لم تكن كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953 ، إلا دولة منهارة تماما قتلت الحرب التي قامت بينها وبين كوريا الشمالية أكثر من أربعة ملايين مواطن كوري ، وكان اختياري لهذه الدولة التي حرقت مراحل النمو خلال ثلاثة عقود ، هو أنها لم تكن تملك أموالا كتلك التي يملكها العراق ولا تملك ثرواته الطبيعية ، وهي ايضا بخلاف العراق الذي مر عليه اليوم عقدان وهو يتمرغ بالتراجع ويتخبط في بناء اقتصاده ، وبرغم أنه لم يكن بذات البداية المفجعة التي بدأت فيها كوريا الجنوبية . إلا أنه لم يحقق ما حققته هي في ثلاثة عقود .
كوريا الجنوبية ، الموقع الجغرافي .
تقع كوريا الجنوبية في شرق آسيا في النصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية ، وتقع عموما على الأسطح المائية ، وتبلغ حدودها البحرية أكثر من 2413 كم ، وهي محاطة غربا بالبحر الاصفر ، ومن الجنوب يحدها بحر الصين الشرقي ومن الشرق بحر اليابان ، وتقع كوريا الشمالية في شمالها ، ولها امتدادات كثيرة وجزر بحرية متناثرة . تبلغ مساحتها 99،392 الف كيلومتر مربع ، وعدد سكانها لعام 2024 ، بلغ حوالي 52 مليون نسمة والعاصمة فيها سيؤل .
النظام السياسي .
على إثر استسلام اليابان للحلفاء عام 1945 ،، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ،، تم إعلان استقلال شبه الجزيرة الكورية ، وفي العام 1948تم تقسيم هذه الجزيرة إلى دولتين ، كوريا الشمالية بزعامة كيم ايل سونغ ، وكوريا الجنوبية برئاسة سونغ مان لي ، وأعلن النظام الاشتراكي في الشمال والنظام الرأسمالي في الجنوب ، وبسبب النزاع والحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والصين (آنذاك )من جهة وبين الويلايات المتحدة والغرب من جهة أخرى ، فقد اندلعت الحرب الكورية عام 1950 عندما هاجمت كوريا الشمالية بمساعدة الصين كوريا الجنوبية ، واستمرت الحرب مشتعلة حتى العام 1953 حيث تم وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاقية الهدنة بين الدولتين الكوريتين ، وانشاء ارض فاصلة منزوعة السلاح بين الدولتين الشقيقتين .
اخذت كوريا الجنوبية بالنظام الديمقراطي ، يحكمها رئيس منتخب وهيئة تشريعية ، نظامها دستوري صارم ، لها سلطات محددة الواجبات في التشريع والتنفيذ والقضاء ، وبحسب تقييم صحيفة الايكونومسكت ، كوريا الجنوبية دولة ذات ديمقراطية كاملة ، وبموجب معيار V–Dem احتلت كوريا الجنوبية المرتبة الثالثة للديمقراطية في آسيا عام 2023 .
كوريا والتحول الاقتصادي المدهش .
خرجت كوريا الجنوبية محطمة الأركان والقدرات من الحرب الكورية عام 1953 ، وكانت تئن من ندرة وسائل الارتقاء المساعدة إلا أنها تعد من نمور اسيا الأربعة التي أذهلت العالم بقدرتها على التطور السريع والنمور الأربعة هي سنغافورة ، هونغ كونغ ، تايوان ، وكوريا الجنوبية ، واحدهم يضيف ماليزيا وتايلند ، تجارب ناجحة بحاجة للتأمل والدراسة واستخلاص العبر .
النهضة الاقتصادية الكورية .
اتبعت كوريا الجنوبية اقثصاد السوق ، وهي اليوم تحتل المرتبة 14. في العالم من حيث الناتج القومي ، وهي واحدة من اقتصادات العالم الكبرى ، والدخل فيها مرتفع وهي الآن عضوا في منظمة التعاون والتنمية ، وكانت من أسرع الاقتصادات في العالم نموا منذ العام 1960 ، اي بالتحديد بعد سبعة أعوام من انتهاء الحرب الكورية .
