المحامي النحيل خرشوفاً ذابلاً، والسفينة دراجة هوائية، والرجل له غشاء بكارة !
في قصيدة مثل (الأرض الخراب) لإليوت عندما يصبح المحامي النحيل: خرشوفاً ذاوياً، نعم خرشوفاً! وتصير السفينة، دراجة هوائية تسير في البحر، ويصبح للرجل غشاء بكارة يتحسَّر على افتضاضها! وعندما يحمل رجل ورقة على ظهره وينوء منحياً من ثقلها! وتصبح المجاري مملكة، والوجه المشوَّه مضيئاً، وعندما لا يفرق المترجم بينbefore و After وهو ما يعرفه طفل في الخامسة، ولا المسافة الزمنية بين قبل وبعد، ولا الأبنة من الحفيدة، ولا يعرف أن الأحمر red وليس Brown، ولا يفرق بين الفعل والفاعل ولا يميز بين الألوان الأخرى، ولا بين المذكر واالمؤنَّث ولا بين المفرد والجمع على امتداد أقسام القصيدة الخمسة. فنحن لسنا أمام اكتشاف لريادة سوريالية في الأرض الخراب، وإنما إزاء ترجمة ماسيَّة (نسبة لصاحبها إبراهيم الماس) لإنسان مضطرب ذهنياً وروحياً أنهت جدلاً عمره مائة عام عن أيِّ فهم مماثل للأرض الخراب! فهم يجعلنا أمام فردوس زائف، لكنه ينطوي في الواقع على منجم فحم تزخر به الأرواح المشوهة والوعي المزيف.
وكي لا تبدو هذه المقدمة من قبيل الطرفة السمجة، أو تجنياً لا مبرر له، سأبين بالنصوص كل ما قلت وأكثر بكثير… ولو شئت لأتيت على كل كلمة في «تجرمته» ولا يمكنني تسميتها «ترجمة» لأن ما فعله هو من باب الجريمة الثقافية بلا ريب. لكنني سأكتفي بنماذج معينة. وسأقتبس هنا في المقارنة من ترجمة توفيق صايغ… وهي وإن كانت تبدو مقارنة متعسفة بل غاية التعسف في الشكل، لكنه مهمة في دلالتها. فترجمة توفيق صايغ أنجزت قبل أكثر من ستين سنة، وهو في العشرينات من عمره، كما إنني قمت بتحقيقها وعشت مع مسوداتها فترة ممتعة وتعلمت منها، لهذا تصلح أن تكون درساً يتعلم منه الكثيرون ممن يريدون التعلم حقاً.
كما سأبين جانباً بسيطاً، وهو كثير جداً، من سطوه التشويهي على ترجمة عبد الواحد لؤلؤة أسميه تشويهاً وليته سطا على الترجمة كما هي ولم يغير ويبدل حروفاً، فجعل فضيحته أكبر. فترجمته ممسوخة من ترجمة لؤلؤة وليتها كانت منسوخة. فربما كانت الفضيحة أشد وطأة.
وقد كنتُ أوشكتُ على ترك الأمر، وتجاهله كما أقترح عليَّ الكثير من الأصدقاء، لكنني وجدت السيد إبراهيم الماس قد فهم هذه الرسائل الراقية بشكل خاطئ فتمادى أكثر.
أذن سأكشف له عن منجم الفحم والنفايات في رأسه، وإذا ما كان فيها شيء جدير بأن يطمع بسرقتها أي مبتدئ في الكتابة.
إذن فليكن درساً لأقرانه من مسعوري فيسبوك، وصبيانه، وهم كثر، وللطارئين على الأدب من أمثاله، لكي يفهموا أن وجود البعض في صداقة افتراضية معهم لا يتيح لهم أن يتوهموا أن الإساءة ستمر بلا حساب، ويوغلوا في دس سمومهم بهذه الضغينة. وأن لا يجعلوا من هذه النافذة محفلاً لأمراضهم ونفاياتهم وفوضاهم.
ولأن المقال طويل، سأنشره على أقسام، حسب حجم الأقسام الخمسة للقصيدة، ومن أجل أن يكون الأمر متعلقاً بظاهرة وليس ذا بعد شخصي فقط، ويقدم جوانب من طبيعة الفهم أو عدم الفهم للشعر عموماً وكذلك لتاريخ الحداثة.
