17 نوفمبر، 2024 6:41 م
Search
Close this search box.

كورونا بين إدارة الأزمة والحرب النفسية وتحديات التاريخ

كورونا بين إدارة الأزمة والحرب النفسية وتحديات التاريخ

إن التحدي الذي تواجه دول العالم في إدارة الأزمة لجائحة (كورونا) تحديات حقيقية؛ كون (الجائحة) تأتي وعالمنا على محك لا يحسد عليه مع اتساع ركعة الجريمة المنظمة وعنف الإرهاب والصراعات والاضطرابات السياسية والاقتصادية؛ لتضاف إليهم تفاقم الأوضاع الاجتماعية في ظل تفشي الوباء وانتشاره الغير المسبوقة من حيث سعة نطاقه العالمي وحجم تأثيراته النفسية والسلوكية على المجتمعات؛ وبما يسود من إحباط وشعور نفسي مضطرب للإنسان الذي بات يشعر بخطر غير مرئي لفيروس ينتشر في كل مكان؛ والذي لا يستهدف أي شخص بعينه وإنما يستهدف الكل بشكل عشوائي مدمر وقاتل لا يستكين في حدود ولا يعرف الحدود، وهذا ما يترتب عنه تداعيات اجتماعية ونفسية وسلوكية تقود البشرية إلى تفكيك بنيته الاجتماعية مع الأزمة الناجمة عن هذا الوباء الذي لم يسبق أن شهدت البشرية مثيلا له من حيث سرعة انتشاره وسعة نطاقه وحجم ضحاياه في التاريخ المعاصر .

فنتائجه السيئة جاءت كارثية فاقت قدرة العالم في مواجهته؛ وبرهنت عن عجز دول العالم بكل ما تملكه من تكنولوجيات متطورة وقدرات صناعية هائلة وتقنيات وأبحاث علمية من إيجاد حلول فورية للحد من انتشار الأمراض المعدية ومنها فيروس (كورونا)؛ هذا الوباء الذي يغزو اليوم مدن العالم؛ ليضع قادة العالم أمام تحديات تاريخية بين إدارة تداعيات هذه الأزمة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتعزيز ثقة المواطن في بناء مستقبله لتفاديه للأزمة السلوكية والنفسية التي تتركها هذه (الجائحة) في نفسية الإنسان؛ وهو يمضي في ظل سراب مجهول لا يعرف إلى أين يقود واجهته، لان الضغط النفسي في هذه الصدمة سيكبر مثل كرة الثلج وهي تتدحرج في هذه الجائحة؛ ما لم يرافق مساعي حثيثة من مراكز الأبحاث الطبية والعلمية؛ التي تواصل أعمالها البحثية في المختبرات لإيجاد علاج لهذا الفيروس الوبائي القاتل؛ مع مراكز العلاج النفسي من إيجاد وسائل نفسية لتخفيف آثارها على الأفراد. بعد أن أصبح هذا الفيروس (كوفيد 19 – كورونا) كابوسا يطارد جميع الإفراد وهم لا يعرفون متى مداه ينتهي، وهو تحدي إذ فشلوا في إيجاد حلول ناجعة وسريعة لتقليل عدد الضحايا والحد من انتشاره؛ فان من اخطر تداعيات هذا الموقف هو اشتعال العالم إلى ما لا يحمد عقابه؛ في ظل أزمة ستكسر كل قواعد القيم والقوانين والأعراف، لان لمواجهة الموت ستكون كل السبل والوسائل؛ متاحة ومفتوحة أمام الإنسان المحاصر بالموت؛ عسى يجد طريق الخلاص والفرار من جحيم الذي يحيط حوله .

ومن هنا فان قادة العالم عليهم التيقن بأنهم ليس لهم سوى التعاون لوضع رؤية شاملة لمواجهة هذه الأزمة إداريا وعلى كل المستويات؛ لان الضرورة تتحتم محاور دولية تتجاوز حدود هذه الدولة أو تلك، لان الوباء لا يمكن القضاء علية بمحض جهد وطني بل بجهود وطنية دولية ومن خلال تبادل المعلومات والاستقصاء عن أعراض ومسببات ومن خلال بحوث علمية مشتركة وبتعاون دولي لمواجهة تداعيات الوباء محليا وعالميا وعلى مستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي .

