تعود المواطن في العراق متابعة الأخبار على الساحة السياسية على مدى عقود من الزمن عن طريق المذياع حيث لا يخلو بيت من ذلك الجهاز الناطق والعجيب آنذاك , كونه الوسيلة الوحيدة للتواصل مع مجريات الأحداث اليومية في العالم الخارجي , لا سيما ما كان يمر به البلد من صراعات وتحديات مصيرية وتكالب الدول العظمى والتسابق فيما بينها للسيطرة على منابع آبار النفط بإعتبار العراق لقمة سائغة لكل من هب ودب ومنطقة غنية بالذهب الأسود وملتقى لثلاث قارات مما زاد في أطماعهم للتدخل بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالرغم من معارضة بعض الجهات التي كانت لا تشكل عائق أمام مخططاتهم الدنيئة , حيث إعتاد الشعب آنذاك بين فترة وأخرى سماع البيان رقم واحد عبر الأثير عن قيام ثورة أو إنقلاب مدعوم بقوات مسلحة ليصار بعدها الى إعلان حالة الطوارىء ومنع التجوال لمدة محدودة حتى تعود الأمور الى طبيعتها بعد تصفية المناوئين وإحالتهم الى المحاكم المختصة , لكن بعد تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة والذين عاثوا في الأرض الفساد , وتحول نظام الحكم من النظام الدكتاتوري الى فضاء رحب من الديمقراطية بمشاركة واسعة لممثلي أطياف الشعب العراقي كافة في تشكيل الحكومة الجديدة وحسب التمثيل السكاني من خلال إجراء الأنتخابات التشريعية في سابقة لم يشهدها العراق , حيث لم نعد نسمع بقيام ثورة أو إنقلاب عسكري وأصبح تداول السلطة بشكل سلمي بعيداً عن المظاهر المسلحة .
لكن الغريب في الأمر ونتيجة للديمقراطية المفرطة وغياب الدور الرقابي ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب والتعمد في إبعاد الكفاءات من التكنوقراط والإعتماد على العمق العشائري والطبقي عند إختيار المسؤولين في الأجهزة التنفيذية وإنتشار الفساد في جميع مفاصل الدولة وفقدان الأمن وتحكم الميليشيات بالرأي العام في الشارع العراقي , باتت المناصب السيادية تباع وتشترى بالمزاد العلني وبملايين الدولارات كأي سلعة معروضة للبيع وقابلة للتفاوض والمساومة على التسعيرة المتفق عليها عن طريق شبكة من المافيات والسماسرة التي تتاجر بمقدرات شعب عانى من ظلم وتهميش الأنظمة الدكتاتورية والتي أنهكت قواه بالممارسات اللامسؤولة وذاق الأمرين من معطيات الحروب التي خاضها لا سيما في الفترة المظلمة من الحكم الشمولي لأزلام النظام البائد وعلى مرآى ومسمع الذين يتصدرون المشهد السياسي من ممثلي الأحزاب السياسية المشاركين في الحكومة دون رادع ولا وازع من خلال عقد صفقات مشبوهة خلف الكواليس وبمباركة أجندات خارجية لها مصالحها الإستراتيجية في المنطقة .
كان العراق مصدر القوانين والتشريعات والتي أرسى دعائمها أبو القانون حمورابي حيث باتت مسلته المشهورة تدرس في جامعات العالم أجمع والآن مع الأسف في بلد القانون تخترق القوانين بإسم القانون مع سبق الإصرار والترصد غير مكترثين بما تؤول اليه النتائج إنطلاقاً من التمسك بالمصلحة الشخصية ضاربين المصلحة العامة عرض الحائط .
أين نحن من إحترام الأنظمة والتعليمات والسياقات الإدارية والقانونية ومدى الإلتزام بها وكما متبع ومعمول به في غالبية دول العالم عند تشكيل الكابينة الوزارية بعد إعلان نتائج الإنتخابات التشريعية ؟