• أولا سأتجاوز مناقشة العنوان (الأرض اليباب) وكذلك الإهداء لأنهما تكرار لترجمات سابقة، لأذهب إلى بداية (التجرمة) ففي المقدمة نقرأ:
بعينيّ هاتين رأيتُ (سيبيلا) في (كومي) تتدلّى في قفصٍ. وما قدمه السيد إبراهيم الماس من فهم في تجرمته (تتدلى في قفص) يمنحنا العلامة الأولى المبكرة على عدم فهمه.
فقد كتب إليوت التقديم باللاتينية والكلمة المحددة هي: Ampulla(أمبولة) وترجمت للانكليزية زجاجة أو قارورة أو جرَّة، ولكن ليس قفصاً حديدياً أو حتى خشبياً. ولتوضيح هذا المشهد الغريب فإن النص مقتبس أصلاً من كتاب «ساتريكون» لبترونيوس وفيه سخريَّة وتصعيد للخيال، فقد وردت العبارة على لسان تيرمالثو الذي أراد إثبات قدرته على المبالغة وهو في حالة سكر مع مجموعة من السكارى الذين راحوا يتبارون في سرد أكثر الحكايات غرائبية ومبالغة.
• عند الدخول إلى النص فإنَّ أول ملاحظة تظهر هي عدم التزام تجرمته، لا بالترقيم ولا بالسطر الإليوتي وتوزيعه، وهذا لمن يعرف نزراً بسيطاً من حرص إليوت على التوزيع الدقيق سيعرف مستوى العبث الذي طال شكل القصيدة.
• التجرمة:
«نيسانُ أقسى الشّهور:
يتناسلُ الليّلكُ في الأرضِ الميّتة
وتمتزِجُ الرّغبةُ في الذّكرى
وتهتاجُ الجُذورُ الشّاحبة بمطرِ الرّبيع»
عدا عن الخطأ الواضح في فهم (mixing) فإن تركيب الأبيات كلها خطأ لأنه يجعل الليلك فاعلاً، وكذلك الرغبة، والجذور، وهو خطأ يغير المعنى تماماً. لأنَّ نيسان هو من يبعث الليلك، ويمزج الذاكرة بالرغبة ويهيج الجذور… الخ. ولا تبعث من تلقاء نفسها.
• التجرمة: يا ابْن البَشَر.
أولا: العبارة بالإنكليزية بسيطة وواضحة جداً:
Son of man
ثانياً إليوت نفسه أحال في هامشه على هذا البيت إلى سفر حزقيال إصحاح 2 وفيه: يا ابنَ آدم، ويمكن ترجمته كذلك بتصرف إليوت يا ابن الإنسان، أو حتى البشريِّ، فمن جئت بصيغة الجمع: البشر؟
• التجرمة: «فإلى ماذا يا فتاتي الإيرلنديّة /إلى ماذا تَتَردّدين؟» هذا تمثيل آخر للاضطراب لأن الترجمة: «يَا صَغِيْرتي الأيرلنديَّة… أينَ أنتِ الآن؟» ومع أن العبارة وردت أصلاً بالألمانية فهي متاحة ومترجمة كثيراً في الانكليزية ولم ترد في هذه الصيغة المضطربة مطلقاً.
• التجرمة: «يداكِ مليئتان، وشَعْرُكِ مُبْتَلّ» المخاطب هنا مذكر وليس مؤنثاً، والدراسات النقدية الحديثة اعتمدت بشكل كبير على هذا المقطع بالذات للإشارة إلى نزعة اشتهاء المثيل لدى إليوت. وهو المقطع المعروف بـ: غادة السوسن.
• التجرمة: «البَحْرُ فارغٌ ووحيد» هنا استعير ظرافة عبد الواحد لؤلؤة فأقول: كيف يفرغ البحر؟ هل يفرغ من الماء مثلا؟ وكيف يكون وحيداً؟
الترجمة: (كئيبٌ ومهجورٌ هو البحر.)
• التجرمة: «لديها صُرَّةٌ شريرةٌ مليئةٌ بالبطاقات»
كيف لنا أن نتخيل العرَّافة مدام سُوستريس تحمل البطاقات في صُرَّة! هل تعيش في جبال كردستان أو صحراء العرب؟ أم إنها تعيش في قلب لندن.
