18 ديسمبر، 2024 9:31 م

كورونا.. المجتمعات الخفية وهندسة الموت القادم من بعيد

كورونا.. المجتمعات الخفية وهندسة الموت القادم من بعيد

(الجزء الثالث)
كورونا وأمريكا المدانة.. فضيحة نهاية زمن السلام الأمريكي
في مقال للعقيد الأمريكي المتقاعد “تي إكس هاميس” (عقيد سابق في سلاح مشاة البحرية الأمريكية) الموسوم ب: “ظاهرة نشوء الجيل الرابع من الحروب: والجيل الخامس يلوح في الأفق”، والذي نشر في المجلة العسكرية الأمريكية لسنة 2007م، أشار صاحبه إلى ضرورة اندماج وتشابك مشاكل الأعمال التجارية الأمريكية مع المشاكل العسكرية، حيث أن العالم أصبح أكثرا ترابطا ومنطق القوة أخذ في ذلك هذا المنحى.
إن الإتجاهات السياسية والإقتصادية والإجتماعية تشير إلى ظهور أشخاص أو جماعات صغيرة تم تزويدها بقوة فائقة. وهذه الجماعات يربطها حب وولاء لقضية معينة داخل كل وطن وليس حب وولاء للوطن. فمن خلال توظيفهم لتلك الوسائط/ الأجيال الجديدة للحرب التي ظهرت حديثا يستطيعون توليد قوة مدمرة عادة ما تستهدف موارد الدول القومية.
وتحظى هذه التطورات الحديثة باهتمام خاص لأن التراكيب السياسية والتجارية والإجتماعية الحديثة هي باستمرار الأكثر نجاحا في تطبيق ما يسمى بالجيل الخامس من الحروب الوليدة. فقد تفوقت في ذلك على غرار ما فعله فيروس كورونا على المؤسسات القديمة الثابتة. فاليوم هناك فرعين من هذا النوع من أجيال الحروب، وهما: الحروب الحيوية/ البيولوجية – والتي ستكون محور اهتمام هذا الجزء الثالث من المقال -، وحروب النانو -تكنولوجيا – والتي ستكون محور الجزء الرابع والأخير من المقال-. هذين النوعين لديهما القدرة على تغيير عالمنا وحروب أمريكا – حسب شهادة العقيد هاميس- بشكل يفوق قدرة حروب المعلومات على ذلك.. وعلى الرغم من كون الكثير من الكتاب الأمريكيين سنة 2007م أجمعوا على أنه لن يتم اتخاذ خطوات كبيرة آنذاك في حروب النانو – تكنولوجيا قبل عشرين عاما من ذلك التاريخ أو أكثر من ذلك، إلا أن القدرات البيولوجية المتاحة في ذلك التاريخ تعطي للولايات المتحدة الأمريكية نوعا من القدرة التدميرية كآخر نفس متاح لزمن السلام الأمريكي.
ربما كانت ما يزعم أنه هجمة الجمرة الخبيثة على مدينة مبنى الكونغرس (البرلمان الأمريكي) في أكتوبر من سنة 2001م، هو أول هجمات تجريبية لما يعرف بالحرب البيولوجية (حرب الجيل الخامس). وبالنظر إلى الجهود الضخمة التي استنفذت في التحقيقات من أجل الوصول إلى مرتكب الجريمة لم يوفق الأمن الأمريكي بالقبض على أي شخص يعتقد أنه قام بهذه الهجمة وليس معروفا فيما إذا كان مدبرها، فرد واحد أو جماعة صغيرة. إذا كان هناك عدد كبير قد تورط في هذا العمل لقام أحدهم بتسريب المعلومات أو كان قد تم القبض عليه. إذا كان هذا افتراض سليم إذن فقد كان الأمر أن هناك فرد أو جماعة صغيرة تم تزويده أو تزويدها بقوة فائقة لتهاجم الهيئة التشريعية لدولة قومية باستخدام أسلحة بيولوجية متقدمة مناصرة لقضية غير معروفة. وقد تسبب هذا الشخص أو هذه المجموعة في تعطيل عمل الكونغرس (البرلمان الأمريكي) لشهور عدة وفي إنفاق مئات الملايين من الدولارات في صورة تكاليف للتطهير والتنظيف – كما هو الشأن بالنسبة للدول المستهدفة من خلال انتشار فيروس كورونا اليوم – وكذلك فرض لوازم مراقبة البريد (والتكلفة اللازمة لها) والتي لا يزال معمولا بها حتى اليوم وهو ما يعد نتيجة أكثر من جيدة مقارنة ببضع أوقيات من الجمرة الخبيثة أو تكاليف البريد.
