18 ديسمبر، 2024 10:11 م

كورونا والآثار النفسية والسلوكية على الأفراد والمجتمع

كورونا والآثار النفسية والسلوكية على الأفراد والمجتمع

فوجئ العالم – على حين غره – بانتشار وباء (كورونا) ليصاب في أيام معدودات ألاف الأشخاص بما عجزت المستشفيات استيعاب أعدادهم؛ ناهيك عن الذين توفوا نتيجة أصابتهم بهذا الفيروس القاتل؛ الذي اخذ ينتشر بسرعة نحو كل دول العالم، وفي ظل هذه الانتشار السريع لفيروس أعلن وعلى الفور بإجراءات وقائية قاسية من الإغلاق العام.. وحضر التجوال وعدم الخروج إلا للضرورة؛ لتشل منظومة الحياة على كوكبنا؛ بعد إن تم تعطيل شؤون الناس؛ لتتغير مسار حياتهم الطبيعية؛ لتظهر بهذه الإجراءات الوقائية أنماط حياتية غير معتادة .

وهذا ما اثر ثاثيرا سلبيا على (الصحة النفسية) للأفراد والمجتمع بما سببته الجائحة من ارتباك في السلوك والتصرف وزاد عندهم مشاعر القلق والخوف بما حدة هذه الضغوطات على مشاعر الإنسان اثر (التباعد الاجتماعي) و(الحجر المنزلي) الذي فرض على المجتمعات بنطاق واسع، ومع انتشار الوباء وعجز الدوائر الصحية من معالجة هذا الوضع الطارئ لعدم كفاية الإمدادات المالية واللوجستية التي كشفت عن عيوب النظام الدولي والوجه القبيح لـ(لرأسمالية) التي هيمنت على مقدرات العالم بنظامها (العولمة) وبفلسفتها (الليبرالية) و(النيوليبرالية) التي سقطت مع فشلها في مواجهة هذه الجائحة كل نظريات والتخطيط الإستراتيجي لها؛ بعد إن تبين حجم التهميش وعدم وضع ضمن أولوياتها الخدمات الصحية.. والتربوية.. والثقافية.. والفنية.. والاجتماعية.. والنفسية.. بقدر اهتمامها بالاقتصاد والصناعة والتجارة والمال والأرباح؛ لان جل غاية الفكر(الرأسمالي) هو جمع الثروات حتى وان جاء على حساب صحة الفرد والمجتمع؛ ليدفع العالم ثمن هذا الخلل وسوء التخطيط ليعيش تحت وطأة تجربة قاسية من الاختبار النفسي، ونتيجة هذه (العزلة) التي طوقت كل المجتمعات البشرية بالوحدة.. والانفراد.. والتباعد الاجتماعي؛ عاش الأفراد تحت وطأة الاضطرابات النفسية القاسية بالإجهاد.. والأرق.. والقلق.. والتوتر..والتردد.. وسوء المزاج.. والإرهاق.. والعصبية.. والاكتئاب.. وهذه الأحاسيس في العادة تزداد تفاقما مع الأزمات سواء مع الحروب أو مع انتشار الأوبئة؛ وكيف الحال ونحن نعيش اليوم أسوء أزمة وبائية تواجه المجتمعات والإفراد؛ والتي تزداد أساسا لدى من يعاني من الإفراد من مشاكل نفسية أو لديهم اضطرابات سلوكية في صميم شخصياتهم، وحين تفرض (العزلة) و(التباعد الاجتماعي) فان أمرهما لا محال سيزيد من معاناة للذين يعانون أساسا من مشاعر الوحدة والعزلة؛ رغم إن (التباعد الاجتماعي) و(العزلة) التي أقرت من قبل منظمات الصحة وفرضتها حكومات دول العالم له أهميته في تقليل الإصابات بالفيروس (كورونا) وإبطاء انتشاره وتقليل الضغط على الدوائر الصحية وللحد من انهيارها في حالة ارتفاع معدلات الإصابة؛ بكونها غير مهيأة وتعاني أساسا من عجز في التمويل والذي لا يمكن التعامل مع هكذا حالات الوبائية الواسعة الانتشار بكفاءة؛ ومع ذلك فان أمر (التباعد الاجتماعي) و(العزلة) اتخذ رغم يقين خبراء الصحة النفسية والوقائية بكون اتخاذ هذا الأمر هو خيار صعب بين آمرين متضادين فخيار (العزلة) و(التباعد الاجتماعي) له فوائد للحد من الانتشار؛ ولكن له أضرار نفسية وسلوكية وخاصة لمن يعانون منها أساسا .