لان لانتشار هذه (الجائحة) ظروف خاصة؛ لم تأتي نتيجة ظروف طبيعية خارج إرادة الإنسان؛ بل إن كل المؤشرات تشير بكون هذا الوباء جاء نتيجة تفشي فيروس كان في طور التصنيع ضمن نطاق أبحاث (بيولوجية) كان تجرى لتغيير جينات الفيروس لاستخدامه ضمن نطق (الحرب البيولوجية) و(سباق التسلح) ولكن لأخطاء تقنية بحتة فقد السيطرة علية فتم تسربه وأدى ما أدى بتفش هذا الوباء إلى كل أنحاء العالم؛ ليحصد أرواح ألاف الأبرياء وملاين إصابات من دون إن يمهد تفشي الوباء لهؤلاء الباحثين في مجال الفيروسات للبحث عن ما يحد ويفشل قدرات تفشي الفيروس في الوقت الحاضر، لان جل جهودهم كانت تصب أثناء أبحاثهم ضمن نطاق توجهات الدولة المصنعة في تطوير جينات هذا الفيروس لاستخدامه ضمن نطاق سباق التسلح عبر استحداث سلاح (بيولوجي) يكون أكثر فتكا وتدميرا من الأسلحة النووية والتقليدية؛ لخلق حالة من الوتر النفسي في المجتمعات وإحباط معنوياتهم نفسيا وسلوكيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا قبل إن يتم شن حرب شامله على الهدف بريا وبحريا وجويا كأسلوب حديث للحرب الشاملة تبدأ بكسر معنويات الشعب وسلب إرادتهم ليتم احتوائهم دون قتال مباشر .

ولهذا فان أسلوب المعاصر للحروب القادمة والتي تتبناه الدول المتقدمة تنطلق ابتداء بـ(حروب نفسية) كشكل من أشكال (حرب المعنويات) لتدمير كيان المجتمع نفسيا وسلوكيا واجتماعيا كجزء من إستراتيجية تسبق التدخل العسكري لإحباط معنويات الإنسان للإسراع للرضوخ والاستسلام، بعد إن يتم بمنهجية مشيطنة قتل روح المعنوية لكل الفئات وشرائح المجتمع، بشن حرب نفسية مدمرة على المجتمع والتي هي أشبه بـ(الإبادة الجماعية للبشر) حيث الرعب والتوتر النفسي والقلق والإحباط؛ ليرى الإنسان واقعة وهو محاصر بالوباء غير مرائي ولا يعرف كيف يتفاداه، يسير وهو مطوق برائحة الموت لوباء ينتشر هنا وهناك في الشوارع والأزقة وفي القرى والمدن؛ والكل في الحجر الصحي في غرف البيوت أو المستشفيات؛ والكل في طوابير مراكز التسوق؛ والكل خائف حتى من دفن موتى الوباء ليبقوا بدون دفن .

