23 ديسمبر، 2024 9:55 ص

كورونا في ادب الاوبئة وادب الدستوبيا

كورونا في ادب الاوبئة وادب الدستوبيا

Covid-19 in Dystopian Literature and Literature of Epidemics
يمثل أدب الأوبئة انعكاسا للكثير من الأزمات الصحية التي يمر بها العالم منذ القدم؛ حيث كانت تلك الأوبئة هي المحرك لأقلام الكثيرين من الأدباء والروائيين بشكل خاص، وتطرقت الكثير من الالوان الادبية ومنها الروايات إلى الحديث عن تلك الأمراض التي أحدثت هزات عنيفة في العالم بأسره، مخلفة وراءها الكثير من المآسي التي لا تزال عالقة برقعة الذاكرة العالمية والتي خلدتها اعمال ادبية رائعة سواء أكانت في مجال الرواية ام الشعر ام المسرح. وفي هذه الايام عادت قراءة هذا اللون الادبي بصورة ملفة للنظر و إنّ هذه العودة المحمومة لقراءة ما يسمّى “أدب الأوبئة” ليست وليدة اليوم، فهي تتكرَّر تاريخياً كلّما حلَّ وباء جديد في مكان ما من العالم، والإنسان بغريزته ميّال إلى البحث عن وقائع أو حالات مشابهة في التاريخ، ليستلهم منها وسائل عملية للوقاية أو لمواجهة الوباء في حال فشلت حكومته في ذلك. وهذه ظاهرة تدفعنا إلى التساؤل: كيف تناول الأدب موضوع الأوبئة عموماً؟ وهل تنبّأت الرواية من قبل بوباء يُشبه فيروس كورونا الحالي؟

مع ظهور فيروس كورونا قبل أسابيع، عادت بقوّة إلى الواجهة بعض روايات الأوبئة القديمة، لأنّه تبيّن للجميع أنّ هذا النوع المستجدّ من الأنفلونزا ليس أقلّ فتكاً من تلك الأوبئة المتخيّلة. من هذه الروايات، مثلاً، رواية الكاتب الأميركي دين كونتز (The Eyes of Darkness)«عيون الظلام». صدرت هذه الرواية في عام 1981، فضلاً عن كونها رواية من روايات الرعب، فأحداثها تتشابه مع أحداث الواقع الراهن بشكل مثير للدهشة. إذ رغم أنها كُتبت قبل 39 عاماً فإنها تفاجئ كلّ من يطالعها بقدرتها الرهيبة على التنبؤ بالمستقبل، إذ تتحدّث عن فيروس ينطلق من مدينة ووهان الصينية ويتفشّى سريعاً بشكل خارج عن السيطرة، وهو بالضّبط ما حدث منذ عدة اسابيع ، مع ظهور فيروس كورونا في هذه المدينة الصينية تحديداً، قبل أن ينتشر خارج الحدود ويصبح خطراً عالمياً متنامياً. واللافت للنظر أنه توقع تفشي فيروس يشبه فيروس كورونا الحالي تماما ، حيث أسماه “ووهان 400”.
وأطلق الكاتب على ذلك المرض “السلاح المثالي”؛ إذ بالرغم من أنه لا يبقى خارج الجسم لأكثر من دقيقتين إلا أنه يمكنه أن يفتك بعدد هائل ممن حوله، بل ويمكنه أن يتسلل من دولة إلى أخرى، ولذلك تدور أحداث الرواية حول مغامرة لاكتشاف أسرار ذلك الفيروس وقد اشتهر الكاتب الأميركي دين كونتز دوماً برواياته التي تحمل طابع التشويق والغموض، وتمزج أحياناً بين الرعب والخيال العلمي، وصنّفت بعض أعماله في قائمة نيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعاً، وهو يبلغ من العمر 74 عاماً، وأصدر حتّى الآن أكثر من 80 رواية. ومن غرائب الصّدف أنّ المختبر الذي تتحدّث عنه روايته، يقع على بعد 22 كيلومتراً فقط من مركز تفشّي فيروس كورونا المستجدّ.