 

تأثيرات التباعد الاجتماعي على الصحة النفسية

 

ولهذا فان الآثار النفسية الناجمة عن تعطيل مصالح الناس وأحداث شلل في تحركاتهم وحريتهم واضطرارهم البقاء في المنازل ضمن قيود التي فرضت على المجتمعات؛ فكان (التباعد الاجتماعي) له انعكاساته النفسية بعد إن تم تقيد التعامل والتواصل اليومي للأفراد؛ وهذا (التباعد الاجتماعي) كان له انعكاسا سلبيا في طبيعة الحياة الاجتماعية بصورة عامة بكون الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع إن يعيش خارج هذا الإطار الاجتماعي المعزز بروابط الأسرية من المحبة.. والألفة .. والصداقة.. والقرابة.. والجيرة، ففرض (التباعد الاجتماعي) و(الحجر المنزلي) في هذه الظروف هي أشبه ما تكون عقوبات لتقيد الحرية وسلبها.

فتغيرات التي طرأت في نمط الحياة وسلوك المجتمعات سواء على المستوى الصحي.. والنفسي.. والاقتصادي.. والاجتماعي.. وبما أشيع من إشاعات سلبية في مختلف وسائل (الإعلام) بشان الوباء وانعكاساته على الأوضاع المعيشية؛ بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية.. وإغلاق الحدود.. والطيران.. وتعطيل الدوام.. بما صاحب من رهاب النفوس تخص في كيفية توفير مستلزمات المعيشة وفي كيفية تعامل مع الأزمة، بما شكل هذا الحدث طفرة نوعية في سلوك الإنسان السوي، فكيف بالذي يعاني أساسا من أزمات نفسية ونحن نعيش في عالم العولمة.. والتفكك.. والفوضى ألخلاقه.. بشتى مجالات الحياة؛ بما جعل (الإنسان) عبر هذه التكنولوجية العالية والصناعة الرأسمالية (متشيئ) في الأشياء ومعدات المصانع؛ لتأتي قيود التي فرضتها الجائحة لتحول الحرية إلى قيود وفرض الإقامة الإجبارية في المنزل ومنع التنقل والسفر بين المدن ودول العالم؛ لدرجة التي قيدت زيارة الأهل والقيام بواجبات دفن الموتى.. أو المشاركة في الأفراح.. والزواج.. وأعياد الميلاد.. والتخرج.. أو زيارة الأقرباء.. والأصدقاء.. وغيرها من المناسبات الاجتماعية؛ بما ترتب عن هذه القيود صعوبات من الصعب تقبلها مجتمعيا، وهو الأمر الذي فاقم من حدة المشاعر.. والقلق.. واليأس.. والاكتئاب.. والخوف.. والهلع من المستقبل.. وهذا كله عكس سلبا في سيكولوجية الإنسان وسلوك الفرد والمجتمع؛ بما زادت هذه الظرفية العصيبة من تدهور (الصحة النفسية) للإنسان بصورة عامة، بمعنى إن الإنسان لا يستطيع التكيف والاستمتاع بتفاصيل الحياة.. لا الخاصة ولا العامة؛ بمعنى إن الإنسان لا يستطيع سلوكيا التكيف مع الواقع؛ وبالتالي لا يستطيع إن يكون عنصرا فاعلا في المجتمع؛ ولما كان بطبع الإنسان أو المجتمعات بصورة عامة إثناء الحروب والأوبئة والأزمات والكوارث أين كانت نوعها تتفاقم لديهم مشاعر الخوف.. والقلق بما تدفعهم إلى ممارسة بعض السلوكيات الغير المنطقية واللاعقلانية والمتناقضة، وضمن واقعنا اليوم ونحن نعيش إرهاب وباء فيروس (كورونا) القاتل؛ حيث تتفاقم أوضاعنا النفسية بما تنتاب في أعماقنا من مشاعر الخوف.. والقلق من الإصابة بالفيروس ومن الآم المرض.. ومن الحجر الصحي.. والخوف من فقدان المال بسبب فقدان للوظائف والتفكير المقلق في كيفية توفير مستلزمات المعيشة، فهذه حالات هي نوع من أنواع (فوبيا) تؤثر في سلوك الإنسان؛ الأمر الذي يغذي رهاب القلق وسلوك الاحترازي مما يضاعف حالة الارتياب عنه بشكل مرعب مما تعمق من حدة الأزمة النفسية للإفراد والمجتمع؛ وهو الأمر الذي يربك