واضن إن ما يشهده عالمنا المفجوع بهذه الكارثة الوبائية القاتلة للجائحة (كورونا) يأتي ضمن هذا السياق، بمعنى إن هناك حرب قادمة – لا محال – وان ما يحدث اليوم في عالمنا ما هو خطوة بهذا الاتجاه، ولهذا فإننا اليوم ندخل خطوة باتجاه (الحرب الشاملة) والتي بدأت استراتيجيها بـ(حرب نفسية) واسعة النطاق عبر توسيع نطاق انتشار فيروس (كورونا) وبأهداف محددة وهي تحطيم وإحباط معنويات الإنسان؛ ومن ثم أحداث ارتباك سياسي واقتصادي وعسكري؛ ليتم سواء لهذا الجانب أو ذاك؛ تشويش على معلومات الاستخبارات الدولية والخداع والتظليل وعلى كل المستويات السرية والعلنية؛ محليا وإقليميا ودوليا؛ لتشكيل رأيا بالاستعانة داخليا بـ(الطابور الخامس) لكسب المعركة بشكل خاطف وسريع كجزء من إستراتيجية الحرب المقبلة؛ التي توظف جميع ظروف لإجبار الأخر الذي اعد لهذا الجانب أو ذاك عدوا؛ على التنازل والاستسلام عن مطالبه بعد مرحلة ما بعد انتشار الوباء عالميا وبعد إن تتم فرض أجندة وأداء مهام المنفذ على أكمل وجه على الشعوب و دول العالم، بعد إن تكون (الحرب النفسية) قد أخذت مأخذها ليس بحدود هذه الدولة أو تلك؛ بل في عموم العالم بعد المرحلة الصعبة التي مرت وتمر على حياة البشر؛ وهي مرحلة تم فرضها (إجباريا) لمحيط كل البشرية ليتم الولوج إلى مرحلة الانهيار وخلق الفوضى والمعاناة؛ التي أمدها وفق إستراتيجية التي تم التخطيط لها وإقرارها مسبقا انطلاقا من (حرب فيروسي) يكون بمثابة (حرب كونية بجائحة – كورونا) تصيب كل مجتمعات الأرض بصدمات نفسية لتلاقي انهيارها في أول اصطدام عسكري يقودها قادة – اقل ما يمكن وصفهم بكونهم أناس مصابين بأمراض سادية – يقودونها بقسوة وعدم المبالاة ضد الإنسانية؛ بعد إن تكون كل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مرتبكة و مؤوسسات الدول في حالة شلل تام وعجز مطلق، بما يرافق ذلك من اتساع ركعة البطالة والفقر وأمراض وأوبئة في المجتمعات البشرية، وكل ذلك يكون ممهدات قبل وأثناء وما بعد عجز النظام الصحي وإرباك منظومة الاقتصادية والسياسية وتعطيل دور الشركات والمصانع والتربية والتعليم وانهيار القيم المجتمعية بين افرد المجتمع الواحد والمجتمعات العالم؛ بعد إن يتم فرض الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي الذي سيؤثر على المجتمع لفترة طويلة، وبما يصاحبه من إمراض نفسية مزمنة من حيث الانطواء والانعزال والاكتئاب والقلق لتتفاقم تدريجيا هذه الأزمات النفسية بشكل اخطر في سلوكية الفرد والمجتمع؛ بعد مرحلة الركود والانهيار، ليكون الكل في مواجهة فوضى خلاقة تلازم وعي الإنسان لفترة ليست بالقصيرة، ليشكل هذا الواقع نمطا سلوكيا متوترا لإعاقة عودة الحياة بشكلها الطبيعي الذي يعتمد على مدى جهوزية الدول في إدارة الأزمة ومواجهة هذه التداعيات الخطرة؛ من حيث مواكبة ومتابعة تطورت مرحلة ما قبل وأثناء وبعد الأزمة ليتم معالجة واتخاذ لإجراءات الأزمة لإنقاذ الإنسان من هذه المحنة وتوعيته في كيفية التعامل مع جائحة (كورونا) قبل فوات الأوان ودخول المجتمعات في أزمات حقيقية نفسيا وسلوكيا وتربويا تكون أصعب واشد وقعا على المجتمعات البشرية، لان