في كل مناسبة تحاول القوى السياسية أداء دور الممثل الكوميدي على خشبة نظام المحاصصة الذي ورثناه منذ ثمانية عشر عاما، لاضحاك الجمهور بتعهدات نسمعها كل اربع سنوات تحت عنوان التغيير، لكنها لا تدرك بان اغلبية “عباد الله” اصبحت لديهم حصانة تمنع تمرير تلك المشاهد الكوميدية ولعل اخرها التصويت الخاص بالقوات الامنية والنزلاء في المعتقلات والراقدين بالمستشفيات.
فبعد دقائق على اغلاق ابواب مراكز الاقتراع عند مساء يوم الجمعة، بدأت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلف تشكيلاتها تنقل البيانات العاجلة والتهاني “المبهجة” من قبل زعامات القوى السياسية وقادتها، وكل جهة تدعي حصولها على اغلبية الاصوات واحرازها المراتب الاؤول التي سجلتها مبكرا من حصتها، حتى قبل نقل صناديق الاقتراع واجهزة التصويت لمفوضية الانتخابات وكأنها “تقرأ المخفي او تعلم الغيب”، ليظهر علينا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بخطاب متلفز موجه لانصاره الذين خرجوا باحتفالات في ساحة التحرير كاعلان عن فوزهم بالتصويت الخاص، متحدثا بانه وتياره، اخر الحلول وان رئيس الوزراء يجب ان يكون صدريا، ولمح في خطابه بامكانية انسحابه من العملية السياسية في حال عدم حصول على رئاسة الوزراء حينما قال.. “اذا لم انجح بفرض الاصلاح باغلبية مريحة لن انخرط بالفساد وسنعلن ذلك بكل وضوح”، كما انه وجه رسالة للمنشقين والمطرودين من التيار الصدري بانه عفى عنهم وسامحهم في محاولة لكسب اصواتهم وتأييدهم للمشاركة في مشروع الاصلاح كما يقول.. بعد تيقنه بعدم تحقيق الاغلبية التي كان يروج لها بسبب تراجع جمهوره.
لكن… التيار الصدري لم يكن الوحيد الذي احتفل بالانتصار “المزعوم” ليكون لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي نصيبا من تلك الحملة حينما اشاد بتغريدة على تويتر “بوقفة القوات الامنية في الاقتراع الخاص والتي تدل على وعيهم الكبير وارداتهم في مساندة القانون والدفاع عن العملية السياسية في البلاد، ليخاطبهم بان دولة القانون تجدد العهد لكم يا ابطالنا بالوقوف بجانبكم وتقوية اجهزتكم لانها درع العراق الحصين”، متجاهلا بان القوات الامنية في عهد ولايته لرئاسة الوزراء تعرضت لاهانة كبيرة بفضل قياداتها التي كان يزكيها بنفسه ولعل واحدة من تلك الاهانة سقوط ثلث البلاد بيد تنظيم داعش، ليلتحق بعدها الامين العام لحركة العصائب الشيخ قيس الخزعلي بالمروجين لتحقيق الانتصار بالاقتراع الخاص ليبلغنا بان “مشاركة القوات الامنية بهذا الشكل زادته املا واطمئنانا بمستقبل العراق”، في حين وجدت الاطراف الاخرى وخاصة تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي نفسه امام فرصة لركوب موجة الانتصار على منافسيه من خلال الترويج لحصول مرشحيه على المراتب المتقدمة في جميع الدوائر وكأن نتائج الانتخابات حُسمت بشكلها النهائي.
الغريب في الامر… بان جميع المحتفلين بالنصر لم يحاولوا الوقوف عند الخروق التي سجلت في مراكز الاقتراع والتي كانت بدايتها من الترويج لبعض الكتل السياسية قرب المراكز الانتخابية وبداخلها وخاصة الكتلة الصدرية، واطلاق بعض عناصر الاجهزة الامنية هتافات تؤيد جهات سياسية متنفذة داخل مراكز الاقتراع، والاكثر من ذلك تصوير عملية التصويت لبعض منتسبي الاجهزة الامنية من خلال الهواتف النقالة التي اصدرت المفوضية والجهات الرقابية العديد من القرارات بمنع ادخالها لمراكز الاقتراع، إضافة إلى غياب مراقبي الامم المتحدة عن العديد من المراكز لاسباب نجهل تفسيرها والتي تحتاج لاجابات واضحة من بعثة الامم المتحدة وممثليها، لكن الظروف لم تنته عند هذه النقاط، وماحصل في محافظة الانبار يثبت حقيقة وجود نوايا للتزوير ، حينما غادر فريق المراقبين احد مراكز الاقتراع في قضاء الكرمة، شرقي الفلوجة، بعد مشاجرة مع قوة من الجيش في المحافظة التي يدعي تحالف تقدم بانها ستكون من حصته في مقاعد البرلمان القادم، لتكون على موعد مع خرق اخر ، حينما اظهر مقطع فيديو مسرب عملية شراء اصوات الناخبين من القوات الامنية مقابل كارتات تعبئة رصيد للهواتف المحمولة (موبايل)، للاسف جميع تلك الخروق، تدعي الجهات الرقابية وخاصة الامم المتحدة عدم تسجيلها او ملاحظتها حتى حينما تواجد عناصر من التيار الصدري باسلحتهم بالقرب من مركز انتخابي بمحافظة النجف يضم ثلاث محطات ويحمل الرقم (364550)، لم ترصد تلك الجهات المسلحين رغم تجوالهم بشكل علني وامام الجميع، فهل بعد ذلك يكون حديث عن نزاهة الانتخابات؟..
الخلاصة… أن تحرك القوى السياسية وتسابقها باعلان النتائج مبكرا والحديث عن انتصارها، يؤكد الاستعداد “لفوضى” قادمة تقودها تلك الجهات من خلال الطعن بنتائج الانتخابات واعلان تزويرها في حال خسارتها او عدم تحقيق ما كانت تتمناه وتروج له من مقاعد برلمانية وخاصة اصحاب هتافات “الاغلبية بمئة مقعد”، في وقت تظهر المعلومات بان نسبة المشاركة بالتصويت الخاص كانت نحو ثمانية وواحد وعشرين الفا وثماني مئة ناخب من اصل مليون وخمس مئة وسبعين الفا وسبع مئة وسبعة وعشرين مشمولا، وهذا يعني ان النسبة اقل من خمسين بالمئة، وهي نسبة قد لا تتحقق في الاقتراع العام،… اخيرا… متى يقتنع البعض بان الانتخابات مجرد كوميديا تمارسها القوى السياسية؟..