مستوى الشعور عند الإنسان ويعمق تداعياته في سلوكه المستقبلي بعد إن يصبح مرضا نفسيا وقعه على الذات سيكون شديد التأثير، لذلك فان صدمة انتشار الفيروس (كورونا) ترك وسيترك تداعيات سيكولوجية على الفرد والمجتمع؛ وبما يرافق عليهم من أعراض نفسية واجتماعية بدرجات متفاوتة وحسب وقعها، فـ(الحجر المنزلي) و(التباعد الاجتماعي) و(تقيد حركة الإنسان) هي ما تعمق في ذات الفرد مشاعر القلق.. والضيق.. والتردد.. والارتباك.. والملل.. والإحباط.. والتكدر.. بما تزيد في ذاته مشاعر العدوانية والانزعاج وفقدان التركيز، وهذا ما يعزز في مشاعره التشاؤم وسوء الظن بالآخرين؛ وكل ذلك تفاقم من حالات النفسية الصعبة والتي تقتضي متابعتها وعلاجها من قبل المختصين في علم النفس والطب النفسي الوقائي؛ فالحجر المنزلي والعزل عن الأهل.. والأقرباء.. والأصدقاء.. والأحباب.. وتقيد حرية الفرد.. كلها لها ارتدادات مرضية ونفسية؛ وقد تضاعف من حالات (انفصام الشخصية) بعد إن يأخذ الملل مأخذه من الأفراد في عزلتهم، لذلك فان (العوامل الاجتماعية) من العوامل المهمة التي لها تأثيرات نفسية لمن يخضع للحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي ألقسري؛ إضافة إلى (العامل المادي) لمن يفقدون وظائفهم في هذه الأزمة الوبائية التي أثرت في المجتمعات على كل المستويات الصحية.. والنفسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية.. لأنها أزمة داهمت كل مجتمعات العالم على حين غره؛ فكان لسرعة انتشارها والإصابات التي نجمت عنها والوفيات التي وصلت في اقل من ألسنه – ولحين كتابة هذا المقال – من انتشار الوباء إلى أكثر من (خمسة وستين) مليون إصابة؛ و وفات بحدود (مليون ونصف المليون) إنسان في جميع إنحاء العالم؛ لتحدث ارتباك عالمي وعلى كل المستويات ومؤوسسات الدول؛ الاجتماعية.. والصحية.. والسياسية.. والاقتصادية، بعد إن عجز من إيجاد لقاح فوري لهذا الفيروس نتيجة طبيعة جينات الفيروس الغريبة والغير المفهومة لدى المختصين في دراسة علوم البيولوجي والأدوية اللقاحية، لذلك لم يكن أمام المعنيين سوى ألامعان في العزل الصحي والاجتماعي لتفادي تبعات الجائحة من المستقبل المجهول؛ بما تفقد السيطرة علية ولهذا انتاب رد الفعل العكسي والأثر النفسي لدى جميع المجتمعات وتحديدا لمن عاشر هذا المرض من المصابين والمحجورين وعوائل المخالطين للمصابين وهم بإعداد هائلة؛ وكذلك كان للكوادر الصحية حصتهم الأكبر باعتبارهم كانوا أكثر الفئات عرضة للآثار النفسية، ولهذا كان التوتر.. والقلق.. والارتباك.. والانفعال.. يرافق مع تزايد حصيلة الوفيات والإصابات عامة في المجتمع، ولهذا تتطلب من دوائر الصحة النفسية مراقبة الأوضاع المتفاقمة لكي لا يترتب عنها كما حدث اثر انتشار وباء (سارس) عام 2003 وهو – وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد والذي عرف باسم (سارس) – حيث ارتفع معدلات الاكتئاب.. والقلق.. والانتحار.. نتيجة تفاقم أوضاع الوباء وفقدن ألاف العاملين وظائفهم فلجئوا الكثير منهم إلى تعاطي المخدرات والكحول؛ ومن خلال ما افرزه وباء (سارس) نجد بان هناك نوع من الآثار الجانبية النفسية ظهرت بعد الوباء بالغة الشدة عقب المرض حيث ظل عدد هائل من الإفراد يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة من الاكتئاب.. والأرق.. والقلق.. وقصور معدل الإدراك .