وكما هو معلوم الان ان العالم يعيش هذه الأيام تحت تهديد الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجدّ، وسط مخاوف من أن يتحوّل إلى “موت أسود” جديد يفتك بالملايين من السكان، إذا فشلت البشرية في محاصرته والقضاء عليه، أو فقدت السيطرة نهائياً أمام انتشاره السريع. إنّ مصطلح “الموت الأسود” يشير عادةً إلى وباء الطاعون الذي اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352 وتسبّب في وفاة ما لا يقلّ عن ثلث سكّان القارّة. وكان الرّواة الدنماركيون والسويديون هم أوّل من استخدم هذا المصطلح، وقد تكرّس مع إصدار كتاب “الموت الأسود في القرن الرابع عشر” للطبيب الألماني يوستوس هيكر في عام 1832، والّذي لقي صدى كبيراً، خاصة أنّه تزامن مع انتشار وباء الكوليرا في أوروبا. وقبل صدور هذا الكتاب بسنوات قليلة، كانت ماري شيلي، التي كتبت رائعة “فرانكنشتاين”، قد أصدرت رواية بعنوان “الرجل الأخير” عام 1826، وهي تحكي قصّة رجل يعيش في عالم مستقبلي اختفى منه البشر بسبب الأوبئة، وقد سبق لشاعر فرنسي اسمه جان بابتيست كوزان دي غرانفيل أن أصدر قصيدة نثرية ملحميّة بالعنوان نفسه عام 1805، وهي تعتبر في نظر الكثيرين أوّل عمل حديث في أدب الديستوبيا.
يعد أدب الديستوبيا Dystopia، أو كما يمكن ترجمته بأدب المدينة الفاسدة أو أدب النهايات، أحد الأنواع الأدبية المندرجة تحت أدب الخيال العلمي. فمصطلح الديستوبيا هو الوجه الآخر لمصطلح اليوتوبيا Utopia وهي كلمة ذات أصل إغريقي تعود إلى الفيلسوف أفلاطون، ولكن ما هو مؤكد وثابت أن الكاتب توماس مور هو أول من استخدم مصطلح يوتوبيا عام 1515م في تسمية روايته المتعلقة بالجزيرة الخيالية.
أدب المدينة الفاسدة أو ديستوبيا أو عالم الواقع المرير (بالإنجليزية: Dystopia)‏ هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. وقد تعني الديستوبيا مجتمع غير فاضل تسوده الفوضىٰ، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلىٰ مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً. ومعنى الديستوبيا باللغة اليونانية المكان الخبيث وهي عكس المكان الفاضل يوتوبيا. ولقد ظهرت قصص مثل هذه المجتمعات في العديد من الأعمال الخيالية، خصوصاً في القصص التي تقع في مستقبل تأملي. والديستوبيات تتميز غالباً بالتجرد من الإنسانية، والحكومات الشمولية والكوارث البيئية أو غيرها من الخصائص المرتبطة بانحطاط كارثي في المجتمع.
وتتنوع عناصر الديستوبيا من القضايا السياسية إلى القضايا الإقتصادية أو حتى البيئية. فالمجتمعات الديستوبية قد توجت في سلسلة واسعة من الأنواع الفرعية من الخيال العلمي، وعادة تستخدم هذه القصص والروايات لتسليط الضوء على القضايا الموجودة في العالم الواقعي المتعلقة بالمجتمع والبيئة والسياسة والدين وعلم النفس والقيم الروحية أو التكنولوجيا التي قد تصبح الحاضر في المستقبل. لهذا السبب، اتخذت الديستوبيا شكل العديد من التكهنات، مثل التلوث والفقر والانهيار المجتمعي والقمع السياسي أو الشمولية
وقد استطاعت روايات «الديستوبيا» كنمط أدبي أن تثبت نجاحها في الأدب الغربي، وباتت الكثير من الأعمال المعتمدة على «الديستوبيا» من الكلاسيكيات في المدونة الأدبية الغربية، واستفاد منها الأدباء العرب في معالجاتهم لهذا الموضوع…
وكما هو معروف تعرّض العالم في التاريخ القديم والحديث الى موجات مدمرة من الاوبئة التي اودت بحياة الملايين من البشر دون التوصل الى علاج ناجع لتلك الاوبئة في حينها كما هي الحال الان مع فايروس كورونا 19 المستجد. وهذا بدوره شجع عدد كبير من الادباء في العالم الى تناول الاوبئة في اعمالهم الادبية ولعلّ اشهر ما تعرّض له العالم من اوبئة تتمثل بالطاعون والكوليرا والجدري وغيرها.