لا محال ستكون تداعيات على طبيعة العلاقات الدولية والسياسية والاقتصادية والمالية والتحالفات الدولية اقوي تأثيرا لحجم الانهيار التي تصيب هذه المؤسسات، لان الكل سينشغل في كيفية ترميم ما تم هدمة في بنية المجتمع وفي كيفية إعادة بناء ما تم تدميره في هذه الحرب المميتة، التي بدأت بحرب (بيولوجية) وبما أشعلته من حرب نفسية قاتلة في نفوس البشرية؛ بعد إن تم تغيير لعبة (الحرب الكونية الشاملة) بتكنولوجيا التلاعب في جينات الفيروسات قاتلة ومدمرة وإشعال فتيلة الحرب بها؛ لإحداث تغييرات شاملة في طبيعة الحروب التقليدية؛ بعد إن يتم شل طاقم القوات المسلحة بتفشي الوباء بين صفوف أفراد القوات المسلحة؛ فتشل قوة الطائرات الحربية والأساطيل البحرية وحاملات الطائرات والصواريخ والأسلحة النووية والدبابات والمدفعية عن مواجهة خطر تفشي الوباء (كورونا) بشكل مباشر، ليتحول دور الجيوش النظامية في متابعة التعبئة العامة وخطط الطوارئ والمحافظة على النظام العام بعد إن يكون (الطاقم الطبي) من أطباء وممرضات وصيادلة وعلماء وخبراء وباحثين في مجال الفيروسات وسبل المناعة والوقاية؛ في الجبهات الأمامية لمواجهة عدو غير مرئي، لان إستراتيجية الدفاع والمواجهة ستبنى وفق هذا القياس في (الحرب البيولوجية)، في وقت الذي كما لاحظنا في كل دول العالم دون استثناء – إلا التي أعدت لهذا الحرب مسبقا وسيتم التعرف عليها لا محال – عاجلا أم أجلا – بان هناك عجز تام في بنية المنظومة الصحية وتقنياتها وصناعتها لكل دول العالم بعدم قدرتها في مواجهة هذه (الجائحة)، لتكشف هذه الحقيقة زيف ادعاءات (القوى الصناعية) لتسقط أسطورة صناعتهم في أول اختبار حقيقي واجهته منظومة (العولمة) و(الليبرالية) و(الرأسمالية) التي تغنوا بها على كل المستويات؛ لتكون مؤسسات الصحية أول إعلان لفشل هذه النظم ضمن إستراتيجية القوى الصناعية العملاقة التي أخفقت وفشلت في مواجهة أخطار الحروب (البيولوجية) الواسعة النطاق؛ كما يحدث اليوم في عالمنا، لتكتشف مجتمعاتنا بعد حقبة من تخدير عقولها بهيمنة القوى الصناعية (الرأسمالية) ومفاهيم (العولمة) و(الليبرالية) على مقدرات الإنسان الإبداعية والفكرية الخلاقة التي واكبت وتواكب مفاهيم الإنسانية النبيلة؛ بان ما يعيشه الإنسان في عالمنا ليس مجرد أزمة صحية فحسب؛ بل أمرها يتعدى إلى إبعاد أخرى أكثر خطورة منها؛ كشفت هذه (الجائحة) عن قناعها المزيف بان هناك أزمة إدارية وسلوكية، و فشل ذريع في إدارة الأزمة بما أعقب تفشي الوباء من إخفاء معلومات عن الرأي العام وعدم مبالاة بالخطر الذي هدد حياة البشرية على كوكبنا؛ بعد إن عجزت وانهارت النظم الصحية في أكثر بلدان العالم تطورا وتقدما صناعيا وتكنولوجيا ورأسمالية؛ عن اتخاذ ما يلزم من تدابير وقائية ناجعة في بداية تفشي الوباء لتقليل آثارها السلبية، في وقت الذي جاء تفشي هذا الوباء لفيروس (كورونا) في عصر اعد قياسا لكل مراحل التاريخ السابقة؛ عصر ازدهار حضاري وتطور كبير لقوى الصناعة والتكنولوجيا والرأسمالية ومن الارتقاء الإنساني العالمي إلى ابعد حدود ولم يسبق له مثيل، ولكن برهن إخفاقه وفشله في أول مواجهة حقيقية لتفشي الوباء .