 

لنتعامل مع كورونا بجدية ومن منظور نفسي

 

لذلك اليوم يجب أن نتعامل مع وباء (كورونا) بجدية ومن منظور نفسي؛ ليس في هذه المرحلة بل ما بعد هذه المرحلة الوبائية، لذلك تستوجب من دوائر الصحة النفسية والأكاديميات المختصة في علم النفس مراقبة معدلات القلق.. والاكتئاب.. والعصبية.. والإضرار النفسية الأخرى؛ كما حدث اثر انتشار فيروس (سارس)، علما بان فيروس (كورونا) هو أسوء بكثير من فيروس (سارس)؛ فـ(الحجر المنزلي) و(الإغلاق العام) الذي أعلن فاق كل الإجراءات التي كانت قد اتخذت وقت انتشار (سارس)؛ فعدم الأمان.. وارتفاع معدلات البطالة.. وتكرار الإغلاق لأكثر من مره ولأوقات طويلة.. وإغلاق المدارس؛ زاد من الآثار النفسية على الإفراد والمجتمعات، فكان للفئات (كبار السن) نتيجة العزل.. والوحدة.. وعدم الاختلاط.. نتيجة عدم توفر العلاج والمناعة المطلوبة لهم؛ اثر نفسي شديد الوقع في نفوسهم؛ وخاصة بعد إن فقد الكثير منهم الأهل.. والأحباب.. والأصدقاء ولم يستطيعوا التواصل معهم، وكذلك تعرض (الأطفال) وعائلاتهم إلى كثير من المعانات بسبب إغلاق المدارس؛ فكان للحظر المنزلي ألقسري واجتماع أفراد العائلة في نفس المكان له أثر في تصاعد العنف الأسري؛ وهذا ما تفاقم أوضاع الأفراد ليصبحوا عرضة للإصابة بالإمراض النفسية المزمنة بسبب مخاوف من الإصابة بالعدوى؛ ولهذا نجد بان كثير من ممارسات اليومية والسلوكية للإفراد تغيرت بسبب (الحجر المنزلي) و(التباعد الاجتماعي)، ولهذا فان بقاء لفترة طويلة في المنزل خلق تأثيرات نفسية بمختلف مستويات وعلى جميع الإفراد نتيجة تغير نمط المعيشة المحصور بين الجدران الأربع وعدم التزاور الأهل والأصدقاء واقتصارها على التواصل الاجتماعي عبر شبكات (الانترنيت) وتطبيقات الرسائل والحوارات والاجتماعات الافتراضية والبريد الإلكتروني بين الأصدقاء والأقرباء؛ باعتبار هذه الوسائل أصبحت هي المصدر الوحيد لتحاورا في زمن (التباعد الاجتماعي) الذي فرضته جائحة (كورونا) ليبقوا على حالة الاتصال مع المجتمع؛ وهذا ما إربك ساعات (النوم) لدى الكثير من الإفراد ما جعلهم يشعرون بضغط نفسي شديد نتيجة فقدان السيطرة على مواعيد (النوم) الضرورية للجسم؛ وهذا الاضطراب ما زاد حالة الضعف العام عند الإنسان والأعراض النفسية أخرى التي مهدت لتزايد حالات القلق.. والغضب.. والكآبة.. والتوتر.. والأرق.. والذي لا محال يؤثر في الصحة العقلية للإنسان، ونظرا لعدم القدرة على التكيف مع ظروف الاستثنائية التي فرضتها (الجائحة) هو الآمر الذي زاد من توتر الإنسان بعد إن أصبح المكوث في المنزل للملاين أمر حتمي.. ومفروض.. وضروري للحد