ومن الاهمية بمكان ان نذكر بعض الامثلة للأدب الروائي الذي تناول الاوبئة. تعدّ “مجلة الطاعون من الشهادات الحقيقية لدانيال ديفو لتفشي هذا الوباء و”مجلة الطاعون” رواية للكاتب الإنكليزي صاحب “روبنسون كروزو” وهي توثق وتسرد تجارب رجل واحد عام 1665، عندما هاجم الطاعون لندن. يعتبر هذا الطاعون آخر طاعون هاجم لندن بعد سلسلة طويلة من الأوبئة المتقطعة وعرف بوقتها باسم (الموت الاسود). عرضت الرواية تجارب شاهد عيان للأحداث في ذلك الوقت، وقد بذل ديفو جهدا كبيرا لتدقيق المعلومات، وتحديد الأحياء والشوارع والمنازل، التي وقعت فيها الأحداث، بالإضافة إلى نشر جداول أرقام الخسائر ومناقشة مصداقية الحكايات التي تلقاها الراوي من أصحابها. أثار العمل جدلا كبيرا حوله بسبب قراءته في البداية كعمل غير روائي، واعتبار ديفو مجرد محرر للعمل التوثيقي وليس مؤلفه، لكن بحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر تم قبول الرواية ضمن تصنيف الرواية التاريخية. تحكي الرواية قصصا مرعبة عن أشخاص سجنوا في منازلهم لأن أحد أفراد أسرتهم أصيب بالمرض، حيث تغلق الأبواب تماما ويرسم عليها من الخارج صليب أحمر. كانت هذه الطريقة في عزل المرضى، تجعل الأصحاء محاصرين حتى الموت، لوجودهم مع أشخاص محملين بالمرض.
قضت اللوائح وقتها بوضع حارس أمام كل منزل موبوء حتى لا يغادر أصحابه، لكن بالرغم من ذلك تمكن بعض الأشخاص من الفرار عبر أبواب مختلفة في المنازل أو عن طريق رشوة الحارس ليتركهم يهربون.
اما الرواية لثانية فهي ” قناع الموت الاحمر” التي كتبها الكاتب الأميركي إدغار آلان بو عام 1845 يصيب المرض المعروف باسم الموت الأحمر البلد المتخيل ويتسبب في موت ضحاياه بسرعة وبشاعة. يقررالأمير بروسبيرو إغلاق بوابات قصره لصد المرض متجاهلا ما يعصف بالأرض خارج قصره. بعد عدة أشهر يستضيف في قصره بعض الضيوف في غرف القصر الملونة بألوان فردية. الغرفة في أقصى الشرق ملونة باللون بالأزرق، تليها الغرفة الأرجوانية، ثم الغرفة الخضراء والغرفة البرتقالية والغرفة البيضاء والغرفة البنفسجية والغرفة السابعة والأخيرة سوداء، توجد فيها ساعة من خشب الأبنوس. عندما ترن الساعة يكون صوتها عاليا ومشتتا بحيث يتوقف الجميع عن الحديث، وتتوقف الأوركسترا عن العزف. في منتصف الليل يظهر ضيف جديد يرتدي زيا يشبه الكفن، وقناعا يشبه الجثة ليهاجم الضيوف ويقتلهم واحدا تلو الآخر..
