القراءة النقدية للخطاب النقدي في كتاب مقالات
سلمان الكاصد لتلك الروايات المختارة في مشروع كتابه .
ولا يعنيني من جهتي الخاصة ذكر كل ما قام به الكاصد
من أصدار الأحكام الإحتماية و الفرضية و التحليلية في
شأن تلك الأعمال السردية التي قام بدراستها . و لكنني
أقول حصرا بأن دراسة مقالات كتاب الكاصد ما هو إلا مجموعة معتمدات أساسية في صقل مكونات المنهج التحليلي الناتج عن خلفية أكاديمية بحته في مجال معاينة السرد الروائي .. و انسجاما مع توجه الباحث الأكاديمي في دراساته تلك ، فأننا بدورنا كقراء وجدنا بأن مشروع مقولات
( صنعة السرد ) تندرج في عملية شرح الأنساق و مكوناتها
الإجرائية في العمل النقدي الذي قام به الدكتور الكاصد و ضمن مرجعية بحثية و اطروحية بحته ، كما و بالمقابل من ذلك فأن الصيغة التي تم التعامل بها الناقد مع معالجاته لتلك الأعمال الروائية ، للأسف لم تتصف بمعيارية تقويمية فاعلة
في ضوء التداول و التفاعل و التواصل مع حيثيات النص المنقود . بل أننا و جدنا بعض قراءات ( صنعة السرد ) و كأنها جملة ممارسات بلا مسوغ استدلالي واضح في معيارية
أطروحته الإجرائية .. و هذا المسار البحثي في كتاب الكاصد
هو وليد مستوى ثمة توجهات بعض المنظرين في مجال المناهج الأكاديمية المعتمدة في رؤاها النقدية و المفهومية من
بواطن متون أفعال المصادر ز مقولات الاستعانة بكتب النقد التعليمي الذي يمارس عادة في قاعات الدرس الأكاديمي
الجاهز و المجهز . و بأختصار شديد أجد الناقد سلمان الكاصد محقا في قوله بأن الفن الروائي قد أصبح صنعة و صياغة أعتباطية ولاسيما بعد أن أصبحت العملية النقدية في
ذاتها و أدواتها عبارة عن صنعة بات يحترفها كل أستاذ جامعي و بمجرد أمتلاكه لمجموعة من مصادر الدليل النقدي
في المصطلح و المنهج . من هنا ومن خلال سقف عرضنا لمقولات و أفكار دراسة مقالات صنعة السرد أود القول مجددا : أن القارىء لعوالم صورة و مفهوم و إجرائية الأداة المعيارية للدكتور سلمان كاصد لربما نجده لا يجسد تلك المساحة الاستجلائية الكافية من مناخ المعاينة النقدية الموضوعية الساخنة و الجادة في استخراج انطباعاته النقدية المؤثرة من خلال دائرة دراسة النص المنقود .. بل أنها جاءتنا عبارة عن ممارسات قرائية شبه سردية و وصفية و شرحية كل شاغلها المفترض هو الحكي عن أحداث حكاية الروايات و شخوصها و امكنتها ، انطلاقا من سؤال منهجي تقليدي بارد طالما مر علينا في الكثير من الاطاريح النقاشية في لغة التشكيل الأكاديمية . أن الناقد سلمان كاصد يمكننا القول عنه في خصوص كتابه ( صنعة السرد ) من أنه كان يستخلص
صياغات المناهج الأكاديمية و يعيد أنتاج سؤالها الرتيب تحت ضغط أحكام مخيلة أخذت تنصاع لوقائع ما تقرأه في نقود سردية الرواية المنهجية ، و ليس الى أحكام انطباعية الناقد
و أسلوبيته المتحكمة في آلياتها و شروطها و مؤثراتها فيما
قد قرأته من آثار أبداعية .. أي بمعنى ما أن المقروء هو من فرض هيبته و سطوته على أدوات و معيارية الناقد و ليس العكس . و تبعا لهذا و جدنا دراسة مقالات الكاصد عبارة عن
أنشغالية محورية و احتفالية بالأثر المنقود ، دون مساءلته و استجلاء ابعاده السردية بموجب مخيلة الناقد الحكمية و
المعيارية المنتجة لأمكانية استخلاص ابعاد النص الرؤيوية و الاسلوبية في شكل يجعل من الخطاب النقدي لديه مقولة ذهنية رفيعة الضبط في الاستدلال و التقويم النقدي الجاد و الجديد .