ومن هنا نقول ومن خلال دراسة (حركة التاريخ) عبر كل مراحله؛ نجد بان هناك تحولات – لا محال – ستعقب مثل هكذا أزمات خطيرة التي تضرب المجتمعات البشرية وتهدد مصير وجودهم، فـ(التاريخ) يطلعنا بان البشرية فوجعت بالأوبئة وحروب واستطاعت تجاوزها؛ ولكن ترتب عنها أثار سلبية عانت منها لعقود من الزمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذه الأزمات كانت دوما سببا لإحداث تسارع في (حركة التاريخ) سواء على مستوى: –

أولا.. تغيير موازين القوى.

ثانيا.. تغيير النظم السياسية والاقتصادية والسياسية.

ثالثا.. تغيير سلوك الفرد من حيث الفكر و المعتقد.

فلو أخذنا وقائع التاريخ منذ دخول البشرية العصر (الميلادي) نجد في عام ( 541 – 750 م) اجتاح العالم أول وباء (الطاعون) عرفته البشرية، واثر تفشيه احدث تغييرات مهمة في طبيعة الواقع الإنسان آنذاك بما حصد من أرواح عدد هائل من المجتمعات البشرية في الدولة (البيزنطية) و(الساسانية) وكان لتفشي وباء (الطاعون) سببا رئيسيا لانهيار كلتا الإمبراطوريتين والمنظومة الأخلاقية الدينية لكل منهما؛ والتي كانت سائدة في عصرهما اللتان كانتا لهم شان كبير في العالم آنذاك .

وضمن وقائع حركة التاريخ نقرأ أيضا؛ في أعوام ما بين عام (1346 – 1351م) يعود وباء (الطاعون) ليفتك بالبشرية مجددا، لتؤرخ لنا الأحداث بان هذا الوباء حصد أرواح (ربع سكان الأرض) وكان لسكان الدول (الأوربية) حصتها الأكبر من الوفيات بهذا الوباء، ولم تستطع البشرية تعويض هذا النقص إلا بعد فترة تجاوزت قرنين من الزمان، ومن جملة ما افرزه تفشي هذا الوباء في (أوربا) من تغيرات مجتمعية؛ هو انهيار عصور الظلام والنظام الإقطاعي و دور الكنيسة وسطوتها على المجتمعات الأوربية؛ وبدأ عصر الانفتاح نحو الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلوم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي؛ وأخذت تزدهر قيم العدل والحرية والمساواة لتكن مرحلة التي عقبت تفشي وباء (الطاعون) مرحلة انطلاق أوربا نحو (عصر النهضة) .

وفي مطلع عام (1500 ولغاية 1700 م) أي في القرن الخامس عشر ولغاية القرن الثامن عشر، تفشى وباء (الجدري) في مختلف أرجاء العالم وفي حقب زمنية مختلفة وحصد نحو (ثلاثمائة مليون إلى خمسمائة مليون) إنسان لحين إن تم اكتشاف لقاح ضد وباء (الجدري) فانخفضت الإصابات تدريجيا وسجلت آخر حالة لهذا الوباء عام ( 1977) .

ومنذ بداية عام (1817 – 1823 م) تفشى وباء (الكوليرا) الذي حصد أرواح ملايين البشر حول العالم؛ لحين إن تم إيجاد لقاح لهذا الوباء عام (1885 م ) ومع ذلك ما زال وباء (الكوليرا) ينتشر بين حين وأخر في بلدان عدة من العالم .

وفي عصر الحديث وفي مطلع (القرن العشرين) وتحديدا في أواخر (الحرب العالمية الأولى) اجتاح العالم وباء (الأنفلونزا الإسبانية) وتحديدا للفترة ( 1918 – 1919م) ليحصد أرواح ملاين البشر ليضيف لمعانات إضعاف معانات وويلات الحرب، علما بان هذا الوباء لم يظهر في (إسبانيا) رغم تسميته باسمها؛ لان الرقابة العسكرية – آنذاك – كانت تمنع الصحافة من نشر أي تقارير تتحدث عن انتشار الوباء لعدم إحباط الروح المعنوية للجنود، ولكن الصحافة (الاسبانية) تجرأت وكانت سباقة في نشر إخبار تفشي هذا الوباء في إنحاء (أوربا) ولذلك سميت باسمها، وقد حصد وباء ( الأنفلونزا الإسبانية) أرواح أبرياء تجاوز عددهم عن (خمسين مليون) إنسان حول العالم؛ وأصاب نحو (نصف مليار إنسان) ومما ساعد في انتشار هذا الوباء في العالم هو عودة الجنود المصابين بالوباء من الحرب إلى ديارهم، وكان لتفشي ( الأنفلونزا الإسبانية) سببا رئيسيا لظهور (الشيوعية) و(الفكر الاشتراكي) الذي غير كثير من مفاهيم المجتمعية بما عزز نمو الاقتصاد وخدمة الإنسان .

ثم ظهر نوع أخر من وباء (أنفلونزا) للفترة ما بين عام (1968 – 1970) عرف باسم (أنفلونزا هونع كونغ) لم يكن قاتلا مثل (الأنفلونزا الإسبانية) عام (1918م)، بقدر ما كان الفيروس معديا؛ حيث أصيب بحدود (خمسمائة ألف) إنسان في غضون أسبوعين .

