يمتاز العراقيون بصورة خاصة بالمقدرة على التعامل مع الازمات في كل زمان ومكان ولعل ما يثبت هذا الكلام الفعل المتميز والمواقف التاريخية وما اكثرها . فنحن نعلم بأن بلدنا وطيلة اعوامه المنصرمة واجه الكثير من المخاطر وصارع الويلات وتحمل الأمرين في بقائه على هذه الأرض . من الحصار وما تلاه من الاحداث التي اعقبت الحرب وسقوط النظام السابق في نيسان من عام 2003 واحتلال أميركا وداعش ومحاولات التفرقة الطائفية التي سعت اليها العديد من الجهات ، تاريخيا وفيما يخص الامراض والكوارث الطبيعية فقد تعرض العراق الى وباء قبل (190) عاما وبالتحديد في سنة (١٨٣٠م) بعد تفشي الطاعون في ايران وبعد شهرين وردت الأخبار عن وصوله الى كركوك فطلب داوود باشا والي بغداد آنذاك من طبيب القنصلية البريطانية القيام بإعداد الية للحجر الصحي بغية منع الوباء من التفشي وقد أعد الطبيب المنهج، لكن بفعل المتزمتين من رجال الدين في بغداد واللذين أفتوا بأن الحجر الصحي يخالف الشريعة الإسلامية ومنعوا داوود باشا من اتخاذ أي عمل لصد سير الوباء ولهذا كانت القوافل الواردة من ايران وكردستان تدخل الى بغداد وبكل حرية كما ذكر علي الوردي . بعدها تفشى المرض وانتشر وفتك الوباء بالناس وخلت الشوارع من المارة وتكدست فيها جثث الموتى وعجز الأحياء عن دفن موتاهم.
وفي عام (١٨٤٦ م) بدأ وباء اخر يسري نحو بغداد وكان قادما من ايران ايضا كما يقول الوردي حيث انتشر في ايران داء الكوليرا حتى وصل الى العراق وبعد أقل من خمسة عشر يوما حصدت الكوليرا ارواح (٤٣١٨ ) نسمة من السكان من مختلف الفئات العمرية وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد وبمرض جديد من نوعه وأسرع فتكا من الأوبئة السابقة ،كورونا فيروس خطير من نوعه نتعايش معه اليوم بخوف وحذر من القادم وماذا ينتظرنا وكيف ستكون نهاية هذا المرض وهو الان يزداد انتشارا بين الناس والخوف الأكبر اذا حصلت زيادة بإعداد المصابين من هذا الفيروس ونحن نعاني من أزمة في المستشفيات وعجز في المؤسسات الصحية والفساد المستشري فيها بالإضافة الى قلة الوعي لدى الغالبية من المواطنين وعدم التزامهم بكافة التوصيات الصحية والإلتزام بالبقاء في المنازل.
المواجهة الحقيقة لهذا المرض هي عقولنا التي ستنقذنا من هذا الوباء بالتثقيف والتصرف السليم والحفاظ على النظافة وعدم الاستهانة بالتوصيات والإرشادات الخاصة بهذا النوع من المرض، ليس حرصا على أنفسنا فقط بل على أرواح من نحب لسنا على استعداد لخسارة أحد . يكفي ما فقدناه طيلة السنوات الماضية وفي المظاهرات الأخيرة التي يشهدها العراق منذ شهر أكتوبر الماضي يكفينا فجيعة وحزنا تمنياتي بالسلامة للجميع في عراق حر معافى كان ومازال وسيظل مركزا للحضارة والايمان . انموذجا يحتذى به وباهله الصابرين واللذين يمثلون اغلى واثمن الكنوز التي تضمها هذه الارض الطاهرة .