إنها رُزمة أوراق تحملها بيديها، وليست صُرَّة يا ألماس. والترجمة الدقيقة: «تحملُ رُزمةَ خبيثة من أوراق اللعبِ»
• التجرمة: «هذي بطاقتك أيّها البَحّارُ الفِينِيقِيّ الغريق»
إضافة كلمة (أيها) هنا للتمويه على تشويهه لترجمة لؤلؤة، تدل على مستوى الفهم للعبارة وللقصبدة ككل فهي ليست موجودة أصلاً.
فالترجمة الدقيقة: «هذهِ ورقتُكَ: البحَّارُ الفينيقيُّ الغريقُ.»
لأن العرافة تريه بطاقة طالعه وقدره وحظه بصورة البحار الغريق.
• التجرمة: «ها هما اللؤلؤتين كانتا عيناه»
ولأن نص ترجمة لؤلؤة (لؤلؤتين كانتا عيناه) وقد قدَّم فيها خبر كان على اسمها فجاء منصوباً، ، فلم يفلح الماس في ترتيب جريمة كاملة للسطو على اللؤلؤ، فصار عقله في خبر كان وأصبح (منصوباً عليه) فضاعت عليه الأمور ووضع (ها هما) للتمويه، فضاع عليه النحو، ثم رفع (عيناه) فضاع كل معنى ممكن. وألى الجعل المشتكى!
• التجرمة: وهذه هي البطاقة وهي خاليةً، يَحْملها على ظهرهِ مِثْلَ شيءٍ محظورٍ أن أراه.»
هنا نحن أمام إحدى النوادر التي ستتصاعد فيما بعد بشكل أكثر إثارة، فلنتخيل مع هذه المخيلة الماسية رجلاً يحمل ورقة لعب من فئة الكوبا أو الديناري، وهو ينوء وينحني تحت ثقلها! ودعك من الأخطاء النحوية فهي أكثر من أن تحصى.
طبعاً المقصود أن العرَّافة ترى وتصف في تلك الورقة صورة تمثل رجلاً يجمل شيئاً ما على ظهره لا تتبينه جيداً وإليك ترجمتها الصحيحة:
«وهُنا التَّاجِرُ الوحيدُ العينِ، وهذهِ الوَرَقَةُ الفارغةُ، شيءٌ يَحملهُ على ظَهْرهِ مُنِعَتْ عنِّي رؤيتُهُ»
• التجرمة «لا أجدُ /الرّجل المَشْنوق. /أخافُ الموتَ بالماءِ»
المتحدثة هنا لا تزال العرَّافة وهي تخاطب جليسها وتحذره من مصير الموت بالغرق، فكيف تخاطبه بـ: أخاف؟
الترجمة الدقيقة: لا أرى الرَّجُلَ الْمعلَّقَ. إخْشَ [أنت] الموتَ عن طريق الماء.»
وهنا من المهم أن أشير إلى أن «الرجل المعلَّق» كما ترجمها توفيق صايغ هي الترجمة الأدقّ برأيي، وهي ملائمة لعبارة إليوت: «The Hanged Man» في السياق الذي جاء داخل القصيدة، أكثر من الترجمة الحرفية المعتادة: «المشنوق» في ترجمات لويس عوض، ويوسف سامي اليوسف، وماهر شفيق فريد، أو «المصلوب» في ترجمة عبد الواحد لؤلؤة، لأن صورة تلك البطاقة في ورقة التاروت هي لرجل معلَّق من إحدى قدميه إلى الأعلى، بينما رأسه يتدلى متأرجحاً إلى الأسفل، وليس مشنوقاً أو مصلوباً.
• التجرمة: شاكِراً لكَ. إذا ما رأيتَ السيّدة العزيزة…
المتحدث هنا هي العرافة، تشكر الراوي على زيارته لها، فكيف أصبحت مذكراً يخاطب المذكر؟
• التجرمة: «تحت ضباب فجرِ الشتاءِ الأحمر» لا أدري كيف اختار لكلمة Brown للون الأحمر! وكيف تلاعب بإسناد الصفات العشوائي، فإليوت يتحدث عن اختلاط الضباب ببقايا الخيط الأسود قبل بزوغ الفجر.
الترجمة: «تحتَ الضَّبابِ الأسْمَرِ، في فَجْرٍ شَتْويٍّ.»
• التجرمة: «حافظت على الساعات» ما معنى حافظت على الساعات؟
المقصود في عبارة إليوت إن ساعة الكنيسة تضبط الوقت فالترجمة الدقيقة هي: تضبط الوقت.
يتبــــــع.