ومن ثم ظهر وباء (المتلازم التنفسية الحادة ) ما بين عام (2002 – 2003م) .

وفي ثم ظهر وباء (أنفلونزا الخنازير) للفترة ما بين عام (2009 – 2010م)، في (المكسيك) و(أمريكا) حيث ظهر أول مرة بين مزارعين (مكسيكيين) وفي مزارع لتربية (الخنازير) بعد حدوث طفرة جينية للفيروس مكنته من الانتقال من (الخنازير) إلى الإنسان، وبعده أعلن بأن الوباء أصبح جائحة بعد تفشيه في العديد من الدول العالم وأودت بحياة ما يزيد عن (مائتان ألف) إنسان .

وبعدها ظهر وباء (إيبولا) ما بين عام (2014 – 2016م) وتفشى الوباء في عديد من الدول (الإفريقية) وأودت بحياة (إحدى عشر إلف) إنسان .

وفي عام (2002م) ظهر وباء (الالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد – سارس) في (الصين) بمدينتها الجنوبية (فوشان – غوانجدونغ) وأصاب هذا الوباء أكثر من (ثمانية آلاف) إنسان وتسبب في وفاة ما يزيد عن (ثمانمائة) شخصا في العالم؛ ولكن بعد مرور عام من تفشي الوباء القاتل أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن فيروس (سارس) تم احتواءه .

ومن خلال كل قراءات لـ(حركة التاريخ) في أزمنة – إثناء وما بعد تفشي الأوبئة – تحدث تغيرات إستراتيجية في منظومة النظام الدولي القائم في تلك المراحل؛ وعلى كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية، وتزداد وتيرة الصراعات بين الدول من اجل توسيع دائرة النفوذ وبسط الهيمنة وفق (إيديولوجيا قذرة) لكل دولة للهيمنة على الأخرى ومن اجل الاستحواذ على مصادر الطاقة والاقتصاد والرأسمال؛ وهكذا توظف كل قدرات المستعمر أو المهيمن في خدمة ايدولوجيا خاصة وفق اندفاع التنافس والاستعمار والهيمنة على مقدرات الشعوب الضعيفة .

ومن هنا فان أبشع ما ستفرزه هذه (الجائحة كورونا – كوفيد 19 ) هو رسم خارطة لنهاية مرحلة من (حركة تاريخ) ليبدأ (التاريخ) حركته لمرحلة أخرى بسحق (الفكر الليبرالي) و(منظومة العولمة) و (الرأسمالية) واندفا العالم نحو إيجاد أقطاب متعددة ليتنافسوا للهيمنة على العالم بقيادة متعددة الأقطاب وبوتيرة مختلفة، ومن ابرز هذه الأقطاب التي ستظهر؛ قطب (الاتحاد الأوروبي – بأجنحته لمتعددة ) و( الصين) و(أمريكا) و(روسيا) و(كوريا) و(اليابان)، ومن ابرز مظاهر التي ستطفو على السطح هو ظهور (المد القومي) و(العنصرية) التي بدأت أولى ملامحها تظهر أثناء انتشار (الجائحة – كورونا) بين دول (الاتحاد الأوربي) التي طفرت وقفزت من فوق قواعد (الاتحاد الأوربي) وسارعت كل دولة بقرار فردي ذو طابع (قومي) بإغلاق الحدود وعدم المبادرة بمساعدة الشركاء في (الاتحاد الأوربي) التي تفاقمت فيها هذه الأزمة، وكل دول الأعضاء عززت مواقفها بالانكفاء على (الذات القومي)، الأمر الذي سيدفع لمواقفهم إلى مزيد من تفكك ومن الكراهية باتجاه الأخر وتحديدا الأجانب وعلى الأقليات و اللاجئين .