وتعتبر “قناع الموت الأحمر” قصة رمزية تنطوي على مفاهيم فلسفية عن عجز البشر عن الهروب من قبضة الموت، مهما بلغ ثراؤهم أو سرية أماكن احتمائهم، وتؤكد على ذلك عبر معاقبة الأمير بروسبيرو بالموت بسبب اعتقاده أن ثروته قادرة على إنقاذه. تمثل غرف القصر المصطفة سلسلة مراحل الحياة التي تمتد من الولادة إلى الموت والغرفة السوداء تمثل النهاية المشؤومة والساعة تذكر الأحياء بالموت دائما حتى يموت الجميع في نهاية الأمر.
ومن الروايات التي لاقت رواجاً كبيرا جدا رواية ” الطاعون” للكاتب الفرنسي البير كامو. الطاعون (بالفرنسية La peste) ‏ نُشرت عام 1947، وتروي القصة الطاعون الذي يكتسح مدينة وهران الفرنسية الجزائرية. تطرح الرواية عددًا من الأسئلة المتعلقة بطبيعة القدر والحالة البشرية. ونتيجة لتفشي فايروس كورونا المستجد والاقبال الشديد على قراءة ادب الاوبئة قامت فقد سارعت دار «بنغوين» الشهيرة في بريطانيا إلى إعادة طبع رواية «الطاعون» لبيير كامو، التي مر أكثر من 70 عاماً على صدورها عام 1947.

اما غابرييل ماركيز فقد اشتهر بروايته المعروفة “الحب في زمن الكوليرا”
التي ألفها عام 1985، تجسد قصة الحب التي نشأت بين فلورينتيو وفرمينا، التي بدأت منذ سن المراهقة واستمرت حتى بلوغهما عمر السبعين؛ إذ يقرر فلورينيتيو أن يقضي حياته مع معشوقته فرمينا بعدما شاء القدر أن يجمع بينهما ثانية بعد وفاة زوجها .
نشرت رواية “العمى” للكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو عام 1995، وتدور حول مرض غامض ينتشر بسرعة بين البشر، يصفه ساراماغو بالعمى الأبيض، ويصف الأعراض في الصفحات الأولى من الرواية. تقوم الحكومة بعد ذلك بترتيب الحجر الصحي داخل مستشفى مهجور للأمراض العقلية. يتتبع الكاتب الأحداث المروعة لمجموعة من المصابين بقيادة زوجة الطبيب المصاب الأول بالمرض، وهي الشخص الوحيد الذي احتفظ بقدرته على الإبصار. بمجرد أن تزداد الأعداد داخل الحجر الصحي، تنهار الأخلاق والنظم الاجتماعية، ومع ذلك يظل هناك بعض الأشخاص الذين يحاربون من أجل مصلحة الجميع.
يعتبر العمى في الرواية مرادفاً للجهل وعائقا أمام الفهم، خاصة عندما يشعر الأطباء بالحيرة تجاه المرض وسبب انتشاره. ربما تكون الرواية كئيبة لكنها بالرغم من ذلك مثيرة تتخللها قصة حب وقصة أمل، مع حضور كبير لروح الدعابة في طريقة السرد، ليحقق ساراماغو ذلك المزيج النادر من السحر والخيال والواقع، بالإضافة إلى نهاية سعيدة تعيد الأمل إلى القارئ بعد كل تلك الأحداث المرهقة.
ويحضر وباء الكوليرا أيضا في رواية ” الموت في البندقية” التي ألفها الكاتب الألمالني توماس مان عام 1922، لتتحول فيما بعد إلى عمل سينيمائي، يجسد بطل الرواية الذي يدعى غوستاف فون، وهو كاتب ألماني، تأخذه قدماه إلى رحلة لمدينة تدعي البندقية، والتي على الرغم من عدم ارتياح فون لها يوما، إلا أنه قد شغفها حبا بعدما وجد بها فتى شديد الجمال.
