لست واعظا، بل اتجنب هذه الصفة، ليست لأنها غير مرحب بها، ولكن لأن معظم من انتحلوها، وليس من اتصف بها حقا، غير مرحب بهم، ولكنني أحاول أن اقرأ النتائج من خلال رؤية تستحضر الأسباب، ولأنني مؤمن بالله جلَّ وعلا، ومؤمن بأنه عادل خير، لا يظلم ولا يصدر عنه الشر، أفترض، والله أعلم، أن كورونا كائن مخلوق، والله وحده هو الخالق، اذن هو، أي كورونا، ليس شرا بطبيعته، ولكنه استحال إلى شر بفعل فاعل، هو الانسان.
انا اعتقد ان الحياة نظام متوازن، يقوم على أسس خيرة، يمكن أن نطلق عليها صفة الوجود النقي، الذي لا يخالطه شيء من العدم، ولكن هذا الوجود النقي يرتكز في حركته إلى شروط يؤدي الاخلال بها إلى تسرب العدم، ولكن قدرة ذلك الوجود على مقاومة العدم، تعالج الخلل وتوقف التسرب وتلفظ ما تسرب، إلا أن هذه القدرة تضعف بسبب تكرار الأخطاء، فيستوطن العدم في مفاصل ذلك الوجود، وينذر بقرب نهايته، فهو مظهر من مظاهر الفتنة التي لا تصيب من هيأوا الظروف لاندلاعها فحسب، بل تصيب الجميع، حيث يقول جلَّ وعلا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}، فنحن مثل ركاب سفينة، إذا حاول أحد خرقها يجب أن نمنعه، فإن امتنع نجا ونجونا، وإن سدر في غيه، يجب أن نسعى في هلاكه، والا هلك وهلكنا معه، وهذا معنى أن نار الفتنة لا تحرق من أوقدوها فحسب بل تحرق الجميع.
من الأخطار التي تهدد الحياة هي تحريك الأشياء على غير إرادتها، أي قلب ايجابيتها المعبرة عن فطرتها التي تبني الحياة إلى سلبية تهدم، فالذرة إيجابية بفطرتها، عندما تسيّر في اتجاهها الصحيح تبني الحياة، ولكنها إذا ما سيّرت في الاتجاه السلبي تدمر الحياة، وهذه تنطبق على الأشياء والبشر، حيث يقول الله تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، فإن تقديم الفجور لا يعني أنه جلَّ وعلا ألهم الفجور قبل التقوى، وإنما يعني أن الخلق والتسوية الأولى لم يتضمن سوى التقوى، أما الفجور فمترتب على فعل خاطئ يصدر من الانسان، بما أودعه الله تعالى من قدرة، فالقدرة أساسا إيجابية تسير في اتجاه إتيان التقوى التي تمثل سلامة الفطرة، تسلب تلك الإيجابية الفطرية قدرة على إتيان الفجور الذي يمثل فساد الفطرة.
وكما أوضحت قصة الطوفان في قوله تعالى {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ} أن ليس هناك مخلوق إلا وحفظ أصله بزوجين، يديمان استمرار وجوده بالتناسل، إلا الانسان لم يحفظ منه إلا من آمن، لأنه وحده من بين كل المخلوقات حر في اختيار الايمان أو الكفر، فهو مسؤول عن خياره، خلاف المخلوقات الأخرى التي افتقدت حرية الاختيار، وفي هذه الآية الكريمة سر من اسرار نقاء الوجود وبقائه متوازنا، فكل الخلق موجود وقادر على التناسل، وهذا الخلق كله خير بما فيه المؤمنون الذين استجابوا لنداء نوح عليه السلام، والانسان هو الذي سيحكم، بما لديه من عقل وإرادة، مسيرة الحياة، وسيتحكم بمصائر المخلوقات الأخرى التي تشاركه الحياة، علما ان مصيرة مرتبط، في الخير المترتب على التقوى، والشر المترتب على الفجور، بمصير تلك المخلوقات، وان انقراض أي مخلوق من هذه المخلوقات مؤثر في توازن الحياة، لان انقراضه يعني حدوث خلل يحيل بعض الإيجابية الى سلبية، ويوقظ في بعض المخلوقات فجورها، وربما غياب ذلك المخلوق يفسح بالمجال لظهور نقيضه النوعي. وكورونا نتاج هذه الصيرورة الخاطئة، نتاج فعل الانسان في المسار السلبي، الذي استهلك كل إيجابية الحياة بمنهج سلبي، امات في الحياة خيرها وايقظ شرها، والمشكلة اننا كوجود انساني ما زلنا نسير في الاتجاه الخاطئ، لم يمنعنا رادع أخلاقي ولا وازع ديني.
لا استبعد ان يكون فيروس كورونا رسالة تحذير من خطر محدق، يمكن تفاديه، الى الذين يقودون الحياة الى الهاوية، فما يخفف من خطر هذا الفيروس أنه ثقيل يفتقد القدرة على الطيران، يمكن للإنسان ان يحتمي منه ويتقي الإصابة به، انني اخشى ان تنمي فيه أخطاء الانسان القدرة على الطيران، عندها يتعذر اتقاء الإصابة بل ربما يستحيل، اسال الله لي ولكم ولكل عباده العافية.