لان الأزمة التي ستفرزها جائحة (كورونا) بما أعقبها أو سيعقبها نتيجة إغلاق المصانع ولفترة غير محدودة والذي أدى إلى تراجع توقعات النمو و ركود اقتصادي وكساد الأسواق وبورصات المال وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل؛ سيسرع من رسم نهاية لـ(حركة تاريخ الحديث) و لكثير من معطيات التي ستستحدث في منظومة الفكر وايدولوجيا؛ ولا سيما إذا طال أمد الأزمة جائحة (كورونا)، في وقت الذي كل المؤشرات توحي بأن الأزمة لا تزال في بداياتها، وكلما طال أمد ألازمة فان ذلك لن يكون لصالح معظم دول الصناعية المتطورة بقدر ما يكون لصالح ( الصين) التي اقتصادها ما زال صامد، لان الوباء فيها تم محاصرته في مدينة واحدة وهي (ووهان) وهذا ما سيمنحها أسبقية لاستئناف الإنتاج في مصانعها التي تتواجد في المدن (الصينية) الأخرى، وهو ما يمنحها وبدون إي تردد في استخدام اقتصادها في الحرب على الآخرين وإلى أبعد حدود، علما بأنه منذ أمد ليس بالقصر وضعت (الصين) إستراتيجية أمنية صارمة لحماية اقتصادها؛ لأنها كانت متيقنة بان (أمريكا) لن تقف مكتوفة الأيدي إمام أي تدهور يشهدها اقتصادها لحجم إمكانياتها العسكرية ولحجم استثماراتها في (الصين) ولذا سعت (الصين) إلى تطوير منظومتها العسكرية بشكل يجعلها تصد أي احتمال لغزوها أو لضرب مصانعها أو لاستهداف مصالحها الاستثمارية في دول (أسيا) و(إفريقيا) و(أوربا) و(أمريكا اللاتينية) و(استراليا) لتأثير على نموها الاقتصادي، بعد إن أيقنت بان الاقتصادي إذ أريد منه نمو وازدهار يحتاج إلى قوة عسكرية وسلاح متطور تقليدي وغير تقليدي لحمايته، بعد إن توسعت أسواقها و مصادر المواد الخام وعلى مستوى جميع القارات، ولهذا شرعت لضمان شبكة المواصلات البحرية والبرية وبما عرف بـ( مشروع الحزام والطريق) ولهذا رغم هذا البناء المستحدث في قواتها العسكرية وأسلحتها، إلا إن في كل الأحوال لا يضاهي قدرات العسكرية (الأمريكية)، ولهذا فهي فكرت مليئا ووضعت خطط استراتيجي لاستنزاف القطاعات العسكرية (الأمريكية) بكل إشكال الممكنة؛ وربما يأتي تصنيع هذا الفيروس (كورونا) المصنع في (ووهان) ضمن نطاق هذا الاستنزاف لقدرات (أمريكا) العسكرية والاقتصادية لخلق نوع من الفوضى المجتمعية في صفوف الشعوب (الأمريكية) وولاياتها الخمسين، وهذا ما جعل الإدارة (الأمريكية) تستعجل باتخاذ إجراءات غير مسبوقة رغم تفشي الوباء على مساحة (أمريكا) بإسراع لفتح مصانعها وأسواقها لتفادي أي تدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري، وهو الأمر ذاته أيضا؛ قيام الاستخبارات (الأمريكية) اليوم بتكثيف من حملات البحث والتعقب والتحليل المعلومات عن كل شاردة وواردة عن كيفية تفشي هذا الوباء وكيفية وصوله إلى أراضيها بعد إشارة أصابع الاتهام إلى (الصين) .