لم تهب الطبيعة كوريا الجنوبية الكثير من الموارد سوى بعض المعادن كمعدن التونجستين والفحم وخامات الحديد والكاولين وبقية قليلة من المعادن التي تدخل في الصناعات الحديثة ، ولها طبيعة جبلية تأكلت غاباتها بسبب كثرة الحروب ، وبعد الحرب تولى الرئيس روه السلطة واصر على أن تبقى كوريا الجنوبية دولة زراعية تحت ظل الهيمنة الأمريكية ، غير أن تولي الجنرال ( باك تشونغ هي ) السلطة في انقلاب عام 1962 ، وجنوحه نحو الديكتاتورية حول المسار الاقتصادي الكوري الجنوبي نحو الأخد بزمام التنمية الصناعية ، فقد حكم بقبضة من حديد كرجل عسكري ترأس المجلس الأعلى لاعادة البناء الوطني ، ويعود إليه الفضل في النهضة الإقتصادية الكاملة التي شهدتها كوريا الجنوبية من تصنيع ونمو اقتصادي سريع نتيجة لقراره الحكيم (التصنيع من اجل التصدير ) وقد اعتبرته مجلة تايم عام 1999 أنه واحد من افضل عشرة اسويين في القرن العشرين ، وقال احدهم أن سياساته الاستبدادية وان كانت مقيته الا إنها كانت وراء اعلان كوريا الجنوبية أول النمور الاسوية في النمو حيث بلغت نسبة النمو فيها بعض الأعوام ال 9،5 بالمئة ، وكثيرا ما توصف نهضة كوريا الجنوبية بالمعجزة الحقيقية حيث تحول الاقتصاد فيها من اسوأ حالات التخلف إلى اقتصاد يناطح بمرونته اقوى الدول الصناعية . وقد وقعت هذه الدولة عام 2010 اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاوربي.
ان من أهم اسباب النمو السريع في كوريا الجنوبية .
اولا ….نظام التعليم . وضعت الحكومات المتعاقبة التعليم في مقدمة اولوياتها وجعلت الشعب متحمسا للتعلم والاقبال على التكنولوجيا الحديثة .
ثانيا…. اتبعت كوريا الجنوبية نظاما مشجعا للتوفير ومشجعا لأولي.الكفاءة ورأسمال لضمان سرعة الاستثمار وكانت هذه الدولة في مقدمة دول التعاون من حيث القدرة في التوفير والادخار في الثمانينات والتسعينات .
ثالثا….. ان التصنيع كانت تقوده الحكومة ، وتعمل جاهدة على أن تتبع سياسة الحزم بشأن عدم تنفيذ المخططات السنوية للإنتاج ، وان يكون موجها للتصدير سييما في السنوات الأولى . وقد كانت الدولة تتدخل حتى في مديات تنفيذ القطاع الخاص لبرامج التنمية السنوية ، وكانت تتقاسم كافة الجهات المخطط العام التنمية السنوية .
رابعا….اتباع سياسة التوازن الدقيق بين الظروف الداخلية ، والظروف الدولية وإتباع سياسة تسببت في تثبيت العملة الوطنية .
ان ما حققته كوريا الجنوبية جدير بالتأمل ومدعاة لنقد تجاربنا في العراق والوطن العربي ، وانها دولة قدمت نموذجا موجعنا لنا ونحن نقطع أكثر من عقدين دون تقدم ملحوظ ، بدا واضحا اليوم في وقفة أهل غماس ، وهم يؤشرون إلى مستشفاهم وهي قيد الإنجاز والتأخير منذ اكثر من عشرة أعوام ، او مجاري الناحية التي لا زالت تنتظر الإنجاز في قادم الأيام والحليم تكفيه إشارة الابهام ……..