23 ديسمبر، 2024 5:18 ص

كورونا بين صناعة التأريخ والخسائر الاقتصادية

كورونا بين صناعة التأريخ والخسائر الاقتصادية

تفشي الأوبئة يقود الى تصدع الحضارات وموت شعوب وتغيير للواقع وللتاريخ ، يقضي على الأمن والاستقرار ويدمر الاقتصاد ويجره نحو الخسارة ويحطم رفاهية البشر وسعادتهم ، وقديما كانت تفشي الأمراض والأوبئة يقود الى تراجع الحضارات والأمم وانتكاسها كما يقود الى النكسات الحربية وتوقف الحملات العسكرية وانهيار الدول وضياعها وعلو قوم على أخرين وتدمير الامبراطوريات وفنائها ، فتأتي الأمراض بهجمات متكررة عبر التاريخ وينتشر لعشرات السنين ويمسح مدنا بأكملها ويدفع بشعوبها نحو الموت والهلاك ، كما حصل من تفشي الطاعون الأسود في اوروبا عام 1347م ذلك المرض الذي حفر أسمه في ذاكرة التاريخ وكان شيئا مخيفا عندما قضى على حياة 100 مليون شخص من سكان أوربا ، ولا يعرف من أين جاء المرض وكيف رحل ، وقبيل هذا الحدث حصلت معركة بين التتار والأوربيين في منطقة القرم فقاموا التتار بمحاصرة أحدى القلاع العملاقة، الا أن المرض تفشى بينهم فقام قائدهم بقذف الجثث الميتة بالمنجنيق الى داخل القلعة فأخذت تتساقط مثل الحجارة فوقهم، مما أدى الى تفشي المرض فيهم وانتشاره بينهم ، كذلك الحال حينما قام نابليون بونابرت بغزو بلاد الشام بعد غزوه لمصر عام 1799م فأنتشر المرض في الجيش الفرنسي واستفحل فيهم خاصة عند حصارهم لقلعة يافا . وفي 16 أذار من نفس العام قام نابليون بالهجوم المباشر على مدينة عكا ، فلقى منها مقاومة شديدة لم يكن يتوقعها وبعد حصار دام شهرين رأى نابليون أن جيشه أخذ يقل شيئا فشيئا من جراء اشتداد الطاعون عليه فماتوا خلقا كثيرا حينئذ صمم على العودة الى مصر وترك عكا وقال فيما بعد قولته المشهورة ( لو سقطت عكا لغيرت وجه العالم فقد كان حظ الشرق محصورا في هذه المدينة الصغيرة ، هذا المرض أنتشر في بلاد الشام ووصل الى غرب وشمال العراق مما ادى الى نزوح وهجرة العديد من القبائل العربية من عام 1800 الى عام 1805 الى جنوب ووسط وشرق العراق ، لذا يمكننا القول أن معركة البشرية ضد الاوبئة والامراض لن تتوقف رغم كل هذا التاريخ الطويل من الطاعون الاسود الى الكوليرا الى مرض الزهري الى سارس وأخيرا كورونا الخاسر الوحيد في هذه الطبيعة هي البشرية التي عاشت حياتها ما بين الحروب والقتل والتشريد وبين تفشي الامراض والاوبئة الفتاكة . لقد أدى تفشي فايروس كورونا الى خسائر اقتصادية فادحة وكبيرة لمعظم دول العالم ، فعلى سبيل المثال:
أولا : (أمريكا) ـ بلغت خسائر الاقتصاد الامريكي 800 مليار دولار على حد قول روجرداو الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية السفر الامريكية وهو الآن أصبح اقتصاد مهدد بخسارة أكثر من 5 ملايين وظيفة وتراجع الناتج المحلي بمقدار 1.5 تريليون دولار بحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية .
ثانيا : (إيطاليا) ـ وفي ايطاليا بلغت خسائر اقتصادها 100 مليار دولار شهريا في مختلف القطاعات الاقتصادية من طيران الى تجارة عامة الى السياحة الى القطاعات الصناعية المتعددة بحسب بيانات التي قدمها رئيس اتحاد الصناعة الايطالي فينسينزو بوكيا .
رابعا : (العراق ) ـ أما في العراق فأنه يتكبد خسائر اقتصادية بسبب كورونا بنحو 100 مليون دولار يوميا أمام التراجع الفظيع في أسعار النفط بحسب ما ذكره الدكتور مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس وزراء حكومة تصريف الاعمال . خاصة وأن العراق يعتمد فقط على ريع النفط ، بمعنى يقوم على اقتصاد آحادي الجانب وهو يتعرض لأزمات اقتصادية ومالية متكررة وهو معرض الآن للانهيار وتراجع قيمة صرف الدينار العراقي اذا بقت أسعار النفط متراجع وأقل من 30 دولار .
خامسا : (دول مجلس التعاون الخليجي) ـ وفي دول الخليج العربية بلغت الخسائر أرقاما كبيرة ولا سيما في القطاعات السياحية والنقل الجوي والبري والملاحة وقطاع التجارة العامة أمام التراجع الكبير في اسعار النفط ، الامر الذي دفعهم للبحث عن بدائل للنفط والانتقال للاقتصاد الرقمي الامر الذي أدى تخفيض عدد العمالة الوافدة ، وتخفيض الرواتب بسبب عجز الموازنات واعادة هيكلة المؤسسات بما يتواكب مع الاوضاع الجديدة .
سادسا : (مصر) ـ بلغت خسائر مصر بسبب الاجراءات الاحترازية لمواجهة فايروس كورونا 100 مليون جنيه تم صرفها لتمويل الخطة الشاملة للمواجهة الفايروس ، ناهيك عن الخسائر الاخرى في القطاعات الاقتصادية المتعددة كقطاع الطيران والشركات الحكومية وغيرها الى 4 مليار جنيه مع منح اجازات للعاملين وتخفيض عددهم وتوقف العمل في المصانع وكل المؤسسات الرياضية .
أن كل دول العالم اليوم أصبحت متضررة اقتصاديا ، الا تلك الدول التي لديها وفرة مالية سابقة ومخزون مالي كبير لما تمارسه من سياسات اقتصادية ناجحة مكنتها من استقلال العديد من الفرص التي ساعدتها في توفير وفرة مالية متراكمة تستخدمها في اوقات الازمات العالمية الخانقة بعكس الدول التي لا تملك سياسات اقتصادية ناجحة .