وهذه التطورات التي تفرزها جائحة (كورونا) هي التي تعطي مبررات للإمساك بالأمور بقبضة من حديد وعلى كل المستويات لان الخطورة تكمن في الإجراءات الاستثنائية التي يمكن إن تتخذها دول العالم بعد موجة تصاعد النزعات العنصرية وتدهور الاقتصاد التي يتأثر على قوت المواطنين بشكل مرعب؛ لان المثل يقال (قطع أعناق ولا قطع الأرزاق) وهو الأمر الذي يفتح أبواب لحروب داخلية ما يجعل مؤسسات الدول الأمنية على المحك في المرحلة القادمة لان ما سيطفح على السطح وبشكل علني؛ هو صعود التطرف بأجنحته السياسية والقومية في مؤسسات الدولة وربما يجعلهم يصعدون إلى سدة الحكم وفي دول متعددة، وهي قوى لا تؤمن لا بالفكر (الليبرالي) و لا بـ(الديمقراطية)، بعد إن تكون البشرية عبر تفشي هذه الجائحة وتفاقم الأزمة الإنسانية في المجتمعات قد غادرت الفكر (الليبرالي) بعد إن يتم دفنه من منظومة الحياة، وبعد إن بدءنا بأول خطوة في سحق (الديمقراطية)، الديمقراطية التي بدأت ملامحها تتقوض منذ الآن في كثير من بلدان العالم؛ نتيجة اتخاذ الإجراءات الوقائية وإعلان حالة الطوارئ لحد من انتشار فيروس (كورونا) في عديد من دول العالم، الأمر الذي دفع بهذه الإجراءات إلى انتهاك خصوصية الإفراد وحريتهم وعلى أرائهم ومعتقداتهم، وهنا تكمن خطورة صعود (اليمين المتطرف) إلى سدة الحكم في عديد من بلدان العالم؛ لتكون (الشعوبية) و(العنصرية) ميزة النظام الدولي الجديد ما بعد زمن (كورونا)، لتظهر منظومة جديدة من أنظمة الحكم وعلى نطاق عالمي؛ تتميز بقسوته ووحشيته اقتصاديا وعسكريا، مع هيمنة القوى النافذة، التي سيكون الإقصاء ابرز سماتها والتي تلجئ إلى العنف ضد الخصوم لتكون البشرية قد خسرت كل ارث حضارتها ووهجها، بعد إن ظل هذا الإرث الحضاري ولحقبة ليست بالقصيرة يتراجع عما تم بناءه من قيم وفكر وفلسفة وعلوم وتكنولوجيا كما كانت معطياته واضحة في (عصر النهضة) لتقدم للإنسانية معطيات أمل لتوسع الأمن والعدالة الاجتماعية لمنظومة الحياة الإنسانية على كوكبنا، ولكن رويدا – رويدا تخلخل المتطرفون في منظومة الحكم لبلدان العالم؛ وبشكل غير مسبوق في بناء ترسانة الموت والهلاك البشرية بفعل تصنيع السلاح الفتاك واندفاع في استنزاف قدرات وطاقة الأرض في الصناعة؛ لتكوين ثروات دون تخطيط لمستقبل البشرية على المدى البعيد، وكان لهذا الاستنزاف قد ارتد سلبا في قدرة طاقة الأرض على الاحتفاظ بتوازنها الطبيعي؛ بما تم من تلويث البيئة بجرف مساحات واسعة من الغابات؛ والذي أدى إلى ارتفاع الغازات الملوثة للطبيعة من المصانع والسيارات والمواد الكيماوية ومحروقات الغاز والنفط؛ التي أثرت تأثيرا سلبيا على طبقة (الأوزون) والتي احدث ثقوب فيها وتقليل من كثافة هذه الطبقة، هذه الطبقة التي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية القامة من الشمس إلى سطح الأرض إلا بكميات محدودة، وهذه الأشعة هي أشعة قاتلة لكل أنواع الكائنات التي تعيش على الكرة الأرضية؛ والذي أتى نتيجة الاحتباس الحراري فاختنقت رئة الأرض بتوسع نطاق حرائق الغابات والأعاصير المدمرة والفيضانات والغازات المنبعثة من المصانع والمعامل وشركات النفط والغاز والسيارات والقطارات، ليضاف لهذه أللامبالاة تطوير أجنة الفيروسات القاتلة للحياة البشرية وكان أخرها صناعة فيروس (كورونا) لينتشر بجائحة وبائية انتشر على مساحة كوكبنا دون إي اعتبار على ما سيؤول مصير الإنسان، وبدون أي رؤية لمخاطر هكذا أفعال وقرارات ليفتك بالإنسان وليسير مصيره نحو الهاوية، ولكن (حركة التاريخ) بكل ما سيحدث سيمضي قدما .

نعم سنشهد انكسارات ووحشية في طبيعة النظم الحاكمة؛ ولكن (تاريخ الحضارات) سيمهد طريق لولادة جديدة ولو بعد حين، مهما طال عصر الاستبداد الذي اخذ ملامحه تظهر مع بداية جائحة (كورونا) ولكن القيم الإنسانية ستبقى في ضمير الإنسانية حية وان ستتراجع لبعض الوقت .

أحدث المقالات