من انتشار الفيروس؛ بعد إن أصبح بلايين وملايين من البشر في كل أنحاء العالم مقيدين بتعليمات الصحة وتوصياتها للمحافظة على سلامة الجميع للحد من انتشار الفيروس، ولتتمكن دوائر الصحة السيطرة على الأوضاع دون انفلاتها وتفادي انهيارها في حالة تزايد معدلات الإصابة بما لا يمكن التعامل بكفاءة مع تفاقم أوضاع الصحية وارتفاع نسبة الإصابات بفيروس (كورونا)، رغم إن قيود (التباعد الاجتماعي) – الذي فرض قسرا – ليس بالأمر السهل؛ لأنه ينافي مع طبيعة الاجتماعية للإنسان، فكيف يمكن للإنسان إن يتعامل مع هذا الواقع بايجابية دون إن تختل عنده الحالة النفسية والآثار الاجتماعية التي تترتب عنها، ولكن في ظل هذه الظروف كيف يمكن إقناع الإنسان – أين كان – بفعل شيء في وقت الذي ليس بمقدوره كـ(كائن اجتماعي) فعلها، لان في مثل هكذا الظروف القهرية لا بد من فهم طبيعة الإنسان وإحساسه ورد فعل اتجاه ما يشعر.. واتجاه أفعال تفرض عليه وهو لا يستطع فعلها وان فعلها فهو يفعلها رغم عنه مجبرا وهذا ما يؤثر في نفسيته واستقراره ووضعه النفسي، لان اليوم في (مجتمع كوكبنا) الذي لا يمكن تحديدهم بشخص أو عشرة أو عشرين بل بالملايين يخوضون تجربتهم مع ما فرض على المجتمع من (التباعد الاجتماعي) و(العزلة) وهم ليسوا بمستوى الصحة العقلية التي تؤهلهم بمواكبة هذا الواقع، لان هناك بالفعل الكثير – الكثير يعاني من مشاكل نفسية من التوتر.. والاكتئاب.. والقلق.. والوحدة.. ناهيك عمن يتعاط المخدرات وما إلى ذلك؛ فهؤلاء في ظل هذه الظروف الطارئة والإجراءات الوقائية من (التباعد الاجتماعي) و(العزلة) سيكنون عرضة للتأثر بهذه الإجراءات على نحو سلبي في وقت الذي يؤكد علماء النفس والصحة النفسية بان جميع فئات المجتمع ومن مختلف الأعمار معرضون للآثار السيئة للعزلة والتباعد الاجتماعي، وان التأثير النفسي سيكون عند كل المجتمعات واسع النطاق؛ ولكن تأثيره سيختلف من شخص إلى الأخر حسب الطبيعة السلوكية للإنسان، لان هناك أنماط من (الشخصية) كل حسب طبيعتها وسلوكها؛ فمن لهم قابلية لارتفاع حالة القلق والاكتئاب عندهم وهناك من يصاب بهستريا الرهاب للسلوك النفسي نتيجة خوفهم من العدوى، وفي جانب أخر هناك أنماط من شخصية (اللامبالاة) مع أمر (الجائحة) ويمارسون حياتهم بشكل اعتيادي؛ ولكن هذا النوع سيكون عرضة للإصابة وسيساهمون في زيادة موجات الهلع في المجتمع نتيجة زيادة انتشار الوباء؛ وهناك أيضا حالات من شخصية لها (مناعة)، وهذا كله إربك المشهد على الواقع المجتمعي؛ وخلق فيه نوع من الغموض بين الاستجابة للأوامر وعدم المبالاة بما تفرضها دوائر الصحة والجهات الحكومية .