يتحدث الكاتب الأمريكي ستيفن كينج في روايته ” الموقف ” عن تفشي نوع خطير من الأوبئة يشبه الإنفلونزا، التي ستقضي على البشر جميعا؛ إذ تحكي الرواية عن كيفية انتهاء العالم، بعدما يقضي ذلك الوباء الفتاك على العالم بأسره، فيما عدا عدد من أولئك الذين يستطيعون البقاء بفضل امتلاكهم قدرات خاصة لمقاومة الطبيعة، ليعمرون الأرض فيما بعد مجسدين الصراع بين الخير والشر.
ولعل الرواية المثيرة للجدل -رواية أصدرها الكاتب الأمريكي دين كونتز منذ عام 1981، واللافت للنظر أنه توقع تفشي فيروس يشبه فيروس كورونا الحالي تماما ويقع في مدينة ووهان الصينية والتي سبق ذكرها.
رواية “إقفال” لجون سكالزي، وهو آخر الكتّاب الكبار في هذا النوع من الأدب، وهي تحكي عن فيروس تظهر أعراضه على شكل إنفلونزا بسيطة، يشبه فيروس كورونا الحالي، إذ يصيب واحداً في المئة فقط من السكان، لكنّه لا يؤدّي إلى الموت وإنّما يشلّ ويجمّد حركة المصاب ويتركه مستيقظاً واعياً، بحيث يصير غير قادر على الاستجابة لأيّ محفّز. من هنا تبدأ رواية بوليسية تجري أحداثها في فضاء مرعب، كما هي الحال اليومَ في مدينة ووهان الصينية.

وكان للادب العربي نصيبه من ادب الاوبئة حيث كتب الروائي المصري نجيب محفوظ روايته المعروفة بـ “الحرافيش” اصدرها عام 1977، متحدثا فيها عن الوباء الذي حل بأهل القرية جميعا، ولم يترك غفيرا أو وزيرا إلا وألم به؛ حتى باتت البلدة خاوية بعدما استفحل المرض وقضى على كل ما فيها، يحكي محفوظ أن هذا الوباء جاء لتدب حياة جديدة في القرافة؛ إذ يسير فيها النعش وراء النعش.

اما فيما يخص ادب ديستوبيا كيف نشأ الأدب الديستوبي وما هي أفضل روايات أدب الديستوبيا؟ هل سمعت عن الأدب الديستوبي حيث المدينة الفاسدة التي يعيشها عالم وهمي لا مكان للإنسانية فيه؟ سنأخذك إلى هذا العالم لتتعرف على نشأة الأدب الديستوبي، أبرز ملامحه، وأفضل رواياته. ينتمي الأدب الديستوبي Dystopia إلى أدب ما بعد الحداثة، وانتشر بشكل كبير في أعقاب الثورة الصناعية، إلا أن أوج ازدهاره في الأدب المعاصر. يطلق عليه بأدب المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير كما يصوره كتّابه، أدب خيالي يصور المستقبل بصورة سوداوية ونظرة تشاؤمية البتة، يعمّه الفساد أينما كان وتنتشر به الفوضى والاستبدادية، يحكمه نظام شمولي يسيطر عليه الشر بجميع أشكاله وأنواعه. أبدع كتّاب الأدب الديستوبي بتصوير المستقبل إن كان قريبا أو بعيدا من خلال طرح قضايا متنوعة في المجتمع الديستوبي قد تكون اجتماعية، سياسية أو اقتصادية، وعلى الرغم من كونه من أدب الخيال العلمي إلا أنه يلمس بشكل كبير الواقع الذي يعيشه مجتمعنا بجميع أطيافه، فمن الممكن أن يتحدث الكاتب عن رؤية مستقبلية للمجتمع الذي يحيط به من وجهة نظره، ومن الوارد أن تكون تلك الرؤية واقعا حقيقيا نعيشه أو سنعيشه، وقد يسلط الضوء على قضايا اجتماعية أو سياسية بعينها يسقط مجتمعها إلى الهاوية وينحدر إلى درجة الانحطاط، لما يعانيه من ظلم وقمع وفقر وعدم تكافؤ ما بين الطبقات الاجتماعية. محتويات معني ديستوبيا ملامح الأدب الديستوبي أفضل روايات أدب الديستوبيا خاتمة معني ديستوبيا تُرجمت الديستوبيا باللغة اليونانية بالمكان الخبيث أو المدينة الفاسدة، وهي على النقيض تماما من مصطلح اليوتيوبيا
ويمكننا ان نشير الى بعض الاعمال المهمة التي تناولت هذا الموضوع . من الأعمال الأدبية في هذا الاتجاه رواية 1984، التي اختارتها مجلة «التايمز» الأمريكية كواحدة من أفضل مئة رواية مكتوبة بالإنكليزية منذ العام 1923 وحتى الآن، وتمت ترجمتها إلى 62 لغة؛ حيث تصور الرواية دولة شمولية غازية عظمى.