لقد أعطت هجمة الجمرة الخبيثة دليلا قويا على أنه أصبح اليوم بمقدرة دولة شن هجوم على فضاءات جغرافية واسعة بعيدا عن أية مساءلة أو مسؤولية دولية أو حتى إنسانية… وبمرور الزمن فقد أعطى المزيج المتألف من الدافع السياسي والإقتصادي للدولة الأمريكية قوة تدميرية أكبر وأكبر تنقذها من خيار اللجوء إلى السلاح النووي… هذا في ظل اعتقاد الكثير من الخبراء الإستراتيجيين الأمريكيين أن واشنطن قد وصلت إلى قمة القوة التدميرية بعد ظهور الأسلحة النووية الحرارية. إلا أن الحقيقة هي أن صنع وإيصال وحمل هذه القوة إلى أهدافها وضربها بالدقة المطلوبة ما زالت تحتاج إلى جهود تطويرية متقنة ومازالت عالية التكلفة.
بالمقارنة، فإن التطورات الحديثة التالي ذكرها تشير إلى أن القوة التدميرية الهائلة التي يمكن أن تسببها الأسلحة البيولوجية هي سبق أمريكي إن لم نقل أنها من صناعة خبيثة لمجموعات خفية توظف الدولة الأمريكية لمصالح إبليسية دنيئة:
ففي سنة 2004م قام فريق بقيادة الدكتور “كاريغ فينتر” بصنع فيروس جرثومي فعال من مواد كيميائية جاهزة. وقد اختار فريق فينتر فيروسا محددا واشتروا زوج الأساس الجيني اللازم لصنعه، ثم قاموا بتجميع هذا الزوج في فيروس تركيبي فعال. كل المعدات والمواد التي استخدمها الفريق متاحة تجاريا بدون أية قيود، وقد أشار في ذلك فينتر بأن ما أنجزه فريق من صفوة البيولوجيين الأمريكيين باستخدام مختبر عالي التجهيز لأول مرة يمكن أن ينجزه أي خريج مؤهل في مختبر الجامعة في وقت يقل عن عشرة أعوام.
قرر الكاتب “باول بوتين” المتخصص في العلوم أن يضطلع ب”التحدي” الذي طرحه فينتر. وبالرغم من أنه لم يكن قد دخل مختبر للأحياء منذ دراسته الثانوية فقد تمكن بوتين من صنع خميرة متوهجة بإرشاد بسيط من الدكتور “روجر برينت” الذي كان عليه أيضا المحافظة على بوتين من التجارب الخطيرة. بالرغم من أن الخميرة ليست هي الجدري إلا أن المعدات والتقنية والنيوكليوتيدات المستخدمة هي نفسها اللازمة لصنع الجدري من زوج الأساس الجيني الخاص به.
تم نشر جينوم الجدري بالكامل على الإنترنت وهو متاح على نطاق واسع – مثلما نشرت وثيقة اعتماد صناعة فيروس كورونا من قبل الإتحاد الأوروبي (أحد منظمات الطاولة المستديرة الأساسية.. المضلع السادس للمجتمعات الخفية) – وقد وجده بوتين في حوالي 15 دقيقة.
قام فريق بحث أسترالي بتسخين جدري الفأر عن طريق تنشيط جين واحد. وقد زاد هذا التعديل معدل إماتته من 30 بالمائة إلى أكثر من 80 بالمائة. بل هو مميت بنسبة تفوق 60 بالمائة لسكان محصنين ضده. وقد قام الفريق بنشر النتائج التي توصل إليها على الإنترنت، وأوضحت تلك النتائج أن الجدري له نفس الجين.
تكلفة صنع الفيروس تنخفض بشكل مطرد، فإذا ظل منحنى كارسون ثابتا ستنخفض تكلفة الزوج الجيني إلى ما بين 1 و10 سنتات خلال العقد الواحد. وبناء على هذا، يمكن للباحث طلب كل الأزواج الجينية اللازمة لصنع الفيروس بتكلفة تتراوح بين 2000 دولار و20000 دولار، وبهذا ستكلف الأدوات اللازمة لتجميع الفيروس 10000 دولار إضافية.