 

التباعد الاجتماعي والآثار النفسية في سلوك الأطفال والشباب

 

ومع ما يسود في المجتمع من حالات مضطربة في كيفية السلوك والتصرف إزاء وباء (كورونا) الذي لا يعرف عنه الكثير بقدر ما تكون كل الإجراءات المفروضة أو التصرف مجرد اختبار لمعرفة سلوك الفيروس وكيفية تطوير جيناته الوراثية إزاءها، ومن هنا نجد بان الأسر تحاول تعليم إفرادها بإجراءات توقيهم من (الوباء) وخاصة للأسر التي لديها أطفال فيحاول الإباء والأمهات توجيه الأطفال بعد إن قيد حركتهم ومنعوا الذهاب إلى المدرسة أو اللعب في المتنزهات والحدائق أو أزقة الإحياء السكنية، فـ(الأطفال) في جميع إنحاء العالم يعيشون مرحلة نفسية صعبه بكونهم لهذا (التباعد الاجتماعي) و(العزلة) معرضون لسلوكيات مرضية عصبية؛ بل إن كثير من الاعتلال السلوكي يأتي نتيجة الإجهاد النفسي وارتفاع حالات التوتر؛ وهذه الحالات تربك مزاج ليس عند الأطفال فحسب بل لجميع الإفراد؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم إي جدل أو خلاف بسيط يدور فيما بين الأصدقاء أو الأقرباء؛ قد يتطور الأمر سريعا إلى استخدام العنف وينتهي بالخصومة وبين الأزواج قد يتطور الأمر إلى الطلاق، وقد تظهر عند (الأطفال) تحديدا؛ وخاصة لمن هو دون الخامسة من العمر؛ حالات من (العناد) غير مفهومة.. واضطراب.. وصعوبة التعلم.. والنطق.. والتكلم.. نتيجة بقائهم في المنزل لفترات طويلة دون الاختلاط مع الآخرين؛ لأننا علينا إن نفهم بان الصداقة في الطفولة والاشتراك مع مجموعة من الأطفال في اللعب والتحاور فيما بينهم ينمي مشاعر الألفة والمحبة في نفسية (الطفل) ويساهم في تطوير قدراته العقلية؛ وكذلك يساهم على نمو إحساسه بالحرية ومشاعر ألصداقه مع الأصدقاء والتواصل معهم بتلقائية؛ وهذا ما يجعله يسعد برؤيتهم ويحزن لفراقهم وهذا ما ينمي شخصيته ويساعد (الطفل) تقوية ثقته بنفسه وفي تنمية مهاراته العقلية في الحوار.. والتسامح.. والمشاركة.. والتغلب على الخجل.. وعلى مشاكل النطق والكلام، لذلك فان هذه البيئة اليوم أي – في ظل أجواء (كورونا) – تعتبر نموذجية للإصابة الأطفال بالاضطرابات النفسية والسلوكية مع وجود أعباء نفسية وعصبية على الإباء والأمهات وعدم قدرتهم على تخفيف الضغوط على الأطفال، لذلك فان اليوم هؤلاء (الأطفال) بل و(الشباب) أيضا يتعرضون لضغوط نفسية حادة لأنهم يعانون معاناة حقيقية مع (الإغلاق العام) و(التباعد الاجتماعي) و(الحجر الصحي المنزلي) الذي تعيشه الأسر في كل المجتمعات من العالم؛ بعد إن فقدت هذه الشرائح من (الأطفال) و(الشباب) بل وحتى (العمال) الذين فقدوا وظائفهم وروتين حياتهم اليومي والكثير من روابطهم الاجتماعية الأمر الذي تسبب بتفاقم إحساس الناس بالوحدة.. والكآبة.. والتوتر.. والقلق.. وهذا ما رفع في المجتمع نسبة العنف المنزلي بسبب خوف الناس على أمنهم.. وصحتهم.. ودخلهم.. وزاد التوتر عندهم بتزايد متابعة الأخبار عن (كورونا)، وهذا ما أدى إلى ارتفاع حالات القلق.. والاكتئاب.. والعصبية.. وعدم التركيز.. وتقلب المزاج.. واضطراب في الأكل والنوم، لذلك فان تفاقم هذه (الإعراض النفسية) في كثير من حالات تعتبر أسوء من وباء (كورونا) ذاته، وهنا يجب إن نذكر بان ارتفاع معدلات القلق.. والاكتتاب.. والاضطرابات النفسية الأخرى لا ترجح تفاقمها على انتشار وباء (كورونا) فحسب لان كثير من حالات الاضطرابات النفسية على الإفراد زاد نتيجة تداعيات (كورونا) على (الاقتصاد العالمي) الأمر الذي أدى إلى خسارة ملايين الإفراد وظائفهم .