من أهم الأعمال الديستوبية وأكثرها تعرضًا للحظر رواية «عالم جديد شجاع Brave New World» لـ«إلدوس هكسلي»، يصور هكسلي مجتمعًا يستخدم هندسة الجينات والاستنساخ للسيطرة على الأفراد، يولد الأطفال كلهم بهذه الطريقة ويصممون لينتموا إلى إحدى الفئات الاجتماعية الخمس المحددة: النخبة، التنفيذيون، الموظفون، وفئتا المخصصون للأعمال الشاقة في المجتمع وسميت هذه الفئات حسب الأبجدية اليونانية ألفا، بيتا، غاما، دلتا، ابسلون.
– وتعد رواية «إيرهون Erewhon» لـ«صموئيل بتلر» 1872 من أصول أدب الديستوبيا وفي أغلب الأحيان يصنفها البعض على أنها تنتمي إلى مناهضة المدينة الفاضلة (anti-utopian) حيث يسخر فيها على المدينة الفاضلة ويهجي المعتقدات الشعبية في إنكلترا في عصره من خلال الأرض الخيالية التي تدعى إيرون وهي أرض بعيدة يحظر فيها الآلات. رواية ايرهون للكاتب صموئيل بتلر، تم نشرها في عام 1872، تم تصنيفها على أنها النقيض لأدب المدينة الفاضلة، ، كما أن الرواية تمنع الأشخاص من المرض وإلا سينال سكانها العقاب وفقا للقانون الذي يفرضه حكام ايرهون، وفي المقابل فإن المجرمين يستطيعون تلقي العلاج.
رواية «النائم يستيقظ Sleeper Awakes» لـ«هربرت جورج ويلز» نشرت في عام 1910 وتتحدث عن رجل ينام لمدة مائتين وثلاثة سنين ليستيقظ في لندن عام 2100 ويجد هذه المدينة قد تغيرت رأسًا على عقب، وأصبح أغنى رجل بالعالم وذلك بسبب الفائدة على حساباته المصرفية ليرى أن كل أحلامه تحققت، لكن يحث معه خلط شديد ويعاني من صدمة ثقافية كبيرة ويكشف كل أهوال المستقبل ورعبه. هذه القصة هي أعادة كتابة رواية سابقة كتبها ويلز في عام 1899 تحمل اسم عندما يستيقظ النائم.

ومن الروايات التي نالت شهرة واسعة جدا “مزرعة الحيوان» رواية أخرى من روايات الأدب الديستوبي للكاتب والروائي جورج أورويل نشرها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتعد الرواية من أهم روايات الكاتب في التاريخ، حيث أنها تصف النظام الشمولي وكيفية إشعال شرارة الثورات ضد الأنظمة وحكوماتها، من خلال مزرعة خيالية جميع أبطالها من الحيوانات الثائرة. تم منع الرواية من النشر في الكثير من البلدان التي يحكمها النظام الاشتراكي مثل الاتحاد السوفييتي وكوريا الشمالية وكوبا.
ومما تقدم يبدو من الواضح ان فيروس كورونا المستجد ليس إلا أحد تلك الأوبئة التي مثلت محطات قاتمة في تاريخ البشرية، مستوقفة العديد من الكتاب والمؤرخين عندها، بعدما أبادت أعداد هائلة من النفوس البشرية في كل بقعة من بقاع الأرض.