فحتى إذا كان من السهل أن تقوم المختبرات الأمريكية بصنع فيروس جرثومي بيولوجي إلا أن التجارب والتخزين والنشر هي الخطوات الأكثر صعوبة في استعمال العنصر البيولوجي كسلاح (وهو ما أثبتته الحرب العالمية الثالثة والتي نحن بصددها الآن ونعيش تطوراتها والتي كان لها أثرا عكسيا تجاوز نوعا ما الإرادة الأمريكية في التحكم في هذا النوع من الوسائط). فإذا كان صانع الفيروس الجرثومي على غرار كورونا يستخدم طرقا تقليدية، إلا أنه يمكن له تجنب متطلبات التجارب عن طريق اختيار مادة مميتة معروفة، فهو يعرف بالفعل أنه يمكن أن ينجح في استخدامها خارج المختبر. أما مشاكل التخزين والنشر فيمكن تفاديها عن طريق تسخير الإتجاه المتزايد نحو توظيف الهجمات الإرهابية الإنتحارية المنتشرة في أنحاء العالم، فيمكنه ببساطة حقن الفيروس في متطوعي الإنتحار فيصيرون أجهزة تخزين ونشر، أو قد تكون هنالك وسائط توصيل أخرى إذا تعلق الأمر بعوالم أخرى تساعد على توسعة عملية نشر الفيروس… “الشتاء الأسود” كان تجربة عمل أجريت عام 2001م، تتمثل فيها وتحاكي هجمة الجدري التي وقعت على ثلاث مدن أمريكية، فبعد 13 يوما من التجرية انتشر الجدري إلى 15 ولاية و15 دولة من خلال موجات وبائية – مات على إثرها مئات الآلاف من الأمريكيين الذين أصيبوا بالمرض. والغريب في الأمر أن سنة 2007م قدرت الدوائر الأمنية الأمريكية المغلقة أن جيلا رابعا من المرض سوف يخلف 3 ملايين مصاب ومليون حالة وفاة، إلا أن ذلك العمل تم إنهاؤه في ذلك الوقت.
ومن المهم أن نذكر أن الجدري مثله مثل كورونا ليس من شأنه فقط أن يتسبب في عدد استثنائي من حالات الوفاة، ولكنه سوف يؤدي إلى توقف التجارة العالمية حتى تتم السيطرة على المرض أو اختفاؤه من نفسه. مع الأخذ في عين الإعتبار أن إضراب عمال موانئ الساحل الغربي الأمريكي في عام 2002م قد كلف اقتصاد الولايات المتحدة بليون دولار يوميا، إذا ماذا لو يتم الإغلاق التام للنقل ستكون بمثابة الكارثة بالنسبة لاقتصاد قائم على نظام فوقية الدولار… والذي لا يعني أي شيء بالنسبة لمن يقيم الدنيا ويقعدها بالذهب… علكم تعرفون عمن أتحدث؟!!.
في الحقيقة، كورونا وغيرها من الأسلحة البيولوجية لها قدرة على قتل عدد أكبر من الناس وأكثر تأثيرا من الهجمات النووية. فضلا عن ذلك، وعلى خلاف الأسلحة النووية التي تتسم بصعوبة الصنع وزيادة الكلفة، فإن إنتاج الفيروس غير مكلف على المدى القريب. وكذلك سيكون اكتشافه قبل إطلاقه شيئا صعبا. ويمكن بالطبع لأي من علماء البيولوجيا اختيار أي من الأمراض المعدية الفعالة المعروفة، كما بإمكانهم تماما أن يحاولوا صنع مرض معد جديد أيضا، إلا أنه لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بالطبع عن الكيفية التي سيتعامل بها الفيروس المصنوع في المختبر عند الخروج إلى الطبيعة، وكيف ستواجه الطبيعة خروجه. وعلى هذا تتزايد احتمالات استخدام أطراف مناهضة للولايات المتحدة (في إطار الحرب العالمية الثالثة) لمرض معد (كورونا وأنماط أخرى من هذا الجيل من الحروب) موجود بالفعل أو قيامهم بتعديله ليصبح أكثر قدرة على القتل والإفناء. ويمكنهم في نفس الوقت نشر كلا من النسخة الطبيعية والنسخة المعدلة من الفيروس لضمان النجاح بالنسبة لتلك الأطراف… أما بالنسبة للنخبة العالمية المسيطرة فما الأمر إلى بوابة إلى الشروع في النوع الثاني من هذا الجيل من الحروب وهو الأهم… وهو ما سنعكف عليه من خلال الجزء الرابع والأخير من هذا المقال.

د.بلهول نسيم
(خبير في الدراسات الأمنية والعسكرية)