 

ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية للمجتمع

 

لذلك فان من أهم أساسيات هذه المرحلة هو الاهتمام بالصحة النفسية لكل المجتمعات التي اليوم تقع تحت تأثيرات الوبائية؛ لكي تبقى المجتمعات متماسكة في الحفظ على قيم المجتمع.. والدعم الاجتماعي.. والاستعانة بالتدابير الإيجابية التي تساهم وتساعد على العناية بالصحة النفسية للإفراد والمجتمع – وخاصة للذين يصابون بالفيروس – بشكل ايجابي دون الابتعاد عنهم وتركهم للقدر ليلقوا مصيره بتفاقم أزماتهم النفسية بحالات القلق.. والخوف من إصابة المقربين بالعدوى، وهو أمر طبيعي؛ ولكن يجب التعامل مع الحالات الإنسانية بوعي وإدراك والتزام بإرشادات الصحة؛ لان التفاعل الاجتماعي والتواصل يخفف من وطأة (العزلة) و(الحجر المنزلي) التي تزيد من إعراض القلق.. والاكتتاب، لذلك فان المجتمعات بصورة عامة لحالة القلق والهلع التي تعرضوا لها اثر انتشار وباء (كورونا)، هم اليوم عرضة للإصابة بـ(الوسواس القهري) نتيجة مشاعر القلق.. والخوف من الإصابة؛ وان الفيروس موجود في الأجواء؛ وهذه الأمور تثير التوجس وتحفز لدى هؤلاء الأشخاص ظهور أعراض وسواسيه.. وتعرضهم لقلة تركيز.. والتشتت الأفكار، بل إن كثير من حالات القلق.. والوسواس تتعدى ذلك، فالإفراد لا يخافون من الموت بقدر ما يخافون على مصير مستقبلهم في حالة إصابتهم بالفيروس؛ الأمر الذي يؤدي إلى خسارتهم للوظيفة – خاصة في المجتمعات الغربية – وان أمر الحجر الصحي لهم سيجعلهم يشعرون بكونهم أصبحوا مصدر لانتقال الفيروس إلى الآخرين؛ وهذا ما يضاعف عندهم مشاعر القلق.. والوسواس؛ وهذه الحالات النفسية ستزداد مع إطالة فترة انتشار الوباء وتأخر من إيجاد العلاج؛ وهذا ما يساهم لظهور أعراض لحدوث (اضطرابات نفسي) الذي هو نمط (سيكولوجي) يشعر الفرد بالضيق والعجز، فـالحجر المنزلي.. والعزلة.. وارتباك أوضاع الأسر.. والضغوط الاقتصادية الناجمة عن انتشار وباء (كورونا).. وحالات القلق.. والإجهاد النفسي.. هي دوافع التي ستدفع ليتطور الأمر لحدوث اضطراب ما بعد الصدمة؛ وهي اضطرابات تحدث أعقاب حلول الكوارث والأوبئة التي تمثل تهديدات لاستقرار المجتمعات؛ والتي تحدث بدون مقدمات وتكون فجائية .

 

الإجراءات والتدابير للحفاظ على الصحة النفسية

 

يقينا ما تمر اليوم المجتمعات البشرية على كوكبنا من ظروف قاهره ومواقف صعبة هي ليست مفاجئة لهم؛ لان البشرية على مر مراحل التاريخ البشري مرت بأسوأ من هذه الظروف الوبائية لانتشار فيروس (كورونا) القاتل – رغم خطورة الوضع الحالي لانتشار الوباء – وعانت ما عنته؛ ولكن مع كل تلك المحن استطاعت البشرية التغلب على تلك الكوارث وعاودت الحياة بما كانت علية طبيعة حياتهم السوية بعد مرور الأزمة، ولهذا فان من طبيعة البشرية لها مرونة نفسية لتجاوز الأزمات.. والكوارث.. والظروف العصيبة.. والحوادث المفاجئة والغريبة.. التي تمر على المجتمعات؛ وفي خضم الحوادث المرعبة التي تحث فجائية لابد لكل مرحله التي تمر بها هذه المجتمعات من إجراءات وتدابير على شتى نواحي الحياة للمساهمة للحفاظ على سلامة المجتمع والصحة النفسية للإفراد، ولما كنا اليوم أمام جائحة الوبائية لفيروس (كورونا) القاتل؛ وما خلفه من إصابات ووفيات ومن تداعيات نفسية خطيرة في نفسية الإفراد وصحتهم النفسية والسلوكية؛ ومن منطلق الصحة النفسية والبدنية؛ لا بد على الدوائر الصحية والدراسات الجامعية لعلم النفس والتربية النفسية ومراكزهم البحثية والاختصاصين فيها توظيف جهودهم للمساهمة الفاعلة لتقديم برامج علمية وإرشادات توعية تعمل على تقليل من مخاطر الضغط النفس.. و درجة القلق المجتمعي الناجم عن تداعيات (كورونا)؛ وما نجم عنها من حالات متعددة من (الصدمة) و(ما بعد الصدمة) للأشخاص الذين تم الحجر عليهم والمصابين بالوباء والذي سيظهر بشكل واسع في المجتمعات ما بعد هذه المرحلة الوبائية، لان دورهم ما بعد الوباء سيكون عظيما لا يقل أهمية عن دور الأطباء والممرضين اثنا الجائحة، فـ(الإرشاد النفسي) الذي يشمل برامج ومناهج إنمائية وعلاجية ووقائية والتي من شان هذه البرامج تخفيف الضغوط النفسية عند الإفراد وتخفيف هواجس القلق التي تنتاب ملاين البشر وذلك عبر بناء الوعي والوعي المجتمعي وتوجيه المسار وتصحيح الممارسة، لذلك فان دخول في (إستراتيجية التعليم) هو مدخل لبناء الوعي بتداول المعلومة السليمة عن الخاطئة.. والإشاعات المغرضة، ولذلك فان الدعم النفسي الذي ستقدمه الدوائر ذات العلاقة؛ يجب إن يأتي بدعم الدولة من خلال التنظيم.. والتخطيط.. وترتيب أولويات العمل في المعالجة النفسية؛ لكي يتم إعادة الاعتبار للإنسانية الإنسان، وفق قيم سليمة تتوافق مع روح الوطن والمواطنة لكي يتم الحفاظ على التغذية النفسية.. والصحة النفسية المتوازنة عبر الدعم الاجتماعي وتعزيز قيمه الأصلية من الآلفة.. والمحبة.. والجيرة الحسنه.. والتعاون.. والإخاء.. والمشاركة في السراء والضراء؛ لكي تبقى هذه الروابط متأصلة في روح المجتمع؛ ومن خلالها ليتم التواصل الاجتماعي لتظل هذه القيم قائمة رغم قيود التي فرضتها الدول لأسباب صحية طارئة، لان لا بديل عن (التواصل الاجتماعي) في معالجة الحالات النفسية الضاغطة بالعزلة والوحدة نتيجة انتشار الوباء، لان أي دعم نفسي وعلاج نفسي لا يأتي إلا من خلال تعزيز روابط الاتصال الاجتماعي.. والألفة.. والمحبة بين أفراد المجتمع.. ومن خلال تواصل إفراد العائلة.. والأقرباء.. والأصدقاء، وكذلك من خلال الاهتمام بالنشاط الجسدي الفكري.. والثقافي.. والفني.. والرياضي.. ومحاولة الترفيه عن النفس بهذه الأنشطة، وهي أنشطة تساهم في تشكيل وتنشيط وعي الفرد والمجتمع؛ وهي مجالات تعبيريه تكون نافذة لتعبير عما في الذات والتأمل لتفريغ الشحنات السلبية، لان (الكبت) هو ممهد للاكتتاب والذي يساهم في تفاقم الحالات النفسية المرضية للأفراد والمجتمع .